الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : فإذا تقرر ما يجوز السبق به على الأعواض المبذولة ، فلصحة العقد عليه خمسة شروط :

                                                                                                                                            أحدها : التكافؤ فيما يستبقان عليه ، وفيما يتكافآن به وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : وهو الظاهر من مذهب الشافعي ، وما عليه جمهور أصحابه أن التكافؤ بالتجانس ، فيسابق بين فرسين أو بغلين أو حمارين أو بعيرين ، ليعلم بعد التجانس فضل السابق ، ولا يجوز أن يسابق بين فرس وبغل ولا بين حمار وبعير : لأن تفاضل الأجناس معلوم وأنه لا يجري البغل في شوط الفرس ، كما قال الشاعر :


                                                                                                                                            إن المذرع لا تغني ضئولته كالبغل يعجز عن شوط المحاضير

                                                                                                                                            لكن يجوز السبق بين عتاق الخيل ، وهجانها : لأن جميعها جنس ، والعتيق في أول شوطيه أحد وفي آخره ألين ، والهجين في أول شوطيه ألين وفي آخرها أحد ، فربما صارا عند الغاية متكافئين .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : - وهو قول أبي إسحاق المروزي - أن التكافؤ في الاستباق غير معتبر بالتجانس ، وإنما هو معتبر بأن يكون كل واحد من المستبقين يجوز أن يكون سابقا ويجوز أن يكون مسبوقا ، فإن جوز ذلك بين فرس وبغل ، أو بين بعير وحمار جاز السبق بينهما ، وإن علم يقينا أن أحدهما يسبق الآخر قبل الاختبار لم يجز السبق بينهما ، ولو علم ذلك بين فرسين عتيق وهجين ، أو بين بعيرين عربي وبختي لم يجز السبق بينهما ، وكذلك لو اتفق الفرسان في الجنس ، واختلفا في القوة والضعف ، فيمنع من الاستباق بينهما ، وهما من جنس واحد ، ونجوزه بينهما ، وهما في جنسين مختلفين اعتبارا بالجواهر دون التجانس .

                                                                                                                                            والشرط الثاني : الاستباق عليها مركوبة لتنتهي إلى غايتها ، بتدبير راكبها ، فإن شرط إرسالها لتجري مسابقة بأنفسها لم يجز ، وبطل العقد عليها : لأنها تتنافر [ ص: 188 ] بالإرسال ولا تقف على غاية السبق ، وإنما يصح ذلك في الاستباق بالطيور ، إذا قيل : بجواز الاستباق عليها لما فيها من الهداية إلى قصد الغاية ، وأنها لا تتنافر في طيرانها .

                                                                                                                                            والشرط الثالث : أن تكون الغاية معلومة : لأنها مستحقة في عقد معاوضة ، فإن وقع العقد على إجراء الفرسين حتى يسبق أحدهما الآخر لم يجز لأمرين :

                                                                                                                                            أحدهما : جهالة الغاية .

                                                                                                                                            والثاني : لأنه يفضي ذلك لإجرائهما حتى يعطبا .

                                                                                                                                            والشرط الرابع : أن تكون الغاية التي يمتد شرطها إليها يحتملها الفرسان ، ولا ينقطعان فيها ، فإن طالت عن انتهاء الفرسين إليها إلا عن انقطاع وعطب بطل العقد ، لتحريم ما أفضى إلى ذلك .

                                                                                                                                            والشرط الخامس : أن يكون العوض فيه معلوما ، كالأجور والأثمان ، فإن أخرجه غير المتسابقين جاز أن يتساويا فيه ، ويتفاضلا : لأن الباذل للسبق مخير بين القليل والكثير ، فجاز أن يكون مخيرا بين التساوي في التفضيل ، ويجوز أن يتماثل جنس العوضين ، وإن لم يختلف .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية