الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          ولا يفسق الأصحاب ، وليس في الدين محاباة ، وإن كفرتم السلف بالاختلاف تأسينا بهم ، وذكر ابن حامد أن قدرية أهل الأثر كسعيد بن أبي عروبة والأصم مبتدعة ، وفي شهادتهم وجهان ، وأن الأولى لا تقبل ، لأن أقل ما فيه الفسق .

                                                                                                          وقال ابن الجوزي في كتابه السر المصون : رأيت جماعة من العلماء أقدموا على تكفير المتأولين من أهل القبلة ، وإنما ينبغي أن يقطع بالكفر على من خالف إجماع الأمة ولم يحتمل حاله تأويلا ، وأقبح حالا من هؤلاء المكفرين قوم من المتكلمين كفروا عوام المسلمين وزعموا أن من لا يعرف العقيدة بأدلتها المحررة فهو كافر ، وهذا مخالف للشريعة ، فإنها حكمت بإسلام أجلاف العرب والجهال ، انتهى كلامه ، وجزم في [ ص: 567 ] الفنون في مكان بأن الإسراء يقظة ، كقول أهل السنة ، لأنه لا يسبح نفسه إلا عند كبيرة ، والعبد للروح والجسد ، ولا معنى لذكر المسافة في المنام ، ولأن المنام لا يحتاج إلى سمع وبصر ، ولو كان مناما لم ينكروه عليه .

                                                                                                          وذكر جماعة في خبر غير الداعية روايات : الثالثة إن كانت مفسقة قبل .

                                                                                                          وإن كانت مكفرة رد ، وسبقت المسألة في البغاة ، واختار شيخنا لا يفسق أحد ، وقاله القاضي في شرح الخرقي في المقلد ، كالفروع ، لأن التفرقة بينهما ليست من أئمة الإسلام ولا تصح ، وإن نهى الإمام أحمد عن الأخذ عنهم لعلة الهجر ، وهي تختلف ، ولهذا لم يرو الخلال عن قوم ، لنهي المروذي ، ثم روى عنهم بعد موته ، قال : وجعل القاضي الدعاء إلى البدعة قسما غير داخل في مطلق العدالة والبدعة المفسقة ، وعنه : الداعية كتفضيل علي على الثلاثة أو أحدهم ، أو لم ير مسح الخف أو غسل الرجل ، وعنه : لا يفسق من فضل عليا على عثمان رضي الله عنهم ، ويتوجه فيه وفيمن رأى الماء من الماء ونحوه التسوية ، نقل ابن هانئ في الصلاة خلف من يقدم عليا على أبي بكر وعمر : إن كان جاهلا لا علم له أرجو أن لا يكون به بأس .

                                                                                                          وقال صاحب المحرر : الصحيح أن كل بدعة لا توجب الكفر لا يفسق المقلد فيها لخفتها ، مثل من يفضل عليا على سائر الصحابة ويقف عن تكفير من كفرناه من المبتدعة ، ثم ذكر رواية ابن هانئ [ ص: 568 ] المذكورة ، وقول المروذي لأبي عبد الله : إن قوما يكفرون من لا يكفر فأنكره ، وقوله في رواية أبي طالب : من يجترئ أن يقول إنه كافر ؟ يعني من لا يكفر وهو يقول : القرآن ليس بمخلوق .

                                                                                                          قال صاحب المحرر : والصحيح أن كل بدعة كفرنا فيها الداعية فإنا نفسق المقلد فيها ، كمن يقول بخلق القرآن ، أو أن ألفاظنا به مخلوقة ، أو أن علم الله مخلوق ، أو أن أسماءه مخلوقة ، أو أنه لا يرى في الآخرة ، أو يسب الصحابة تدينا ، أو أن الإيمان مجرد الاعتقاد ، وما أشبه ذلك ، فمن كان عالما في شيء من هذه البدع يدعو إليه ويناظر عليه فهو محكوم بكفره ، نص أحمد صريحا على ذلك في مواضع ، قال : واختلف عنه في تكفير القدرية بنفي خلق المعاصي على روايتين ، وله في الخوارج كلام يقتضي في تكفيرهم روايتين ، نقل حرب : لا تجوز شهادة صاحب بدعة ، ولا شهادة قاذف حد أو لا ، جزم به الأصحاب ، لقول عمر لأبي بكرة : إن تبت قبلت شهادتك . رواه أحمد وغيره ،

                                                                                                          واحتجوا به مع اتفاق للناس على الرواية عن أبي بكرة ، مع أن عمر لم يقبل شهادته لعدم توبته من ذلك ، ولم ينكر ذلك ، وهذا فيه نظر ، لأن الآية إن تناولته لم تقبل روايته لفسقه ، وإلا قبلت شهادته ، كروايته ، لوجود المقتضي وانتفاء المانع ، ويتوجه تخرج رواية : بقاء عدالته من رواية أنه لا يحد .

                                                                                                          وفي العدة للقاضي : فأما أبو بكرة ومن جلد معه فلا يرد خبرهم ، لأنهم جاءوا مجيء الشهادة ، وليس بصريح في القذف ، وقد اختلفوا في وجوب الحد فيه ، ويسوغ فيه الاجتهاد ، ولا ترد الشهادة بما يسوغ [ ص: 569 ] فيه الاجتهاد ، ولأن نقصان العدد من جهة غيره ، فلا يكون سببا في رد شهادته ، وتوبته تكذيبه نفسه ، نص عليه ، لكذبه حكما .

                                                                                                          وقال القاضي والترغيب : إن كان شهادة قال : القذف حرام باطل ولن أعود إلى ما قلت ، وجزم في الكافي أن الصادق يقول قذفي لفلان باطل ندمت عليه ، وتقبل شهادة فاسق بتوبته لحصول المغفرة بها وهي الندم والإقلاع والعزم أن لا يعود ، وقيل : مع قول إني تائب ونحوه ، وعنه : مجانبة قرينة فيه ، وعنه : مع صلاح العمل سنة ، وقيل فيمن فسقه بفعل ، وذكره في التبصرة رواية ، وعنه في مبتدع ، جزم به القاضي والحلواني ، لتأجيل عمر صبيغا ، وقيل في فاسق وقاذف مدة يعلم حالهما .

                                                                                                          وفي كتاب ابن حامد : يجيء على مقالة بعض أصحابنا : من شرط صحتها وجود أعمال صالحة لظاهر الآية { إلا من تاب } وقوله عليه السلام { من أحسن في الإسلام لم يؤاخذ بما كان في الجاهلية ، ومن أساء أخذ بالأول والآخر } .

                                                                                                          قال : وإن علق توبته بشرط فإنه غير تائب حالا ولا عند وجوده ، ويعتبر رد المظلمة وأن يستحله أو يستمهله معسر ، ومبادرته إلى حق الله تعالى حسب إمكانه ، ذكره في الترغيب وغيره ، وذكر الشيخ وغيره : يعتبر رد المظلمة أو بدلها أو نية الرد متى قدر ، وعنه : لا تقبل توبة مبتدع ، اختاره أبو إسحاق .

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          الخدمات العلمية