الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              ( والدار المحفوفة بدور ) أو شارع بأن أحيي الكل معا أي أو جهل كما هو ظاهر ( لا حريم لها ) إذ لا مرجح لها على غيرها نعم أشار البلقيني واعتمده غيره إلى أن كل دار لها حريم أي في الجملة ، قال وقولهم هنا لا حريم لها أرادوا به غير الحريم المستحق أي وهو ما يتحفظ به عن يقين الضرر ( ويتصرف كل واحد ) من الملاك ( في ملكه على العادة ) وإن أضر جاره كأن سقط بسبب حفره المعتاد جدار جاره أو تغير بحشه بئره ؛ لأن المنع من ذلك ضرر لا جابر له ( فإن تعدى ) في تصرفه بملكه العادة ( ضمن ) ما تولد منه قطعا أو ظنا قويا كأن شهد به خبيران كما هو ظاهر لتقصيره ( والأصح أنه يجوز أن يتخذ داره المحفوفة بمساكن حماما وإصطبلا ) وطاحونا وفرنا ومدبغة ( وحانوته في البزازين حانوت حداد ) وقصار ( إذا احتاط وأحكم الجدران ) إحكاما يليق بما يقصده بحيث يندر تولد خلل منه في أبنية الجار ؛ لأن في منعه إضرارا به .

                                                                                                                              واختار جمع المنع من كل مؤذ لم يعتد والروياني أنه لا يمنع إلا إن ظهر منه قصد التعنت والفساد وأجرى ذلك في نحو إطالة البناء وأفهم المتن أنه يمنع مما الغالب فيه الإخلال بنحو حائط الجار كدق عنيف يزعجها وحبس ماء بملكه تسري نداوته إليها قال الزركشي والحاصل منع ما يضر الملك دون المالك ا هـ . واعترض بما مر في قولنا ولا يمنع من حفر بئر بملكه ويرد بأن ذاك في حفر معتاد وما هنا في تصرف غير معتاد فتأمله ، ثم [ ص: 210 ] رأيت بعضهم نقل ذلك عن الأصحاب فقال قال أئمتنا وكل من الملاك يتصرف في ملكه على العادة ولا ضمان إذا أفضى إلى تلف ومن قال يمنع مما يضر الملك دون المالك محله في تصرف يخالف فيه العادة لقولهم لو حفر بملكه بالوعة أفسدت ماء بئر جاره أو بئرا نقصت ماءها لم يضمن ما لم يخالف العادة في توسعة البئر أو تقريبها من الجدار أو تكن الأرض خوارة تنهار إذا لم تطو فلم يطوها فيضمن في هذه كلها ويمنع منها لتقصيره ، ولو حفر بئرا في موات فحفر آخر بئرا بقربها فنقص ماء بئر الأول منع الثاني منه ، قيل والفرق ظاهر ا هـ وكأنه أن الأول استحق حريما لبئره قبل حفر الثاني فمنع لوقوع حفره في حريم ملك غيره ولا كذلك فيما مر ولو اهتز الجدار بدقه وانكسر ما علق فيه ضمنه إن سقط حالة الضرب وإلا فلا قاله العراقيون وقال القاضي لا يضمن مطلقا ويظهر على الأول أن سقوطه عقب الضرب بحيث ينسب إليه عادة كسقوطه حالة الضرب بل قد يقال إن مرادهم بحالة الضرب ما يشمل ذلك ( تنبيه )

                                                                                                                              ينبغي أن يستثنى من قولهم لا يمنع مما يضر المالك ما لو تولد من الرائحة مبيح تيمم كمرض فإن الذي يظهر أنه إن غلب تولده وإيذاؤه المذكور منع منه وإلا فلا .

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              حاشية ابن قاسم

                                                                                                                              ( قوله بدور أو شارع ) قد يحترز به عن المحفوفة بموات بأن ملك أرضا فيه فجعل جميعها دارا فالوجه أن لها حريما منه ( قوله أي أو جهل ) اعتمده م ر ( قوله في المتن فإن تعدى ضمن ) ولهذا أفتى شيخنا الشهاب الرملي بضمان من جعل داره بين الناس معمل نشادر وشمه أطفال فماتوا بسبب ذلك لمخالفته العادة ا هـ وقد يشكل على قولهم والأصح أنه يجوز أن يتخذ داره المحفوفة بمساكن إلخ إلا أن يجاب بالفرق بين ما اعتيد فعله بين الناس كالمذكورات في قولهم المذكور ، وإن لم يعتد فعلها في ذلك المحل بخصوصه وبين ما لم يعتد بين الناس مطلقا كما في هذه الفتوى ( قوله في المتن والأصح أنه يجوز أن يتخذ داره المحفوفة بمساكن حماما وإصطبلا إلخ ) قال في شرح الروض واستثنى بعضهم مما ذكر ما لو كان له دار في سكة غير نافذة فليس له أن يجعلها مسجدا ولا حماما ولا خانا ولا سبيلا إلا بإذن الشركاء وفيه نظر ا هـ والمعتمد عدم استثناء ما ذكر م ر ( قوله واعترض بما مر إلخ ) ويعترض أيضا بقوله السابق كأن سقط بحفره المعتاد جدار جاره ( قوله ثم [ ص: 210 ] رأيت بعضهم ) أي كشيخنا الشهاب الرملي ( قوله ولا ضمان إذا أفضى إلى تلف ) لا ينافي ذلك أن من فتح سرابا بدون إعلام الجيران ضمن ما تلف برائحته من نفس أو مال لجريان العادة بالإعلام قبل الفتح فمن فتح بدون إعلام لم يتصرف في ملكه على العادة بالإعلام فلذا ضمن ومن قلى أو شوى في ملكه ما يؤثر إجهاض الحامل إن لم تأكل منه وجب عليه دفع ما يدفع الإجهاض عنها فإن قصر ضمن لكن لا يجب دفعه بغير عوض كما في المضطر ولا يجب عليه الإعلام بأنه يريد أن يقلي أو يشوي ؛ لأنه غير معتاد فلا يضمن م ر ( قوله ولا كذلك فيما مر ) إذ لم يقع الحفر في حريم ملك غيره بل في ملك نفسه ( قوله وقال القاضي إلخ ) اعتمده [ ص: 211 ] م ر .



                                                                                                                              حاشية الشرواني

                                                                                                                              ( قوله أو شارع ) بخلاف ما إذا كانت في غير نافذ ا هـ مغني ( قوله أي أو جهل ) اعتمده م ر ا هـ سم ( قوله قال ) أي البلقيني ( قوله أي وهو إلخ ) أي الحريم المستحق ( قوله ما يتحفظ به إلخ ) يتأمل على هذا هل يعتبر من كل جانب أو من البعض وهل يثبت لكل في ملك كل أو كيف الحال ا هـ سيد عمر ( قوله وإن أضر ) إلى المتن في المغني قول المتن ( فإن تعدى ضمن ) ولهذا أفتى الوالد رحمه الله تعالى بضمان من جعل داره بين الناس معمل نشادر وشمه أطفال فماتوا بسبب ذلك لمخالفته العادة ا هـ نهاية قال الرشيدي و ع ش قوله م ر ولهذا أفتى إلخ وقد يشكل عليه قولهم و الأصح أنه يجوز أن يتخذ داره المحفوفة إلخ إلا أن يجاب بالفرق بين ما اعتيد فعله بين الناس في الجملة كالمذكورات في قولهم المذكور وإن لم يعتد فعلها في ذلك المحل بخصوصه وبين ما لم يعتد فعله بين الناس مطلقا كما في هذه الفتوى سم على حج ا هـ

                                                                                                                              قول المتن ( و الأصح أنه يجوز أن يتخذ داره المحفوفة بمساكن حماما إلخ ) هذا شامل لما لو كان له دار في سكة غير نافذة فله جعلها مسجدا أو حانوتا أو سبيلا وإن لم يأذن الشركاء خلافا لبعضهم كما علم ذلك مما مر في الصلح ا هـ نهاية زاد المغني أو حماما وابن قاسم أو خانا ( قوله وقصار ) أي أو نحو ذلك نهاية ومغني ( قوله من كل مؤذ لم يعتد ) يؤخذ منه حرمة الوقود بنحو العظم والجلود مما يؤذي فيمنع من ذلك حيث كان ثم من يتأذى به ا هـ ع ش ( قوله وأجرى ذلك ) أي المنع مع الإضرار وعدمه مع عدمه و ( قوله في نحو إطالة البناء ) أي فيما يمنع الشمس والقمر ا هـ كردي أي ونحوهما كالضوء والهواء ( قوله وأفهم ) إلى قوله انتهى في المغني ( قوله يزعجها ) الأولى هنا وفي قوله إليها التذكير ( قوله واعترض إلخ ) أي ما قاله الزركشي ( قوله بما مر إلخ ) ويعترض أيضا بقوله السابق كأن سقط بسبب حفره إلخ ا هـ سم ( قوله ثم [ ص: 210 ] رأيت بعضهم إلخ ) عبارة النهاية فقد نقل الوالد رحمه الله تعالى عن الأصحاب أنه يتصرف كل شخص في ملكه إلخ ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله بعضهم ) أي كشيخنا الشهاب الرملي ا هـ سم ( قوله نقل ذلك ) أي الجمع المذكور ( قوله وكل من الملاك يتصرف إلخ ) فالحاصل أن له فعل ما وافق العادة وإن ضر الملك والمالك وأن له فعل ما خالفها إن لم يضر الملك وإن ضر المالك وكذا لو ضر الأجنبي بالأولى ويكفي في جريان العادة كون جنسه يفعل بين الأبنية وإن لم تجر بفعل عينه ومنه حداد بين بزازين فخرج نحو معمل النشادر فيضمن فاعله بين الأبنية ما تولد منه ومثله معمل البارود ( تنبيه )

                                                                                                                              شمل ما ذكر من جواز التصرف المعتاد ما لو أسرج في ملكه سراجا ولو بنجس ولزم عليه تسويد جدار جاره قليوبي ا هـ بجيرمي ( قوله ولا ضمان إذا أفضى إلى تلف ) لا ينافي ذلك أن من فتح سرابا بدون إعلام الجيران ضمن ما تلف برائحته من نفس أو مال لجريان العادة بالإعلام قبل الفتح فمن فتح بدون إعلام لم يتصرف في ملكه على العادة بالإعلام فلذا ضمن ومن قلى أو شوى في ملكه ما يؤثر في إجهاض الحامل إن لم تأكل منه وجب دفع ما يدفع الإجهاض عنها فإن قصر ضمن لكن لا يجب دفعه بغير عوض كما في المضطر ولا يجب عليه الإعلام بأنه يريد أن يقلي أو يشوي لأنه غير معتاد فلا يضمن م ر سم على حج أي فيجب عليه الدفع متى علمها وإن لم تطلب لكن يقول لها لا أدفع لك إلا بالثمن فإن امتنعت من بذله لم يلزمه الدفع ولا ضمان عليه وتضمن هي جنينها على عاقلتها كما أفتى به ابن حجر ويؤخذ من قوله فإن امتنعت من بذل الثمن إلخ أنها لو لم تقدر عليه حالا وطلبت منه نسيئة فإن كانت فقيرة وجب عليه الدفع بلا عوض لاضطرارها وإن لم تكن كذلك ولم يرض بذمتها وامتنع من الدفع ضمن ا هـ ع ش

                                                                                                                              ( قوله محله في تصرف إلخ ) قضيته أنه لو أسرج في ملكه على المعتاد جاز وإن أدى إلى تلويث جدار الغير بالدخان وتسويده به أو تلويث جدار مسجد بجواره ولو مسجده عليه الصلاة والسلام كذا قال م ر ولا شك أنه قضية كلامهم بل وقضيته جواز الإسراج بما هو نجس وإن أدى إلى ما ذكر وقد التزمه م ر تارة وتوقف أخرى فيما يلزم منه تلويث المسجد فليحرر انتهى سم على منهج أقول وحيث استند إلى مقتضى كلامهم ، فالظاهر ما التزمه بدون التوقف ا هـ ع ش أقول بل الظاهر التوقف لا سيما في تلويث مسجده صلى الله عليه وسلم ( قوله أو تكن إلخ ) عطف على يخالف إلخ وكان الأولى أن يقول ولم تكن إلخ عبارة النهاية أو لكون الأرض إلخ عطفا على في توسعة إلخ ( قوله خوارة ) في القاموس والخوار ككتان الضعيف ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله إذا لم تطو ) أي لم تبن

                                                                                                                              ( قوله ولا كذلك إلخ ) إذ لم يقع الحفر في حريم ملك غيره بل في ملك نفسه سم وع ش ( قوله ضمنه ) خالفه النهاية والمغني عبارة الأول لم يضمن كما قاله القاضي سواء أسقط في حال الدق أم لا خلافا للعراقيين ا هـ قال ع ش قول م ر لم يضمن أي حيث كان دقه معتادا ولو اختلفا صدق الداق ؛ لأن الأصل عدم الضمان ا هـ وعبارة الثاني وقالالقاضي لا ضمان في الحالين وهذا هو الظاهر ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله على الأول ) أي قول العراقيين .




                                                                                                                              الخدمات العلمية