الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ جذا ]

                                                          جذا : جذا الشيء يجذو جذوا وجذوا وأجذى ، لغتان كلاهما : ثبت قائما ، وقيل : الجاذي كالجاثي . الجوهري : الجاذي المقعي منتصب القدمين ، وهو على أطراف أصابعه ؛ قال النعمان بن نضلة العدوي ، وكان عمر - رضي الله عنه - استعمله على ميسان :


                                                          فمن مبلغ الحسناء أن خليلها بميسان يسقى في قلال وحنتم     إذا شئت غنتني دهاقين قرية
                                                          وصناجة تجذو على كل منسم     فإن كنت ندماني فبالأكبر اسقني
                                                          ولا تسقني بالأصغر المتثلم     لعل أمير المؤمنين يسوءه
                                                          تنادمنا في الجوسق المتهدم



                                                          فلما سمع عمر ذلك قال : إي والله يسوءني وأعزلك ! ويروى :


                                                          وصناجة تجذو على حرف منسم



                                                          وقال ثعلب : الجذو على أطراف الأصابع ، والجثو على الركب . قال ابن الأعرابي : الجاذي على قدميه ، والجاثي على ركبتيه ، وأما الفراء فإنه جعلهما واحدا . الأصمعي : جثوت وجذوت ، وهو القيام على أطراف الأصابع ، وقيل : الجاذي القائم على أطراف الأصابع ؛ وقال أبو داود يصف الخيل :


                                                          جاذيات على السنابك قد أن     حلهن الإسراج والإلجام



                                                          والجمع جذاء مثل نائم ونيام ؛ قال المرار :


                                                          أعان غريب أم أمير بأرضها     وحولي أعداء جذاء خصومها



                                                          وقال أبو عمرو : جذا وجثا لغتان ، وأجذى وجذا بمعنى إذا ثبت قائما . وكل من ثبت على شيء فقد جذا عليه ؛ قال عمرو بن جميل الأسدي :


                                                          لم يبق منها سبل الرذاذ     غير أثافي مرجل جواذ



                                                          وفي حديث ابن عباس : فجذا على ركبتيه أي : جثا . قال ابن الأثير : إلا أنه بالذال أدل على اللزوم والثبوت منه بالثاء . قال ابن بري : ويقال جذا مثل جثا ، واجذوى مثل ارعوى ، فهو مجذو ؛ قال يزيد بن الحكم :


                                                          نداك عن المولى ونصرك عاتم     وأنت له بالظلم والفحش مجذوي



                                                          قال ابن جني : ليست الثاء بدلا من الذال بل هما لغتان . وفي حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - : مثل المؤمن كالخامة من الزرع ، تفيئها الريح مرة هناك ومرة هنا ، ومثل الكافر كالأرزة المجذية على وجه الأرض حتى يكون انجعافها بمرة ، أي : الثابتة المنتصبة ؛ يقال : جذت تجذو وأجذت تجذي ، والخامة من الزرع : الطاقة منه ، وتفيئها : تجيء بها وتذهب ، والأرزة : شجرة الصنوبر ، وقيل هو العرعر ، والانجعاف : الانقلاع والسقوط ، والمجذية : الثابتة على الأرض . قال الأزهري : الإجذاء في [ ص: 108 ] هذا الحديث لازم يقال : أجذى الشيء يجذي وجذا يجذو جذوا ، إذا انتصب واستقام ، واجذوذى اجذيذاء مثله . والمجذوذي : الذي يلازم الرحل ، والمنزل لا يفارقه ؛ وأنشد لأبي الغريب النصري :


                                                          ألست بمجذوذ على الرحل دائب     فما لك إلا ما رزقت نصيب



                                                          وفي حديث فضالة : دخلت على عبد الملك بن مروان وقد جذا منخراه ، وشخصت عيناه ، فعرفنا منه الموت أي : انتصب وامتد . وتجذيت يومي أجمع أي : دأبت . وأجذى الحجر : أشاله ، والحجر مجذى . والتجاذي في إشالة الحجر : مثل التجاثي . وفي حديث ابن عباس - رضي الله عنه - : مر بقوم يجذون حجرا أي : يشيلونه ويرفعونه ، ويروى : وهم يتجاذون مهراسا ، المهراس : الحجر العظيم الذي يمتحن برفعه قوة الرجل . وفي حديث ابن عباس : مر بقوم يتجاذبون حجرا ، ويروى يجذون ؛ قال أبو عبيد : الإجذاء إشالة الحجر لتعرف به شدة الرجل ؛ يقال : هم يجذون حجرا ويتجاذونه . أبو عبيد : الإجذاء في حديث ابن عباس واقع ؛ وأما قول الراعي يصف ناقة صلبة :


                                                          وبازل كعلاة القين دوسرة     لم يجذ مرفقها في الدف من زور



                                                          فإنه أراد لم يتباعد من جنبه منتصبا من زور ولكن خلقة . وأجذى طرفه : نصبه ورمى به أمامه ؛ قال أبو كبير الهذلي :


                                                          صديان أجذى الطرف في ملمومة     لون السحاب بها كلون الأعبل



                                                          وتجاذوه : ترابعوه ليرفعوه . وجذا القراد في جنب البعير جذوا : لصق به ولزمه . ورجل مجذوذ : متذلل ؛ عن الهجري . قال ابن سيده : وإذا صحت اللفظة عن العربي فهو عندي من هذا كأنه لصق بالأرض لذله . ومجذاء الطائر : منقاره ؛ وقول أبي النجم يصف ظليما :


                                                          ومرة بالحد من مجذائه



                                                          قال : المجذاء منقاره ، وأراد أنه ينزع أصول الحشيش بمنقاره ؛ قال ابن الأنباري : المجذاء عود يضرب به ؛ قال الراجز :

                                                          ومهمه للركب ذي انجياذ

                                                          وذي تباريح وذي اجلواذ     ليس بذي عد ولا إخاذ
                                                          غلست قبل الأعقد الشماذ



                                                          قال : لا أدري انجياذ أم انجباذ . وفي النوادر : أكلنا طعاما فجاذى بيننا ، ووالى وتابع أي : قتل بعضنا على إثر بعض . ويقال : جذيته عنه وأجذيت عنه أي : منعته ؛ وقول ذي الرمة يصف جمالا :


                                                          على كل موار أفانين سيره     شؤو لأبواع الجواذي الرواتك



                                                          قيل في تفسيره : الجواذي السراع اللواتي لا ينبسطن من سرعتهن . وقال أبو ليلى : الجواذي التي تجذو في سيرها كأنها تقلع السير ؛ قال ابن سيده : ولا أعرف جذا أسرع ولا جذا أقلع . وقال الأصمعي : الجواذي الإبل السراع اللاتي لا ينبسطن في سيرهن ، ولكن يجذون وينتصبن . والجذوة والجذوة والجذوة : القبسة من النار ، وقيل : هي الجمرة ، والجمع جذا وجذا ، وحكى الفارسي جذاء - ممدودة - وهو عنده جمع جذوة ؛ فيطابق الجمع الغالب على هذا النوع من الآحاد . أبو عبيد في قوله - عز وجل - : أو جذوة من النار ؛ الجذوة مثل الجذمة ، وهي القطعة الغليظة من الخشب ليس فيها لهب . وفي الصحاح : كأن فيها نارا ولم يكن . وقال مجاهد : أو جذوة من النار ؛ أي : قطعة من الجمر ، قال : وهي بلغة جميع العرب . وقال أبو سعيد : الجذوة عود غليظ يكون أحد رأسيه جمرة ، والشهاب دونها في الدقة . قال : والشعلة ما كان في سراج أو في فتيلة . ابن السكيت : جذوة من النار وجذى ، وهو العود الغليظ يؤخذ فيه نار . ويقال لأصل الشجرة : جذية وجذاة . الأصمعي : جذم كل شيء وجذيه أصله . والجذاء : أصول الشجر العظام العادية التي بلي أعلاها وبقي أسفلها ؛ قال تميم بن مقبل :


                                                          باتت حواطب ليلى يلتمسن لها     جزل الجذا غير خوار ولا دعر



                                                          واحدته جذاة ؛ قال ابن سيده : قال أبو حنيفة : ليس هذا بمعروف ، وقد وهم أبو حنيفة ؛ لأن ابن مقبل قد أثبته وهو من هو . وقال مرة : الجذاة من النبت لم أسمع لها بتحلية ، قال : وجمعها جذاء ؛ وأنشد لابن أحمر :


                                                          وضعن بذي الجذاة فضول ريط     لكيما يختدرن ويرتدينا



                                                          ويروى : لكيما يجتذين . ابن السكيت : ونبت يقال له الجذاة يقال : هذه جذاة كما ترى قال : فإن ألقيت منها الهاء فهو - مقصور - يكتب بالياء ؛ لأن أوله مكسور . والحجى : العقل يكتب بالياء ؛ لأن أوله مكسور . واللثى : جمع لثة يكتب - بالياء - . قال : والقضة تجمع القضين والقضون ، وإذا جمعته على مثال البرى قلت القضى . قال ابن بري : والجذاء - بالكسر - جمع جذاة اسم بنت ؛ قال الشاعر :


                                                          يديت على ابن حسحاس بن وهب     بأسفل ذي الجذاة يد الكريم



                                                          رأيت في بعض حواشي نسخة من نسخ أمالي ابن بري بخط بعض الفضلاء قال : هذا الشاعر عامر بن مؤاله ، واسمه معقل ، وحسحاس هو حسحاس بن وهب بن أعيا بن طريف الأسدي . والجاذية : الناقة التي لا تلبث إذا نتجت أن تغرز أي : يقل لبنها . الليث : رجل جاذ وامرأة جاذية بين الجذو ، وهو قصير الباع ؛ وأنشد لسهم بن حنظلة أحد بني ضبيعة بن غني بن أعصر :


                                                          إن الخلافة لم تكن مقصورة     أبدا على جاذي اليدين مجذر



                                                          يريد : قصيرهما ؛ وفي الصحاح : مبخل . الكسائي : إذا حمل ولد الناقة في سنامه شحما قيل أجذى ، فهو مجذ ؛ قال ابن بري : شاهده قول الخنساء :


                                                          يجذين نيا ولا يجذين قردانا



                                                          يجذين الأول من السمن ، ويجذين الثاني من التعلق . يقال : جذى [ ص: 109 ] القراد بالجمل تعلق . والجذاة : موضع .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية