الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ جمع ]

                                                          جمع : جمع الشيء عن تفرقة يجمعه جمعا وجمعه وأجمعه فاجتمع واجدمع ، وهي مضارعة ، وكذلك تجمع واستجمع . والمجموع : الذي جمع من ههنا وههنا وإن لم يجعل كالشيء الواحد . واستجمع السيل : اجتمع من كل موضع . وجمعت الشيء إذا جئت به من ههنا وههنا . وتجمع القوم : اجتمعوا أيضا من ههنا وههنا . ومتجمع البيداء : معظمها ومحتفلها ; قال محمد بن شحاذ الضبي :


                                                          في فتية كلما تجمعت ال بيداء لم يهلعوا ولم يخموا

                                                          أراد ولم يخيموا ، فحذف ولم يحفل بالحركة التي من شأنها أن ترد المحذوف ههنا ، وهذا لا يوجبه القياس ; إنما هو شاذ ، ورجل مجمع وجماع . والجمع : اسم لجماعة الناس . والجمع : مصدر قولك : جمعت الشيء . والجمع : المجتمعون وجمعه جموع . والجماعة والجميع والمجمع والمجمعة : كالجمع ، وقد استعملوا ذلك في غير الناس حتى قالوا : جماعة الشجر وجماعة النبات . وقرأ عبد الله بن مسلم : حتى أبلغ مجمع البحرين ; وهو نادر كالمشرق والمغرب ، أعني أنه شذ في باب فعل يفعل كما شذ المشرق والمغرب ونحوهما من الشاذ في باب فعل يفعل ، والموضع مجمع ومجمع ، مثال مطلع ومطلع ، وقوم جميع : مجتمعون . والمجمع : يكون اسما للناس وللموضع الذي يجتمعون فيه . وفي الحديث : فضرب بيده مجمع بين عنقي وكتفي ؛ أي : حيث يجتمعان ، وكذلك مجمع البحرين ملتقاهما . ويقال : أدام الله جمعة ما بينكما كما تقول : أدام الله ألفة ما بينكما . وأمر جامع : يجمع الناس . وفي التنزيل : وإذا كانوا معه على أمر جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه ; قال الزجاج : قال بعضهم كان ذلك في الجمعة ، قال : هو ، والله أعلم ، أن الله - عز وجل - أمر المؤمنين إذا كانوا مع نبيه - صلى الله عليه وسلم - فيما يحتاج إلى الجماعة فيه نحو الحرب وشبهها مما يحتاج إلى الجمع فيه لم يذهبوا حتى يستأذنوه . وقول عمر بن عبد العزيز - رضي الله عنه - : عجبت لمن لاحن الناس كيف لا يعرف جوامع الكلم ; معناه كيف لا يقتصر على الإيجاز ويترك الفضول من الكلام ، وهو من قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : أوتيت جوامع الكلم ; يعني القرآن ، وما جمع الله - عز وجل - بلطفه من المعاني الجمة في الألفاظ القليلة ، كقوله - عز وجل - : خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين . وفي صفته - صلى الله عليه وسلم - : أنه كان يتكلم بجوامع الكلم ؛ أي : أنه كان كثير المعاني ، قليل الألفاظ . وفي الحديث : كان يستحب الجوامع من الدعاء ; هي التي تجمع الأغراض الصالحة والمقاصد الصحيحة أو تجمع الثناء على الله تعالى وآداب المسألة . وفي الحديث : قال له : أقرئني سورة جامعة ، فأقرأه : إذا زلزلت ؛ أي : أنها تجمع أشياء من الخير والشر ، لقوله تعالى فيها : فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره . وفي الحديث : حدثني بكلمة تكون جماعا فقال : اتق الله فيما تعلم ، الجماع ما جمع عددا ؛ أي : كلمة تجمع كلمات . وفي أسماء الله الحسنى : الجامع ; قال ابن الأثير : هو الذي يجمع الخلائق ليوم الحساب ، وقيل : هو المؤلف بين المتماثلات والمتضادات في الوجود ; وقول امرئ القيس :


                                                          فلو أنها نفس تموت جميعة     ولكنها نفس تساقط أنفسا

                                                          إنما أراد جميعا فبالغ بإلحاق الهاء ، وحذف الجواب للعلم به ، كأنه قال : لفنيت واستراحت . وفي حديث أحد : وإن رجلا من المشركين جميع اللأمة ؛ أي : مجتمع السلاح . والجميع : ضد المتفرق ; قال قيس بن معاذ ، وهو مجنون بني عامر :


                                                          فقدتك من نفس شعاع فإنني     نهيتك عن هذا وأنت جميع

                                                          وفي الحديث : له سهم جمع ؛ أي : له سهم من الخير جمع فيه حظان ، والجيم مفتوحة ، وقيل : أراد بالجمع الجيش ؛ أي : كسهم الجيش من الغنيمة . والجميع : الجيش ; قال لبيد :


                                                          في جميع حافظي عوراتهم     لا يهمون بإدعاق الشلل

                                                          والجميع : الحي المجتمع ; قال لبيد :


                                                          عريت وكان بها الجميع فأبكروا     منها فغودر نؤيها وثمامها

                                                          وإبل جماعة : مجتمعة ; قال :


                                                          لا مال إلا إبل جماعه     مشربها الجية أو نقاعه

                                                          والمجمعة : مجلس الاجتماع ; قال زهير :


                                                          وتوقد ناركم شررا ويرفع [ ص: 197 ]     لكم في كل مجمعة لواء

                                                          والمجمعة : الأرض القفر . والمجمعة : ما اجتمع من الرمال ، وهي المجامع ; وأنشد :


                                                          بات إلى نيسب خل خادع     وعث النهاض قاطع المجامع
                                                          بالأم أحيانا وبالمشايع

                                                          المشايع : الدليل الذي ينادي إلى الطريق يدعو إليه . وفي الحديث : فجمعت علي ثيابي ؛ أي : لبست الثياب التي يبرز بها إلى الناس من الإزار والرداء والعمامة والدرع والخمار . وجمعت المرأة الثياب : لبست الدرع والملحفة والخمار ، يقال ذلك للجارية إذا شبت ، يكنى به عن سن الاستواء . والجماعة : عدد كل شيء وكثرته . وفي حديث أبي ذر : ولا جماع لنا فيما بعد ؛ أي : لا اجتماع لنا . وجماع الشيء : جمعه تقول : جماع الخباء الأخبية ; لأن الجماع ما جمع عددا . يقال : الخمر جماع الإثم ؛ أي : مجمعه ومظنته . وقال الحسين - رضي الله عنه - : اتقوا هذه الأهواء التي جماعها الضلالة ، وميعادها النار ; وكذلك الجميع ، إلا أنه اسم لازم . والرجل المجتمع : الذي بلغ أشده ولا يقال ذلك للنساء . واجتمع الرجل : استوت لحيته ، وبلغ غاية شبابه ، ولا يقال ذلك للجارية . ويقال للرجل إذا اتصلت لحيته : مجتمع ثم كهل بعد ذلك ; وأنشد أبو عبيد :


                                                          قد ساد وهو فتى حتى إذا بلغت     أشده وعلا في الأمر واجتمعا

                                                          ورجل جميع : مجتمع الخلق . وفي حديث الحسن - رضي الله عنه - : أنه سمع أنس بن مالك - رضي الله عنه - وهو يومئذ جميع ؛ أي : مجتمع الخلق قوي لم يهرم ولم يضعف ، والضمير راجع إلى أنس . وفي صفته - صلى الله عليه وسلم - : كان إذا مشى مشى مجتمعا ؛ أي : شديد الحركة قوي الأعضاء غير مسترخ في المشي . وفي الحديث : إن خلق أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين يوما ؛ أي : أن النطفة إذا وقعت في الرحم فأراد الله أن يخلق منها بشرا طارت في جسم المرأة تحت كل ظفر وشعر ثم تمكث أربعين ليلة ثم تنزل دما في الرحم ، فذلك جمعها ، ويجوز أن يريد بالجمع مكث النطفة بالرحم أربعين يوما تتخمر فيها حتى تتهيأ للخلق والتصوير ثم تخلق بعد الأربعين . ورجل جميع الرأي ومجتمعه : شديده ليس بمنتشره . والمسجد الجامع : الذي يجمع أهله ، نعت له ; لأنه علامة للاجتماع ، وقد يضاف ، وأنكره بعضهم ، وإن شئت قلت : مسجد الجامع بالإضافة كقولك : الحق اليقين ، وحق اليقين ، بمعنى مسجد اليوم الجامع وحق الشيء اليقين ; لأن إضافة الشيء إلى نفسه لا تجوز إلا على هذا التقدير ، وكان الفراء يقول : العرب تضيف الشيء إلى نفسه لاختلاف اللفظين ; كما قال الشاعر :


                                                          فقلت انجوا عنها نجا الجلد إنه     سيرضيكما منها سنام وغاربه

                                                          فأضاف النجا وهو الجلد إلى الجلد لما اختلف اللفظان ، وروى الأزهري عن الليث قال : ولا يقال : مسجد الجامع ; ثم قال الأزهري : النحويون أجازوا جميعا ما أنكره الليث ، والعرب تضيف الشيء إلى نفسه وإلى نعته إذا اختلف اللفظان كما قال تعالى : وذلك دين القيمة ; ومعنى الدين الملة ، كأنه قال : وذلك دين الملة القيمة ، وكما قال تعالى : وعد الصدق و : وعد الحق ، قال : وما علمت أحدا من النحويين أبى إجازته غير الليث ، قال : وإنما هو الوعد الصدق ، والمسجد الجامع ، والصلاة الأولى . وجماع كل شيء : مجتمع خلقه . وجماع جسد الإنسان : رأسه . وجماع الثمر : تجمع براعيمه في موضع واحد على حمله ; وقال ذو الرمة :


                                                          ورأس كجماع الثريا ومشفر     كسبت اليماني قده لم يجرد

                                                          وجماع الثريا : مجتمعها ; وقوله أنشده ابن الأعرابي :


                                                          ونهب كجماع الثريا حويته     غشاشا بمجتاب الصفاقين خيفق

                                                          فقد يكون مجتمع الثريا ، وقد يكون جماع الثريا الذين يجتمعون على مطر الثريا ، وهو مطر الوسمي ، ينتظرون خصبه وكلأه ، وبهذا القول الأخير فسره ابن الأعرابي . والجماع : أخلاط من الناس ، وقيل : هم الضروب المتفرقون من الناس ; قال قيس بن الأسلت السلمي يصف الحرب :


                                                          حتى انتهينا ولنا غاية     من بين جمع غير جماع

                                                          وفي التنزيل : وجعلناكم شعوبا وقبائل ; قال ابن عباس : الشعوب الجماع ، والقبائل الأفخاذ ; الجماع - بالضم والتشديد - : مجتمع أصل كل شيء ، أراد منشأ النسب وأصل المولد ، وقيل : أراد به الفرق المختلفة من الناس كالأوزاع والأوشاب ; ومنه الحديث : كان في جبل تهامة جماع غصبوا المارة ؛ أي : جماعات من قبائل شتى متفرقة . وامرأة جماع : قصيرة . وكل ما تجمع وانضم بعضه إلى بعض جماع . ويقال : ذهب الشهر بجمع وجمع ؛ أي : أجمع . وضربه بحجر جمع الكف وجمعها ؛ أي : ملئها . وجمع الكف - بالضم - : وهو حين تقبضها . يقال : ضربوه بأجماعهم إذا ضربوا بأيديهم . وضربته بجمع كفي - بضم الجيم - وتقول : أعطيته من الدراهم جمع الكف ، كما تقول ملء الكف . وفي الحديث : رأيت خاتم النبوة كأنه جمع ، يريد مثل جمع الكف ، وهو أن تجمع الأصابع وتضمها . وجاء فلان بقبضة ملء جمعه ; وقال منظور بن صبح الأسدي :


                                                          وما فعلت بي ذاك حتى تركتها     تقلب رأسا مثل جمعي عاريا

                                                          وجمعة من تمر ؛ أي : قبضة منه . وفي حديث عمر - رضي الله عنه - : صلى المغرب فلما انصرف درأ جمعة من حصى المسجد ; الجمعة : المجموعة . يقال : أعطني جمعة من تمر ، وهو كالقبضة . وتقول : أخذت فلانا بجمع ثيابه . وأمر بني فلان بجمع وجمع - بالضم والكسر - فلا تفشوه ؛ أي : مجتمع فلا تفرقوه بالإظهار ، يقال ذلك إذا كان مكتوما ولم يعلم به أحد ، وفي حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه ذكر [ ص: 198 ] الشهداء فقال : ومنهم أن تموت المرأة بجمع ، يعني أن تموت وفي بطنها ولد ، وكسر الكسائي الجيم ، والمعنى أنها ماتت مع شيء مجموع فيها غير منفصل عنها من حمل أو بكارة ، وقد تكون المرأة التي تموت بجمع ، أن تموت ولم يمسها رجل ، وروي ذلك في الحديث : أيما امرأة ماتت بجمع لم تطمث دخلت الجنة ; وهذا يريد به البكر . الكسائي : ما جمعت بامرأة قط ، يريد ما بنيت . وباتت فلانة منه بجمع وجمع ؛ أي : بكرا لم يقتضها . قالت دهناء بنت مسحل امرأة العجاج للعامل : أصلح الله الأمير ! إني منه بجمع وجمع ؛ أي : عذراء لم يقتضني . وماتت المرأة بجمع وجمع ؛ أي : ماتت وولدها في بطنها . وهي بجمع وجمع ؛ أي : مثقلة . أبو زيد : ماتت النساء بأجماع ، والواحدة بجمع ، وذلك إذا ماتت وولدها في بطنها ، ماخضا كانت أو غير ماخض . وإذا طلق الرجل امرأته وهي عذراء لم يدخل بها قيل : طلقت بجمع ؛ أي : طلقت وهي عذراء . وناقة جمع : في بطنها ولد ; قال :


                                                          وردناه في مجرى سهيل يمانيا     بصعر البرى ما بين جمع وخادج

                                                          والخادج : التي ألقت ولدها . وامرأة جامع : في بطنها ولد ، وكذلك الأتان أول ما تحمل . ودابة جامع : تصلح للسرج والإكاف . والجمع : كل لون من التمر لا يعرف اسمه ، وقيل : هو التمر الذي يخرج من النوى . وجامعها مجامعة وجماعا : نكحها . والمجامعة والجماع : كناية عن النكاح . وجامعه على الأمر : مالأه عليه واجتمع معه ، والمصدر كالمصدر . وقدر جماع وجامعة : عظيمة ، وقيل : هي التي تجمع الجزور ; قال الكسائي : أكبر البرام الجماع ثم التي تليها المئكلة . ويقال : فلان جماع لبني فلان إذا كانوا يأوون إلى رأيه وسودده كما يقال : مرب لهم . واستجمع البقل إذا يبس كله . واستجمع الوادي إذا لم يبق منه موضع إلا سال . واستجمع القوم إذا ذهبوا كلهم لم يبق منهم أحد كما يستجمع الوادي بالسيل . وجمع أمره وأجمعه وأجمع عليه : عزم عليه كأنه جمع نفسه له ، والأمر مجمع . ويقال أيضا : أجمع أمرك ولا تدعه منتشرا ; قال أبو الحسحاس :


                                                          تهل وتسعى بالمصابيح وسطها     لها أمر حزم لا يفرق مجمع

                                                          وقال آخر :


                                                          يا ليت شعري والمنى لا تنفع     هل أغدون يوما وأمري مجمع

                                                          وقوله تعالى : فأجمعوا أمركم وشركاءكم ; أي : وادعوا شركاءكم ، قال : وكذلك هي في قراءة عبد الله ; لأنه لا يقال أجمعت شركائي إنما يقال جمعت ; قال الشاعر :


                                                          يا ليت بعلك قد غدا     متقلدا سيفا ورمحا

                                                          أراد وحاملا رمحا ; لأن الرمح لا يتقلد . قال الفراء : الإجماع الإعداد والعزيمة على الأمر ، قال : ونصب " شركاءكم " بفعل مضمر كأنك قلت : فأجمعوا أمركم وادعوا شركاءكم ، قال أبو إسحاق : الذي قاله الفراء غلط في إضماره : وادعوا شركاءكم ; لأن الكلام لا فائدة له ; لأنهم كانوا يدعون شركاءهم لأن يجمعوا أمرهم ، قال : والمعنى فأجمعوا أمركم مع شركائكم ، وإذا كان الدعاء لغير شيء فلا فائدة فيه ، قال : والواو بمعنى مع كقولك لو تركت الناقة وفصيلها لرضعها ; المعنى : لو تركت الناقة مع فصيلها ، قال : ومن قرأ : ( فاجمعوا أمركم وشركاءكم ) بألف موصولة فإنه يعطف شركاءكم على " أمركم " ، قال : ويجوز فاجمعوا أمركم مع شركائكم ، قال الفراء : إذا أردت جمع المتفرق قلت : جمعت القوم ، فهم مجموعون ، قال الله تعالى : ذلك يوم مجموع له الناس ، قال : وإذا أردت كسب المال قلت : جمعت المال كقوله تعالى : ( الذي جمع مالا وعدده ) ، وقد يجوز : ( جمع مالا ) بالتخفيف . وقال الفراء في قوله تعالى : فأجمعوا كيدكم ثم ائتوا صفا ، قال : الإجماع الإحكام والعزيمة على الشيء ، تقول : أجمعت الخروج وأجمعت على الخروج ; قال : ومن قرأ : فأجمعوا كيدكم ، فمعناه لا تدعوا شيئا من كيدكم إلا جئتم به . وفي الحديث : من لم يجمع الصيام من الليل فلا صيام له ، الإجماع إحكام النية والعزيمة ، أجمعت الرأي وأزمعته وعزمت عليه بمعنى . ومنه حديث كعب بن مالك : أجمعت صدقه . وفي حديث صلاة المسافر : ما لم أجمع مكثا ؛ أي : ما لم أعزم على الإقامة . وأجمع أمره ؛ أي : جعله جميعا بعدما كان متفرقا ، قال : وتفرقه أنه جعل يديره فيقول مرة : أفعل كذا ومرة : أفعل كذا ، فلما عزم على أمر محكم أجمعه ؛ أي : جعله جمعا ; قال : وكذلك يقال أجمعت النهب ، والنهب : إبل القوم التي أغار عليها اللصوص ، وكانت متفرقة في مراعيها فجمعوها من كل ناحية حتى اجتمعت لهم ، ثم طردوها وساقوها ، فإذا اجتمعت قيل : أجمعوها ; وأنشد ل أبي ذؤيب يصف حمرا :


                                                          فكأنها بالجزع بين نبايع     وأولات ذي العرجاء نهب مجمع

                                                          قال : وبعضهم يقول : جمعت أمري . والجمع : أن تجمع شيئا إلى شيء . والإجماع : أن تجمع الشيء المتفرق جميعا ، فإذا جعلته جميعا بقي جميعا ولم يكد يتفرق كالرأي المعزوم عليه الممضى ; وقيل في قول أبي وجزة السعدي :


                                                          وأجمعت الهواجر كل رجع     من الأجماد والدمث البثاء

                                                          أجمعت ؛ أي : يبست ، والرجع : الغدير . والبثاء : السهل . وأجمعت الإبل : سقتها جميعا . وأجمعت الأرض سائلة ، وأجمع المطر الأرض إذا سال رغابها وجهادها كلها . وفلاة مجمعة ومجمعة : يجتمع فيها القوم ولا يتفرقون خوف الضلال ونحوه كأنها هي التي تجمعهم . وجمعة من تمر ؛ أي : قبضة منه . وفي التنزيل : ياأيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة ; خففها الأعمش وثقلها عاصم وأهل الحجاز ، والأصل فيها التخفيف : جمعة ، فمن ثقل أتبع الضمة الضمة ، ومن خفف فعلى الأصل ، والقراء قرءوها بالتثقيل ، ويقال يوم الجمعة لغة بني عقيل ، ولو قرئ بها كان صوابا ، قال : والذين [ ص: 199 ] قالوا : الجمعة ذهبوا بها إلى صفة اليوم أنه يجمع الناس كما يقال رجل همزة لمزة ضحكة ، وهو الجمعة والجمعة والجمعة ، وهو يوم العروبة ، سمي بذلك لاجتماع الناس فيه ، ويجمع على جمعات وجمع ، وقيل : الجمعة على تخفيف الجمعة والجمعة ; لأنها تجمع الناس كثيرا كما قالوا : رجل لعنة يكثر لعن الناس ، ورجل ضحكة يكثر الضحك . وزعم ثعلب أن أول من سماه به كعب بن لؤي جد سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان يقال له العروبة ، وذكر السهيلي في الروض الأنف : أن كعب بن لؤي أول من جمع يوم العروبة ، ولم تسم العروبة الجمعة إلا مذ جاء الإسلام ، وهو أول من سماها الجمعة ، فكانت قريش تجتمع إليه في هذا اليوم فيخطبهم ويذكرهم بمبعث النبي - صلى الله عليه وسلم - ويعلمهم أنه من ولده ويأمرهم باتباعه - صلى الله عليه وسلم - والإيمان به ، وينشد في هذا أبياتا منها :


                                                          يا ليتني شاهد فحواء دعوته     إذا قريش تبغي الحق خذلانا

                                                          وفي الحديث : أول جمعة جمعت بالمدينة ; جمعت - بالتشديد ؛ أي : صليت . وفي حديث معاذ : أنه وجد أهل مكة يجمعون في الحجر فنهاهم عن ذلك ، يجمعون ؛ أي : يصلون صلاة الجمعة ، وإنما نهاهم عنه ; لأنهم كانوا يستظلون بفيء الحجر قبل أن تزول الشمس فنهاهم لتقديمهم في الوقت . وروي عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه قال : إنما سمي يوم الجمعة ; لأن الله تعالى جمع فيه خلق آدم - صلى الله عليه وسلم . وقال أقوام : إنما سميت الجمعة في الإسلام ، وذلك لاجتماعهم في المسجد . وقال ثعلب : إنما سمي يوم الجمعة ; لأن قريشا كانت تجتمع إلى قصي في دار الندوة . قال اللحياني : كان أبو زياد . . . وأبو الجراح يقولان : مضت الجمعة بما فيها فيوحدان ويؤنثان ، وكانا يقولان : مضى السبت بما فيه ومضى الأحد بما فيه فيوحدان ويذكران ، واختلفا فيما بعد هذا ، فكان أبو زياد يقول : مضى الاثنان بما فيه ، ومضى الثلاثاء بما فيه ، وكذلك الأربعاء والخميس ، قال : وكان أبو الجراح يقول : مضى الاثنان بما فيهما ، ومضى الثلاثاء بما فيهن ، ومضى الأربعاء بما فيهن ، ومضى الخميس بما فيهن ، فيجمع ويؤنث يخرج ذلك مخرج العدد . وجمع الناس تجميعا : شهدوا الجمعة وقضوا الصلاة فيها . وجمع فلان مالا وعدده . واستأجر الأجير مجامعة وجماعا ; عن اللحياني : كل جمعة بكراء . وحكى ثعلب عن ابن الأعرابي : لا تك جمعيا - بفتح الميم ؛ أي : ممن يصوم الجمعة وحده . ويوم الجمعة : يوم القيامة . وجمع : المزدلفة معرفة ك عرفات ; قال أبو ذؤيب :


                                                          فبات بجمع ثم آب إلى منى     فأصبح رادا يبتغي المزج بالسحل

                                                          ويروى : ثم تم إلى منى . وسميت المزدلفة بذلك لاجتماع الناس بها . وفي حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - : بعثني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الثقل من جمع بليل ; جمع علم للمزدلفة ، سميت بذلك ; لأن آدم وحواء لما هبطا اجتمعا بها . وتقول : استجمع السيل ، واستجمعت للمرء أموره . ويقال للمستجيش : استجمع كل مجمع . واستجمع الفرس جريا : تكمش له ; قال يصف سرابا :


                                                          ومستجمع جريا وليس ببارح     تباريه في ضاحي المتان سواعده

                                                          يعني السراب ، وسواعده : مجاري الماء . والجمعاء : الناقة الكافة الهرمة . ويقال : أقمت عنده قيظة جمعاء وليلة جمعاء . والجامعة : الغل ; لأنها تجمع اليدين إلى العنق ; قال :


                                                          ولو كبلت في ساعدي الجوامع

                                                          وأجمع الناقة وبها : صر أخلافها جمع ، وكذلك أكمش بها . وجمعت الدجاجة تجميعا إذا جمعت بيضها في بطنها . وأرض مجمعة : جدب لا تفرق فيها الركاب لرعي . والجامع : البطن - يمانية . والجمع : الدقل . يقال : ما أكثر الجمع في أرض بني فلان لنخل خرج من النوى لا يعرف اسمه . وفي الحديث : أنه أتي بتمر جنيب فقال : من أين لكم هذا ؟ قالوا : إنا لنأخذ الصاع من هذا بالصاعين ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : فلا تفعلوا ، بع الجمع بالدراهم ، وابتع بالدراهم جنيبا . قال الأصمعي : كل لون من النخل لا يعرف اسمه فهو جمع . يقال : قد كثر الجمع في أرض فلان لنخل يخرج من النوى ، وقيل : الجمع تمر مختلط من أنواع متفرقة وليس مرغوبا فيه ، وما يخلط إلا لرداءته . والجمعاء من البهائم : التي لم يذهب من بدنها شيء . وفي الحديث : كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء ؛ أي : سليمة من العيوب مجتمعة الأعضاء كاملتها ، فلا جدع بها ولا كي . وأجمعت الشيء : جعلته جميعا ; ومنه قول أبي ذؤيب يصف حمرا :


                                                          وأولات ذي العرجاء نهب مجمع



                                                          وقد تقدم . وأولات ذي العرجاء : مواضع نسبها إلى مكان فيه أكمة عرجاء ، فشبه الحمر بإبل انتهبت وخرقت من طوائفها . وجميع : يؤكد به ، يقال : جاءوا جميعا كلهم . وأجمع : من الألفاظ الدالة على الإحاطة ، وليست بصفة ولكنه يلم به ما قبله من الأسماء ويجرى على إعرابه ، فلذلك قال النحويون : صفة . والدليل على أنه ليس بصفة قولهم " أجمعون " ، فلو كان صفة لم يسلم جمعه ، ولكان مكسرا ، والأنثى جمعاء ، وكلاهما معرفة لا ينكر عند سيبويه ، وأما ثعلب فحكى فيهما التنكير والتعريف جميعا ، تقول : أعجبني القصر أجمع وأجمع ، الرفع على التوكيد ، والنصب على الحال ، والجمع جمع ، معدول عن " جمعاوات " أو " جماعى " ، ولا يكون معدولا عن جمع ; لأن أجمع ليس بوصف فيكون ك " أحمر وحمر " ، قال أبو علي : باب " أجمع وجمعاء ، وأكتع وكتعاء " ، وما يتبع ذلك من بقيته إنما هو اتفاق وتوارد وقع في اللغة على غير ما كان في وزنه منها ; لأن باب " أفعل وفعلاء " إنما هو للصفات ، وجميعها يجيء على هذا الوضع نكرات نحو : أحمر وحمراء وأصفر وصفراء ، وهذا ونحوه صفات نكرات ، فأما : أجمع وجمعاء فاسمان معرفتان ليسا بصفتين ، فإنما ذلك اتفاق وقع بين هذه الكلمة المؤكد بها . ويقال : لك هذا المال أجمع ولك [ ص: 200 ] هذه الحنطة جمعاء . وفي الصحاح : وجمع جمع جمعة وجمع جمعاء في تأكيد المؤنث ، تقول : رأيت النسوة جمع ، غير منون ولا مصروف ، وهو معرفة بغير الألف واللام ، وكذلك ما يجري مجراه من التوكيد ; لأنه للتوكيد للمعرفة ، وأخذت حقي أجمع في توكيد المذكر ، وهو توكيد محض ، وكذلك أجمعون وجمعاء وجمع ، وأكتعون وأبصعون وأبتعون ، لا تكون إلا تأكيدا تابعا لما قبله لا يبتدأ ولا يخبر به ولا عنه ، ولا يكون فاعلا ولا مفعولا كما يكون غيره من التواكيد اسما مرة وتوكيدا أخرى مثل نفسه وعينه وكله . وأجمعون : جمع أجمع ، وأجمع واحد في معنى جمع ، وليس له مفرد من لفظه ، والمؤنث جمعاء ، وكان ينبغي أن يجمعوا جمعاء بالألف والتاء كما جمعوا أجمع بالواو والنون ، ولكنهم قالوا في جمعها جمع ، ويقال : جاء القوم بأجمعهم وأجمعهم أيضا - بضم الميم - كما تقول : جاءوا بأكلبهم جمع كلب ; قال ابن بري : شاهد قوله : جاء القوم بأجمعهم ، قول أبي دهبل :


                                                          فليت كوانينا من اهلي وأهلها     بأجمعهم في لجة البحر لججوا

                                                          ومجمع : لقب قصي بن كلاب ، سمي بذلك لأنه كان جمع قبائل قريش وأنزلها مكة ، وبنى دار الندوة ; قال الشاعر :


                                                          أبوكم قصي كان يدعى مجمعا     به جمع الله القبائل من فهر

                                                          وجامع وجماع : اسمان . والجميعى : موضع .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية