الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ جرا ]

                                                          جرا : الجرو والجروة : الصغير من كل شيء حتى من الحنظل والبطيخ والقثاء والرمان والخيار والباذنجان ، وقيل : هو ما استدار من ثمار الأشجار كالحنظل ونحوه ، والجمع أجر . وفي الحديث : أهدي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قناع من رطب ، وأجر زغب ; يعني شعارير القثاء ، وفي حديث آخر : أنه أتي بقناع جرو ، والجمع الكثير جراء ، وأراد بقوله أجر زغب صغار القثاء المزغب الذي زئبره عليه ; شبهت بأجري السباع والكلاب لرطوبتها ، والقناع : الطبق . وأجرت الشجرة : صار فيها الجراء . الأصمعي : إذا أخرج الحنظل ثمره فصغاره الجراء ، واحدها جرو ، ويقال لشجرته قد أجرت . وجرو الكلب والأسد والسباع ، وجروه وجروه كذلك ، والجمع أجر وأجرية ; هذه عن اللحياني ، وهي نادرة ، وأجراء وجراء ، والأنثى جروة . وكلبة مجر ومجرية ذات جرو ، وكذلك السبعة أي : معها جراؤها ; وقال الهذلي :


                                                          وتجر مجرية لها لحمى إلى أجر حواشب

                                                          أراد بالمجرية ههنا ضبعا ذات أولاد صغار ، شبهها بالكلبة المجرية ; وأنشد الجوهري للجميح الأسدي واسمه منقذ :


                                                          أما إذا حردت حردي فمجرية     ضبطاء تسكن غيلا غير مقروب

                                                          الجوهري في جمعه على أجر قال : أصله أجرو على أفعل ، قال : وجمع الجراء أجرية . والجرو : وعاء بزر الكعابير ، وفي المحكم : بزر الكعابير التي في رءوس العيدان . والجروة : النفس . ويقال للرجل إذا وطن نفسه على أمر : ضرب لذلك الأمر جروته أي : صبر له ووطن عليه ، وضرب جروة نفسه كذلك ; قال الفرزدق :


                                                          فضربت جروتها وقلت لها اصبري     وشددت في ضنك المقام إزاري

                                                          ويقال : ضربت جروتي عنه وضربت جروتي عليه ، أي : صبرت عنه وصبرت عليه . ويقال : ألقى فلان جروته إذا صبر على الأمر . وقولهم : ضرب عليه جروته أي : وطن نفسه عليه . قال ابن بري : قال أبو عمرو يقال ضربت عن ذلك الأمر جروتي أي اطمأنت نفسي ; وأنشد :


                                                          ضربت بأكناف اللوى عنك جروتي     وعلقت أخرى لا تخون المواصلا

                                                          والجروة : الثمرة أول ما تنبت غضة ; عن أبي حنيفة . والجراوي : ماء ; وأنشد ابن الأعرابي :


                                                          ألا لا أرى ماء الجراوي شافيا     صداي وإن روى غليل الركائب

                                                          وجرو وجري وجرية : أسماء . وبنو جروة بطن من العرب ، وكان ربيعة بن عبد العزى بن عبد شمس بن عبد مناف يقال له جرو البطحاء . وجروة : اسم فرس شداد العبسي أبي عنترة ; قال شداد :


                                                          فمن يك سائلا عني فإني     وجروة لا ترود ولا تعار

                                                          وجروة أيضا : فرس أبي قتادة شهد عليه يوم السرح . وجرى الماء والدم ونحوه جريا وجرية وجريانا ، وإنه لحسن الجرية ، وأجراه هو وأجريته أنا . يقال : ما أشد جرية هذا الماء - بالكسر - . وفي الحديث : وأمسك الله جرية الماء ; هي - بالكسر - : حالة الجريان ; ومنه : وعال قلم زكريا الجرية . وجرت الأقلام مع جرية الماء ، كل هذا - بالكسر - . وفي حديث عمر : إذا أجريت الماء على الماء أجزأ عنك ; يريد إذا صببت الماء على البول فقد طهر المحل ولا حاجة بك إلى غسله ودلكه . وجرى الفرس وغيره جريا وجراء : أجراه ; قال أبو ذؤيب :


                                                          يقربه للمستضيف إذا دعا     جراء وشد كالحريق ضريج

                                                          أراد جري هذا الرجل إلى الحرب ، ولا يعني فرسا ; لأن هذيلا إنما هم عراجلة رجالة . والإجريا : ضرب من الجري ; قال :


                                                          غمر الأجاري مسحا مهرجا

                                                          وقال رؤبة :


                                                          غمر الأجاري كريم السنح     أبلج لم يولد بنجم الشح

                                                          أراد السنخ فأبدل الخاء حاء . وجرت الشمس وسائر النجوم : سارت من المشرق إلى المغرب . والجارية : الشمس سميت بذلك لجريها من القطر إلى القطر . التهذيب : والجارية عين الشمس في السماء ، قال الله - عز وجل - : والشمس تجري لمستقر لها . والجارية : الريح ; قال الشاعر :


                                                          فيوما تراني في الفريق معقلا     ويوما أباري في الرياح الجواريا

                                                          وقوله تعالى : فلا أقسم بالخنس الجوار الكنس ; يعني النجوم . وجرت السفينة جريا كذلك . والجارية : السفينة ، صفة غالبة . وفي التنزيل : حملناكم في الجارية ، وفيه : وله الجواري المنشآت في البحر ، وقوله - عز وجل - : بسم الله مجراها ومرساها ; هما مصدران من أجريت السفينة وأرسيت ، ومجراها ومرساها - بالفتح - من جرت السفينة ورست ; وقول لبيد :


                                                          وغنيت سبتا قبل مجرى داحس     لو كان للنفس اللجوج خلود

                                                          ومجرى داحس كذلك . الليث : الخيل تجري والرياح تجري والشمس تجري جريا إلا الماء فإنه يجري جرية ، والجراء للخيل خاصة ; وأنشد :


                                                          غمر الجراء إذا قصرت عنانه

                                                          وفرس ذو أجاري أي : ذو فنون في الجري . وجاراه مجاراة وجراء أي : جرى معه ، وجاراه في الحديث وتجاروا فيه . وفي حديث الرياء : من طلب العلم ليجاري به العلماء أي : يجري معهم في المناظرة والجدال ليظهر علمه إلى الناس رياء وسمعة . ومنه الحديث : تتجارى بهم الأهواء كما يتجارى الكلب بصاحبه أي : يتواقعون في الأهواء الفاسدة ويتداعون فيها ، تشبيها بجري الفرس ; والكلب - بالتحريك - : داء [ ص: 135 ] معروف يعرض للكلب فمن عضه قتله . ابن سيده : قال الأخفش والمجرى في الشعر حركة حرف الروي ، فتحته وضمته وكسرته ، وليس في الروي المقيد مجرى ; لأنه لا حركة فيه فتسمى مجرى ، وإنما سمي ذلك مجرى ; لأنه موضع جري حركات الإعراب والبناء . والمجاري : أواخر الكلم ، وذلك لأن حركات الإعراب والبناء إنما تكون هنالك ; قال ابن جني : سمي بذلك ; لأن الصوت يبتدئ بالجريان في حروف الوصل منه ، ألا ترى أنك إذا قلت :


                                                          قتيلان لم يعلم لنا الناس مصرعا

                                                          فالفتحة في العين هي ابتداء جريان الصوت في الألف ; وكذلك قولك :


                                                          يا دار مية بالعلياء فالسند

                                                          تجد كسرة الدال هي ابتداء جريان الصوت في الياء ; وكذا قوله :


                                                          هريرة ودعها وإن لام لائم

                                                          تجد ضمة الميم منها ابتداء جريان الصوت في الواو ; قال : فأما قول سيبويه هذا باب مجاري أواخر الكلم من العربية وهي تجري على ثمانية مجار ، فلم يقصر المجاري هنا على الحركات فقط كما قصر العروضيون المجرى في القافية على حركة حرف الروي دون سكونه ، لكن غرض صاحب الكتاب في قوله مجاري أواخر الكلم أي : أحوال أواخر الكلم وأحكامها والصور التي تتشكل لها ، فإذا كانت أحوالا وأحكاما فسكون الساكن حال له ، كما أن حركة المتحرك حال له أيضا ، فمن هنا سقط تعقب من تتبعه في هذا الموضع فقال : كيف ذكر الوقف والسكون في المجاري ، وإنما المجاري فيما ظنه الحركات ، وسبب ذلك خفاء غرض صاحب الكتاب عليه ، قال : وكيف يجوز أن يسلط الظن على أقل أتباع سيبويه فيما يلطف عن هذا الجلي الواضح فضلا عن نفسه فيه ؟ أفتراه يريد الحركة ويذكر السكون ؟ هذه غباوة ممن أوردها ، وضعف نظر وطريقة دل على سلوكه إياها ، قال : أولم يسمع هذا المتتبع بهذا القدر قول الكافة أنت تجري عندي مجرى فلان وهذا جار مجرى هذا ؟ فهل يراد بذلك أنت تتحرك عندي بحركته ، أو يراد صورتك عندي صورته ، وحالك في نفسي ومعتقدي حاله ؟ . والجارية : عين كل حيوان . والجارية : النعمة من الله على عباده . وفي الحديث : الأرزاق جارية ، والأعطيات دارة متصلة ; قال شمر : هما واحد يقول هو دائم . يقال : جرى له ذلك الشيء ودر له بمعنى دام له ; وقال ابن حازم يصف امرأة :


                                                          غذاها فارض يجري عليها     ومحض حين ينبعث العشار

                                                          قال ابن الأعرابي : ومنه قولك : أجريت عليه كذا أي : أدمت له . والجراية : الجاري من الوظائف . وفي الحديث : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية أي : دارة متصلة كالوقوف المرصدة لأبواب البر . والإجريا والإجرياء : الوجه الذي تأخذ فيه ، وتجري عليه ; قال لبيد يصف الثور :


                                                          وولى كنصل السيف يبرق متنه     على كل إجريا يشق الخمائلا

                                                          وقالوا : الكرم من إجرياه ومن إجريائه أي : من طبيعته ; عن اللحياني ، وذلك لأنه إذا كان الشيء من طبعه جرى إليه وجرن عليه . والإجريا - بالكسر - : الجري والعادة مما تأخذ فيه ; قال الكميت :


                                                          وولى بإجريا ولاف كأنه     على الشرف الأقصى يساط ويكلب

                                                          وقال أيضا :


                                                          على تلك إجرياي وهي ضريبتي     ولو أجلبوا طرا علي وأحلبوا

                                                          وقولهم : فعلت ذلك من جراك ومن جرائك أي : من أجلك لغة في جراك ; ومنه قول أبي النجم :


                                                          فاضت دموع العين من جراها

                                                          ولا تقل مجراك . والجري : الوكيل : الواحد والجمع والمؤنث في ذلك سواء . ويقال : جري بين الجراية والجراية . وجرى جريا : وكله . قال أبو حاتم : وقد يقال للأنثى جرية - بالهاء - وهي قليلة ; قال الجوهري : والجمع أجرياء . والجري : الرسول ، وقد أجراه في حاجته ; قال ابن بري : شاهده قول الشماخ :


                                                          تقطع بيننا الحاجات إلا     حوائج يحتملن مع الجري

                                                          وفي حديث أم إسماعيل - عليه السلام - : فأرسلوا جريا أي : رسولا . والجري : الخادم أيضا ; قال الشاعر :


                                                          إذا المعشيات منعن الصبو     ح حث جريك بالمحصن

                                                          قال : المحصن : المدخر للجدب . والجري : الأجير ; عن كراع . ابن السكيت : إني جريت جريا واستجريت أي : وكلت وكيلا . وفي الحديث : أنت الجفنة الغراء ، فقال قولوا بقولكم ولا يستجرينكم الشيطان أي : لا يستغلبنكم ، كانت العرب تدعو السيد المطعام جفنة لإطعامه فيها ، وجعلوها غراء لما فيها من وضح السنام ، وقوله ولا يستجرينكم من الجري ، وهو الوكيل . تقول : جريت جريا واستجريت جريا أي : اتخذت وكيلا ; يقول : تكلموا بما يحضركم من القول ولا تتنطعوا ولا تسجعوا ولا تتكلفوا كأنكم وكلاء الشيطان ورسله كأنما تنطقون عن لسانه ; قال الأزهري : وهذا قول القتيبي ولم أر القوم سجعوا في كلامهم فنهاهم عنها ، ولكنهم مدحوا فكره لهم الهرف في المدح فنهاهم عنه ، وكان ذلك تأديبا لهم ولغيرهم من الذين يمدحون الناس في وجوههم ، ومعنى لا يستجرينكم أي : لا يستتبعنكم فيتخذكم جريه ووكيله ، وسمي الوكيل جريا ; لأنه يجري مجرى موكله . والجري : الضامن ، وأما الجريء المقدام فهو من باب الهمز . والجارية : الفتية من النساء بينة الجراية والجراء والجرى والجراء والجرائية ; الأخيرة عن ابن الأعرابي . أبو زيد : جارية بينة الجراية والجراء ، وجري بين الجراية ; وأنشد الأعشى :


                                                          والبيض قد عنست وطال جراؤها      [ ص: 136 ] ونشأن في قن وفي أذواد

                                                          ويروى - بفتح الجيم وكسرها - ; قال ابن بري : صواب إنشاده ، والبيض - بالخفض - عطف على الشرب في قوله قبله :


                                                          ولقد أرجل لمتي بعشية     للشرب قبل سنابك المرتاد

                                                          أي أتزين للشرب وللبيض . وقولهم : كان ذلك في أيام جرائها - بالفتح - أي : صباها . والجري : ضرب من السمك . والجرية : الحوصلة ، ومن جعلهما ثنائيين فهما فعلي وفعلية ، وكل منهما مذكور في موضعه . الفراء . يقال ألقه في جريتك ، وهي الحوصلة . أبو زيد : هي القرية والجرية والنوطة لحوصلة الطائر ; هكذا رواه ثعلب عن ابن نجدة بغير همز ، وأما ابن هانئ : فإنه الجريئة مهموز لأبي زيد .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية