الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ جزأ ]

                                                          جزأ : الجزء والجزء : البعض ، والجمع أجزاء . سيبويه : لم يكسر الجزء على غير ذلك . وجزأ الشيء جزءا وجزأه كلاهما : جعله أجزاء ، وكذلك التجزئة . وجزأ المال بينهم مشدد لا غير : قسمه . وأجزأ منه جزءا : أخذه . والجزء في كلام العرب : النصيب ، وجمعه أجزاء ; وفي الحديث : قرأ جزأه من الليل الجزء : النصيب والقطعة من الشيء ; وفي الحديث : الرؤيا الصالحة جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة ; قال ابن الأثير : وإنما خص هذا العدد المذكور ; لأن عمر النبي - صلى الله عليه وسلم - في أكثر الروايات الصحيحة كان ثلاثا وستين سنة ، وكانت مدة نبوته منها ثلاثا وعشرين سنة ; لأنه بعث عند استيفاء الأربعين ، وكان في أول الأمر يرى الوحي في المنام ، ودام كذلك نصف سنة ، ثم رأى الملك في اليقظة ، فإذا نسبت مدة الوحي في النوم ، وهي نصف سنة ، إلى مدة نبوته ، وهي ثلاث وعشرون سنة ، كانت نصف جزء من ثلاثة وعشرين جزءا ، وهو جزء واحد من ستة وأربعين جزءا ; قال : وقد تعاضدت الروايات في أحاديث الرؤيا بهذا العدد ، وجاء في بعضها جزء من خمسة وأربعين جزءا ، ووجه ذلك أن عمره لم يكن قد استكمل ثلاثا وستين سنة ، ومات في أثناء السنة الثالثة والستين ، ونسبة نصف السنة إلى اثنتين وعشرين سنة وبعض الأخرى ، كنسبة جزء من خمسة وأربعين ; وفي بعض الروايات : جزء من أربعين ، ويكون محمولا على من روى أن عمره كان ستين سنة ، فيكون نسبة نصف سنة إلى عشرين سنة ، كنسبة جزء إلى أربعين . ومنه الحديث : الهدي الصالح والسمت الصالح جزء من خمسة وعشرين جزءا من النبوة أي : إن هذه الخلال من شمائل الأنبياء ومن جملة الخصال المعدودة من خصالهم ، وأنها جزء معلوم من أجزاء أفعالهم فاقتدوا بهم فيها وتابعوهم ، وليس المعنى أن النبوة تتجزأ ، ولا أن من جمع هذه الخلال كان فيه جزء من النبوة ، فإن النبوة غير مكتسبة ولا مجتلبة بالأسباب ، وإنما هي كرامة من الله - عز وجل - ; ويجوز أن يكون أراد بالنبوة ههنا ما جاءت به النبوة ودعت إليه من الخيرات أي : إن هذه الخلال جزء من خمسة وعشرين جزءا مما جاءت به النبوة ودعا إليه الأنبياء . وفي الحديث : أن رجلا أعتق ستة مملوكين عند موته ، لم يكن له مال غيرهم ، فدعاهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجزأهم أثلاثا ثم أقرع بينهم ، فأعتق اثنين وأرق أربعة أي فرقهم أجزاء ثلاثة وأراد بالتجزئة أنه قسمهم على عبرة القيمة دون عدد الرءوس إلا أن قيمتهم تساوت فيهم ، فخرج عدد الرءوس مساويا للقيم . وعبيد أهل الحجاز إنما هم الزنوج والحبش غالبا ، والقيم فيهم متساوية أو متقاربة ، ولأن الغرض أن تنفذ وصيته في ثلث ماله ، والثلث إنما يعتبر بالقيمة لا بالعدد . وقال بظاهر الحديث مالك والشافعي وأحمد ، وقال أبو حنيفة - رحمهم الله - : يعتق ثلث كل واحد منهم ويستسعى في ثلثيه . التهذيب : يقال : جزأت المال بينهم وجزأته : أي : قسمته . والمجزوء من الشعر : ما حذف منه جزءان أو كان على جزأين فقط ، فالأولى على السلب ، والثانية على الوجوب . وجزأ الشعر جزءا وجزأه فيهما : حذف منه جزأين أو بقاه على جزأين . التهذيب : والمجزوء من الشعر : إذا ذهب فعل كل واحد من فواصله كقوله :


                                                          يظن الناس بالملكي ن أنهما قد التأما     فإن تسمع بلأمهما
                                                          فإن الأمر قد فقما

                                                          ومنه قوله :


                                                          أصبح قلبي صردا     لا يشتهي أن يردا

                                                          ذهب منه الجزء الثالث من عجزه . والجزء : الاستغناء بالشيء عن الشيء ، وكأنه الاستغناء بالأقل عن الأكثر ، فهو راجع إلى معنى الجزء . ابن الأعرابي : يجزيء قليل من كثير ويجزئ هذا من هذا : أي : كل واحد منهما يقوم مقام صاحبه ، وجزأ بالشيء وتجزأ : قنع واكتفى به ، وأجزأه الشيء : كفاه ; وأنشد :


                                                          لقد آليت أغدر في جداع     وإن منيت أمات الرباع
                                                          بأن الغدر في الأقوام عار     وأن المرء يجزأ بالكراع

                                                          أي يكتفي به . ومنه قول الناس : اجتزأت بكذا وكذا ، وتجزأت به : بمعنى اكتفيت وأجزأت بهذا المعنى . وفي الحديث : ليس شيء يجزئ من الطعام والشراب إلا اللبن ، أي : ليس يكفي . وجزئت الإبل : إذا اكتفت بالرطب عن الماء . وجزأت تجزأ جزءا وجزءا - بالضم - وجزوءا أي : اكتفت ، والاسم الجزء . وأجزأها هو وجزأها تجزئة وأجزأ القوم : جزئت إبلهم . وظبية جازئة : استغنت بالرطب عن الماء . والجوازئ : الوحش ; لتجزئها بالرطب عن الماء ; وقول الشماخ بن ضرار ، واسمه معقل ، وكنيته أبو سعيد :


                                                          إذا الأرطى توسد أبرديه     خدود جوازئ بالرمل عين

                                                          لا يعني به الظباء ، كما ذهب إليه ابن قتيبة ; لأن الظباء لا تجزأ بالكلإ [ ص: 137 ] عن الماء ، وإنما عنى البقر ، ويقوي ذلك أنه قال : عين ، والعين من صفات البقر لا من صفات الظباء ; والأرطى - مقصور - : شجر يدبغ به ، وتوسد أبرديه أي : اتخذ الأرطى فيهما كالوسادة ، والأبردان : الظل والفيء ، سميا بذلك لبردهما . والأبردان أيضا : الغداة والعشي ، وانتصاب أبرديه على الظرف ; والأرطى مفعول مقدم بتوسد ، أي : توسد خدود البقر الأرطى في أبرديه ، والجوازئ : البقر والظباء التي جزأت بالرطب عن الماء ، والعين جمع عيناء ، وهي الواسعة العين ; وقول ثعلب بن عبيد :


                                                          جوازئ لم تنزع لصوب غمامة     وروادها في الأرض دائمة الركض

                                                          قال : إنما عنى بالجوازئ النخل يعني أنها قد استغنت عن السقي ، فاستبعلت . وطعام لا جزء له : أي : لا يتجزأ بقليله . وأجزأ عنه مجزأه ومجزأته ومجزأه ومجزأته : أغنى عنه مغناه . وقال ثعلب : البقرة تجزئ عن سبعة وتجزي ، فمن همز فمعناه تغني ، ومن لم يهمز فهو من الجزاء . وأجزأت عنك شاة ، لغة في جزت أي : قضت ; وفي حديث الأضحية : ولن تجزئ عن أحد بعدك : أي لن تكفي ، من أجزأني الشيء أي : كفاني . ورجل له جزء أي : غناء ; قال :


                                                          إني لأرجو من شبيب برا     والجزء إن أخدرت يوما قرا

                                                          أي أن يجزئ عني ويقوم بأمري . وما عنده جزأة ذلك ، أي : قوامه . ويقال : ما لفلان جزء وما له إجزاء : أي : ما له كفاية . وفي حديث سهل : ما أجزأ منا اليوم أحد كما أجزأ فلان ، أي : فعل فعلا ظهر أثره وقام فيه مقاما لم يقمه غيره ولا كفى فيه كفايته . والجزأة : أصل مغرز الذنب ، وخص به بعضهم أصل ذنب البعير من مغرزه . والجزأة - بالضم - : نصاب السكين والإشفى والمخصف والميثرة ، وهي الحديدة التي يؤثر بها أسفل خف البعير . وقد أجزأها وجزأها وأنصبها : جعل لها نصابا وجزأة ، وهما عجز السكين . قال أبو زيد : الجزأة لا تكون للسيف ولا للخنجر ، ولكن للميثرة التي يوسم بها أخفاف الإبل والسكين ، وهي المقبض . وفي التنزيل العزيز : وجعلوا له من عباده جزءا . قال أبو إسحاق : يعني به الذين جعلوا الملائكة بنات الله - تعالى الله وتقدس عما افتروا - . قال : وقد أنشدت بيتا يدل على أن معنى جزءا معنى الإناث . قال : ولا أدري البيت هو قديم أم مصنوع ؟ :


                                                          إن أجزأت حرة يوما فلا عجب     قد تجزئ الحرة المذكار أحيانا

                                                          والمعنى في قوله : وجعلوا له من عباده جزءا ، أي : جعلوا نصيب الله من الولد الإناث . قال : ولم أجده في شعر قديم ولا رواه عن العرب الثقات . وأجزأت المرأة : ولدت الإناث ; وأنشد أبو حنيفة :


                                                          زوجتها من بنات الأوس مجزئة     للعوسج اللدن في أبياتها زجل

                                                          يعني امرأة غزالة بمغازل سويت من شجر العوسج . الأصمعي : اسم الرجل جزء ، وكأنه مصدر جزأت جزءا . وجزء : اسم موضع . قال الراعي :


                                                          كانت بجزء فمنتها مذاهبه     وأخلفتها رياح الصيف بالغبر

                                                          والجازئ : فرس الحارث بن كعب . وأبو جزء : كنية . وجزء - بالفتح - : اسم رجل . قال حضرمي بن عامر :


                                                          إن كنت أزننتني بها كذبا     جزء فلاقيت مثلها عجلا

                                                          والسبب في قول هذا الشعر أن هذا الشاعر كان له تسعة إخوة فهلكوا ، وهذا جزء هو ابن عمه وكان ينافسه ، فزعم أن حضرميا سر بموت إخوته ; لأنه ورثهم فقال حضرمي هذا البيت ، وقبله :


                                                          أفرح أن أرزأ الكرام وأن     أورث ذودا شصائصا نبلا

                                                          يريد : أأفرح فحذف الهمزة ، وهو على طريق الإنكار : أي : لا وجه للفرح بموت الكرام من إخوتي لإرث شصائص لا ألبان لها ، واحدتها شصوص ، ونبلا : صغارا . وروى : أن جزءا هذا كان له تسعة إخوة جلسوا على بئر فانخسفت بهم ، فلما سمع حضرمي بذلك قال : إنا لله كلمة وافقت قدرا ، يريد قوله : فلاقيت مثلها عجلا . وفي الحديث : أنه - صلى الله عليه وسلم - أتي بقناع جزء ; قال الخطابي : زعم راويه أنه اسم الرطب عند أهل المدينة ; قال : فإن كان صحيحا فكأنهم سموه بذلك للاجتزاء به عن الطعام ; والمحفوظ : بقناع جرو - بالراء - وهو صغار القثاء ، وقد ذكر في موضعه .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية