الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ جمح ]

                                                          جمح : جمحت المرأة تجمح جماحا من زوجها : خرجت من بيته إلى أهلها قبل أن يطلقها ، ومثله طمحت طماحا ; قال :


                                                          إذا رأتني ذات ضغن حنت وجمحت من زوجها وأنت



                                                          وفرس جموح إذا لم يثن رأسه . وجمح الفرس بصاحبه جمحا وجماحا : ذهب يجري جريا غالبا واعتز فارسه وغلبه . وفرس جامح وجموح ، الذكر والأنثى في جموح سواء ; وقال الأزهري عند النعتين : الذكر والأنثى فيه سواء ; وكل شيء مضى لشيء على وجهه فقد جمح به ، وهو جموح ; قال :


                                                          إذا عزمت على أمر جمحت به     لا كالذي صد عنه ثم لم ينب



                                                          والجموح من الرجال : الذي يركب هواه فلا يمكن رده ; قال الشاعر :


                                                          خلعت عذاري جامحا لا يردني     عن البيض أمثال الدمى زجر زاجر



                                                          وجمح إليه أي : أسرع . وقوله تعالى : لولوا إليه وهم يجمحون ; أي : يسرعون ; وقال الزجاج : يسرعون إسراعا لا يرد وجوههم شيء ، ومن هذا قيل : فرس جموح ، وهو الذي إذا حمل لم يرده اللجام . ويقال : جمح وطمح إذا أسرع ولم يرد وجهه شيء . قال الأزهري : فرس جموح له معنيان : أحدهما يوضع موضع العيب ، وذلك إذا كان من عادته ركوب الرأس ، لا يثنيه راكبه . وهذا من الجماح الذي يرد منه بالعيب ، والمعنى الثاني في الفرس الجموح أن يكون سريعا نشيطا مروحا ، وليس بعيب يرد منه ، ومصدره الجموح ; ومنه قول امرئ القيس :


                                                          جموحا مروحا وإحضارها     كمعمعة السعف الموقد



                                                          وإنما مدحها فقال :


                                                          وأعددت للحرب وثابة     جواد المحثة والمرود



                                                          ثم وصفها فقال : جموحا مروحا أو سبوحا أي : تسرع براكبها . وفي الحديث : أنه جمح في أثره أي : أسرع إسراعا لا يرده شيء . وجمحت السفينة تجمح جموحا : تركت قصدها فلم يضبطها الملاحون . وجمحوا بكعابهم : كجبحوا . وتجامح الصبيان بالكعاب إذا رموا كعبا بكعب حتى يزيله عن موضعه . والجماميح : رءوس الحلي والصليان ; وفي التهذيب : مثل رءوس الحلي والصليان ونحو ذلك مما يخرج على أطرافه شبه السنبل ، غير أنه لين كأذناب الثعالب ، واحدته جماحة . والجماح : شيء يتخذ من الطين الحر أو التمر والرماد فيصلب ويكون في رأس المعراض يرمى به الطير ; قال :


                                                          أصابت حبة القلب     فلم تخطئ بجماح



                                                          وقيل : الجماح تمرة تجعل على رأس خشبة يلعب بها الصبيان ، وقيل : هو سهم أو قصبة يجعل عليها طين ثم يرمى به الطير ; قال رقيع الوالبي :


                                                          حلق الحوادث لمتي فتركن لي     رأسا يصل كأنه جماح



                                                          أي يصوت من املاسه ; وقيل : الجماح سهم صغير بلا نصل مدور الرأس يتعلم به الصبيان الرمي ، وقيل : بل يلعب به الصبيان ، يجعلون على رأسه تمرة أو طينا لئلا يعقر ; قال الأزهري : يرمى به الطائر فيلقيه ولا يقتله حتى يأخذه راميه ; وروت العرب عن راجز من الجن زعموا :


                                                          هل يبلغنيهم إلى الصباح     هيق كأن رأسه جماح

                                                          قال الأزهري : ويقال له جباح أيضا ، وقال أبو حنيفة : الجماح سهم الصبي يجعل في طرفه تمرا معلوكا بقدر عفاص القارورة ليكون أهدى له ، أملس وليس له ريش ، وربما لم يكن له أيضا فوق ، قال : وجمع الجماح جماميح وجمامح ، وإنما يكون الجمامح في ضرورة الشعر كقول الحطيئة :


                                                          بزب اللحى جرد الخصى كالجمامح



                                                          فأما أن يجمع الجماح على جمامح في غير ضرورة الشعر فلا ; لأن حرف اللين فيه رابع ، وإذا كان حرف اللين رابعا في مثل هذا كان ألفا أو واوا أو ياء ، فلا بد من ثباتها ياء في الجمع والتصغير على ما أحكمته صناعة الإعراب ، فإذا لا معنى لقول أبي حنيفة في جمع جماح جماميح وجمامح ، وإنما غره بيت الحطيئة وقد بينا أنه اضطرار . الأزهري : العرب تسمي ذكر الرجل جميحا ورميحا ، وتسمي هن المرأة شريحا ; لأنه من الرجل يجمح فيرفع رأسه ، وهو منها يكون مشروحا أي : مفتوحا . ابن الأعرابي : الجماح المنهزمون من الحرب ، وأورد ابن الأثير في هذا الفصل ما صورته . وفي حديث عمر بن عبد [ ص: 191 ] العزيز : فطفق يجمح إلى الشاهد النظر أي : يديمه مع فتح العين ، قال : هكذا جاء في كتاب أبي موسى وكأنه ، والله أعلم ، سهو ، فإن الأزهري والجوهري وغيرهما ذكروه في حرف الحاء قبل الجيم ، وفسروه بهذا التفسير ، وهو مذكور في موضعه ; قال : ولم يذكره أبو موسى في حرف الحاء . وقد سموا جماحا وجميحا وجمحا : وهو أبو بطن من قريش .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية