الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ جلا ]

                                                          جلا : جلا القوم عن أوطانهم يجلون وأجلوا إذا خرجوا من بلد إلى بلد . وفي حديث الحوض : يرد علي رهط من أصحابي فيجلون عن الحوض ; هكذا روي في بعض الطرق أي : ينفون ويطردون ، والرواية بالحاء المهملة والهمز . ويقال : استعمل فلان على الجالية والجالة . والجلاء - ممدود - : مصدر جلا عن وطنه . ويقال : أجلاهم السلطان فأجلوا أي : أخرجهم فخرجوا . والجلاء : الخروج عن البلد . وقد جلوا عن أوطانهم وجلوتهم أنا يتعدى ولا يتعدى . ويقال أيضا : أجلوا عن البلد وأجليتهم أنا كلاهما بالألف ; وقيل لأهل الذمة الجالية ; لأن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أجلاهم عن جزيرة العرب لما تقدم من أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - فسموا جالية [ ص: 188 ] ولزمهم هذا الاسم أين حلوا ، ثم لزم كل من لزمته الجزية من أهل الكتاب بكل بلد ، وإن لم يجلوا عن أوطانهم . والجالية : الذين جلوا عن أوطانهم . ويقال : استعمل فلان على الجالية أي : على جزية أهل الذمة . والجالة : مثل الجالية . وفي حديث العقبة : وإنكم تبايعون محمدا على أن تحاربوا العرب والعجم مجلية أي : حربا مجلية مخرجة عن الدار والمال . ومنه حديث أبي بكر - رضي الله عنه - : أنه خير وفد بزاخة بين الحرب المجلية والسلم المخزية . ومن كلام العرب : اختاروا فإما حرب مجلية ، وإما سلم مخزية ، أي : إما حرب تخرجكم من دياركم ، أو سلم تخزيكم وتذلكم . ابن سيده : جلا القوم عن الموضع ، ومنه جلوا وجلاء . وأجلوا : تفرقوا ، وفرق أبو زيد بينهما فقال : جلوا من الخوف ، وأجلوا من الجدب ، وأجلاهم هو وجلاهم لغة ، وكذلك اجتلاهم ; قال أبو ذؤيب يصف النحل والعاسل :


                                                          فلما جلاها بالأيام تحيزت ثبات عليها ذلها واكتئابها

                                                          ويروى : اجتلاها يعني العاسل جلا النحل عن مواضعها بالأيام ، وهو الدخان ، ورواه بعضهم تحيرت أي : تحيرت النحل بما عراها من الدخان . وقال أبو حنيفة : جلا النحل يجلوها جلاء إذا دخن عليها لاشتيار العسل . وجلوة النحل : طردها بالدخان . ابن الأعرابي : جلاه عن وطنه فجلا أي : طرده فهرب . قال : وجلا إذا علا ، وجلا إذا اكتحل ، وجلا الأمر وجلاه وجلى عنه كشفه وأظهره ، وقد انجلى وتجلى . وأمر جلي : واضح ; تقول : اجل لي هذا الأمر أي : أوضحه . والجلاء - ممدود - : الأمر البين الواضح . والجلاء - بالفتح والمد - : الأمر الجلي ، وتقول منه : جلا لي الخبر أي : وضح ; وقال زهير :


                                                          فإن الحق مقطعه ثلاث     يمين أو نفار أو جلاء



                                                          أراد البينة والشهود ، وقيل : أراد الإقرار ، والله تعالى يجلي الساعة أي : يظهرها . قال سبحانه : لا يجليها لوقتها إلا هو . ويقال : أخبرني عن جلية الأمر أي : حقيقته ; وقال النابغة :


                                                          وآب مضلوه بعين جلية     وغودر بالجولان حزم ونائل



                                                          يقول : كذبوا بخبر موته أول ما جاء فجاء دافنوه بخبر ما عاينوه . والجلي : نقيض الخفي . والجلية : الخبر اليقين . ابن بري : والجلية البصيرة ، يقال عين جلية ; قال أبو داود :


                                                          بل تأمل وأنت أبصر مني     قصد دير السواد عين جليه



                                                          وجلوت أي : أوضحت وكشفت . وجلى الشيء أي : كشفه . وهو يجلي عن نفسه أي : يعبر عن ضميره . وتجلى الشيء أي : تكشف . وفي حديث كعب بن مالك : فجلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للناس أمرهم ليتأهبوا أي : كشف وأوضح . وفي حديث ابن عمر : إن ربي - عز وجل - قد رفع لي الدنيا وأنا أنظر إليها جليانا من الله ، أي : إظهارا وكشفا ، وهو - بكسر الجيم وتشديد اللام - . وجلاء السيف - ممدود بكسر الجيم - وجلا الصيقل السيف والمرآة ونحوهما ، جلوا وجلاء : صقلهما . واجتلاه لنفسه ; قال لبيد :


                                                          يجتلي نقب النصال



                                                          وجلا عينه بالكحل جلوا وجلاء ، والجلا والجلاء والجلاء : الإثمد . ابن السكيت : الجلا كحل يجلو البصر ، وكتابته بالألف . ويقال : جلوت بصري بالكحل جلوا . وفي حديث أم سلمة : أنها كرهت للمحد أن تكتحل بالجلاء هو - بالكسر والمد - الإثمد ، وقيل : هو - بالفتح والمد والقصر - ضرب من الكحل . ابن سيده : والجلاء والجلاء الكحل ; لأنه يجلو العين ; قال المتنخل الهذلي :


                                                          وأكحلك بالصاب أو بالجلا     ففقح لذلك أو غمض

                                                          قال ابن بري : البيت لأبي المثلم ، قال : والذي ذكره النحاس وابن ولاد الجلا - بفتح الجيم والقصر - ; وأنشد هذا البيت وذكر المهلبي فيه المد وفتح الجيم ; وأنشد البيت . وروي عن حماد عن ثابت عن أنس قال : قرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا ; قال : وضع إبهامه على قريب من طرف أنملة خنصره فساخ الجبل ، قال حماد : قلت لثابت تقول هذا ؟ فقال : يقوله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويقوله أنس وأنا أكتمه ! وقال الزجاج : تجلى ربه للجبل أي : ظهر وبان ، قال : وهذا قول أهل السنة والجماعة ، وقال الحسن : تجلى بدا للجبل نور العرش . والماشطة تجلو العروس ، وجلا العروس على بعلها جلوة وجلوة وجلوة وجلاء واجتلاها وجلاها ، وقد جليت على زوجها واجتلاها زوجها أي : نظر إليها . وتجليت الشيء : نظرت إليه . وجلاها زوجها وصيفة : أعطاها إياها في ذلك الوقت ، وجلوتها ما أعطاها ، وقيل : هو ما أعطاها من غرة أو دراهم . الأصمعي : يقال جلا فلان امرأته وصيفة حين اجتلاها إذا أعطاها عند جلوتها . وفي حديث ابن سيرين : أنه كره أن يجلي امرأته شيئا لا يفي به . ويقال : ما جلوتها - بالكسر - فيقال : كذا وكذا . وما جلاء فلان أي : بأي شيء يخاطب من الأسماء والألقاب فيعظم به . واجتلى الشيء : نظر إليه . وجلى ببصره : رمى . والبازي يجلي إذا آنس الصيد فرفع طرفه ورأسه . وجلى ببصره تجلية إذا رمى به كما ينظر الصقر إلى الصيد ; قال لبيد :


                                                          فانتضلنا وابن سلمى قاعد     كعتيق الطير يغضي ويجل



                                                          أي ويجلي . قال ابن بري : ابن سلمى هو النعمان بن المنذر . قال ابن حمزة : التجلي في الصقر أن يغمض عينه ثم يفتحها ليكون أبصر له ، فالتجلي هو النظر ; وأنشد لرؤبة :


                                                          جلى بصير العين لم يكلل     فانقض يهوي من بعيد المختل



                                                          ويقوي قول ابن حمزة بيت لبيد المتقدم . وجلى البازي تجليا وتجلية : رفع رأسه ثم نظر ; قال ذو الرمة :


                                                          نظرت كما جلى على رأس رهوة      [ ص: 189 ] من الطير أقنى ينفض الطل أورق



                                                          وجبهة جلواء : واسعة . والسماء جلواء أي : مصحية مثل جهواء . وليلة جلواء : مصحية مضيئة . والجلا بالقصر : انحسار مقدم الشعر ، كتابته بالألف ، مثل الجله ، وقيل : هو دون الصلع ، وقيل : هو أن يبلغ انحسار الشعر نصف الرأس ، وقد جلي جلا وهو أجلى . وفي صفة المهدي : أنه أجلى الجبهة ; الأجلى : الخفيف شعر ما بين النزعتين من الصدغين ، والذي انحسر الشعر عن جبهته . وفي حديث قتادة في صفة الدجال : أنه أجلى الجبهة ، وقيل : الأجلى الحسن الوجه الأنزع . أبو عبيد : إذا انحسر الشعر عن نصف الرأس ونحوه فهو أجلى ; وأنشد :


                                                          مع الجلا ولائح القتير

                                                          وقد جلي يجلى جلا ، تقول منه : رجل أجلى بين الجلا . والمجالي : مقاديم الرأس ، وهي مواضع الصلع ; قال أبو محمد الفقعسي ، واسمه عبد الله بن ربعي :


                                                          رأين شيخا ذرئت مجاليه



                                                          قال ابن بري : صواب إنشاده : أراه شيخا ; لأن قبله :


                                                          قالت سليمى إنني لا أبغيه     أراه شيخا ذرئت مجاليه
                                                          يقلي الغواني والغواني تقليه



                                                          وقال الفراء : الواحد مجلى واشتقاقه من الجلا ، وهو ابتداء الصلع إذا ذهب شعر رأسه إلى نصفه . الأصمعي : جاليته بالأمر وجالحته إذا جاهرته ; وأنشد :


                                                          مجالحة ليس المجالاة كالدمس



                                                          والمجالي : ما يرى من الرأس إذا استقبل الوجه ، وهو موضع الجلى . وتجالينا أي : انكشف حال كل واحد منا لصاحبه . وابن جلا : الواضح الأمر . واجتليت العمامة عن رأسي إذا رفعتها مع طيها عن جبينك . ويقال للرجل إذا كان على الشرف لا يخفى مكانه : هو ابن جلا ; وقال القلاخ :


                                                          أنا القلاخ بن جناب بن جلا

                                                          وجلا : اسم رجل سمي بالفعل الماضي . ابن سيده : وابن جلا الليثي سمي بذلك لوضوح أمره ، قال سحيم بن وثيل :


                                                          أنا ابن جلا وطلاع الثنايا     متى أضع العمامة تعرفوني



                                                          قال : هكذا أنشده ثعلب ، وطلاع الثنايا - بالرفع - على أنه من صفته لا من صفة الأب ، كأنه قال : وأنا طلاع الثنايا ، وكان ابن جلا هذا صاحب فتك يطلع في الغارات من ثنية الجبل على أهلها ، وقوله :


                                                          متى أضع العمامة تعرفوني



                                                          قال ثعلب : العمامة تلبس في الحرب وتوضع في السلم . قال عيسى بن عمر : إذا سمي الرجل بقتل وضرب ونحوهما فإنه لا يصرف ، واستدل بهذا البيت ، وقال غيره : يحتمل هذا البيت وجها آخر ، وهو أنه لم ينونه ; لأنه أراد الحكاية ، كأنه قال : أنا ابن الذي يقال له جلا الأمور ، وكشفها فلذلك لم يصرفه . قال ابن بري : وقوله لم ينونه ; لأنه فعل وفاعل ; وقد استشهد الحجاج بقوله :


                                                          أنا ابن جلا وطلاع الثنايا

                                                          أي أنا الظاهر الذي لا يخفى ، وكل أحد يعرفني . ويقال للسيد : ابن جلا . وقال سيبويه : جلا فعل ماض ، كأنه بمعنى جلا الأمور أي : أوضحها وكشفها ; قال ابن بري : ومثله قول الآخر :


                                                          أنا القلاخ بن جناب بن جلا     أبو خناثير أقود الجملا

                                                          وابن أجلى : كابن جلا . يقال : هو ابن جلا وابن أجلى ; قال العجاج :


                                                          لاقوا به الحجاج والإصحارا     به ابن أجلى وافق الإسفارا



                                                          لاقوا به أي : بذلك المكان . وقوله الإصحار : وجدوه مصحرا . ووجدوا به ابن أجلى : كما تقول لقيت به الأسد . والإسفار : الصبح . وابن أجلى : الأسد ، وقيل : ابن أجلى الصبح ، في بيت العجاج . وما أقمت عنده إلا جلاء يوم واحد أي : بياضه ; قال الشاعر :


                                                          ما لي إن أقصيتني من مقعد     ولا بهذي الأرض من تجلد
                                                          إلا جلاء اليوم أو ضحى غد

                                                          وأجلى الله عنك أي : كشف ، يقال ذلك للمريض . يقال للمريض : جلا الله عنه المرض أي : كشفه . وأجلى يعدو : أسرع بعض الإسراع . وانجلى الغم ، وجلوت عني همي جلوا إذا أذهبته . وجلوت السيف جلاء - بالكسر - أي : صقلت . وجلوت العروس جلاء وجلوة واجتليتها بمعنى إذا نظرت إليها مجلوة . وانجلى الظلام إذا انكشف . وانجلى عنه الهم : انكشف . وفي التنزيل العزيز : والنهار إذا جلاها ; قال الفراء : إذا جلى الظلمة فجازت الكناية عن الظلمة ولم تذكر في أوله ; لأن معناها معروف ألا ترى أنك تقول : أصبحت باردة وأمست عرية وهبت شمالا ؟ فكني عن مؤنثات لم يجر لهن ذكر ; لأن معناهن معروف . وقال الزجاج : إذا جلاها إذا بين الشمس ; لأنها تتبين إذا انبسط النهار . الليث : أجليت عنه الهم إذا فرجت عنه ، وانجلت عنه الهموم كما تنجلي الظلمة . وأجلوا عن القتيل لا غير أي : انفرجوا . وفي حديث الكسوف : حتى تجلت الشمس أي : انكشفت وخرجت من الكسوف ، يقال : تجلت وانجلت . وفي حديث الكسوف أيضا : فقمت حتى تجلاني الغشي أي : غطاني وغشاني ، وأصله تجللني ، فأبدلت إحدى اللامين ألفا مثل تظنى وتمطى في تظنن وتمطط ، ويجوز أن يكون معنى تجلاني الغشي ذهب بقوتي وصبري من الجلاء ، أو ظهر بي وبان علي . وتجلى فلان مكان كذا إذا علاه ، والأصل تجلله ; قال ذو الرمة :


                                                          فلما تجلى قرعها القاع سمعه     وبان له وسط الأشاء انغلالها



                                                          قال أبو منصور : التجلي النظر بالإشراف . وقال غيره : التجلي [ ص: 190 ] التجلل أي : تجلل قرعها سمعه في القاع ; ورواه ابن الأعرابي :


                                                          تحلى قرعها القاع سمعه



                                                          وأجلى : موضع بين فلجة ومطلع الشمس ، فيه هضيبات حمر ، وهي تنبت النصي والصليان . وجلوى - مقصور - : قرية . وجلوى : فرس خفاف بن ندبة ; قال :


                                                          وقفت لها جلوى وقد قام صحبتي     لأبني مجدا أو لأثأر هالكا



                                                          وجلوى أيضا : فرس قرواش بن عوف . وجلوى أيضا : فرس لبني عامر . قال ابن الكلبي : وجلوى فرس كانت لبني ثعلبة بن يربوع ، وهو ابن ذي العقال ، قال : وله حديث طويل في حرب غطفان ; وقول المتلمس :


                                                          يكون نذير من ورائي جنة     وينصرني منهم جلي وأحمس



                                                          قال : هما بطنان في ضبيعة .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية