الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( وإذا ظهر تغير لحم جلالة ) من طعم أو لون أو ريح ، ومن اقتصر على الأخير أراد الغالب وهي آكلة الجلة بفتح الجيم : أي النجاسة كالعذرة ( حرم ) كسائر أجزائها وما تولد منها كبيضها ولبنها .

                                                                                                                            ويكره إطعام شاة مأكولة نجسا ( وقيل يكره ) الجلالة ( قلت : الأصح يكره ، والله أعلم ) لأن النهي لتغير اللحم فلا يقتضي تحريمها كما لو نتن اللحم المذكاة أو بيضها ، ويكره ركوبها من غير حائل وينبغي كما قاله البلقيني تعدى الحكم إلى شعرها وصوفها المنفصل في حياتها .

                                                                                                                            قال الزركشي : والظاهر إلحاق ولدها بها إذا ذكيت ووجد في بطنها ميتا ووجدت الرائحة فيه ، ومثلها سخلة ربيت بلبن كلبة إذا تغير لحمها لا زرع وثمر سقي أو ربي بنجس ، بل يحل اتفاقا ولا كراهة فيه .

                                                                                                                            نعم إن ظهر نحو ريح النجاسة فيه اتجهت الكراهة ، ومعلوم أن من أصابه منه نجس يطهر بغسله ( فإن علفت طاهرا ) أو نجسا [ ص: 157 ] أو متنجسا كما هو ظاهر كلام الروض أو لم تعلف كما اعتمده البلقيني وغيره ، واقتصار الأكثر على العلف الطاهر جرى على الغالب لأن الحيوان لا بد له من العلف وأنه الطاهر ( فطاب ) لحمها ( حل ) هو وبقية أجزائها من غير كراهة فهو تفريع عليهما وذلك لزوال العلة ولا تقدير لمدة العلف ، وتقديرها بأربعين يوما في البعير وثلاثين في البقرة وسبعة في الشاة وثلاثة في الدجاجة للغالب ، أما طيبه بنحو غسل أو طبخ فلا أثر له ، ولو غذيت شاة بحرام مدة طويلة لم تحرم كما قاله الغزالي وابن عبد السلام إذ هو حلال في ذاته ، والحرمة إنما هي لحق الغير ، وما في الأنوار من التفصيل في ذلك مبني على حرمة الجلالة

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : لحم جلالة ) وفي شرح الروض : ويقال لها الجلالة ( قوله وهي آكلة الجلة ) هي مثلثة الجيم انتهى قاموس ( قوله : ويكره إطعام شاة مأكولة نجسا ) المتبادر من النجس نجس العين .

                                                                                                                            وقضيته أنه لا يكره إطعامها المتنجس ( قوله كما لو نتن ) بابه سهل وظرف كما في المختار ( قوله : ويكره ركوبها من غير حائل ) ظاهره وإن لم تعرق ( قوله : ووجدت الرائحة فيه ) قضية التقييد بما ذكر انتفاء كراهة الجنين إذا لم يوجد فيه تغير ، ومقتضى كونه من أجزائها أنه لا فرق بين وجوده متغيرا وعدمه ، [ ص: 157 ] وعبارة شرح الروض : قال الزركشي : الظاهر إلحاق ولدها بها إذا ذكيت ووجد في بطنها ميتا أو ذكي ووجدت فيه الرائحة ، وهو يقتضي أنه إذا وجد في بطنها ميتا كره مطلقا ، وأنه إذا خرج حيا ثم ذكي فصل فيه بين ظهور الرائحة وعدمه ( قوله : مدة طويلة ) ينبغي أن المراد بالطول أن تعلف قدرا في مدة لو فرض أنه من الجلة لغير لحمها أخذا من التفصيل المذكور عن الأنوار ( قوله : وابن عبد السلام ) وهل تكره أم لا ؟ فيه نظر ، والأقرب الأول ( قوله : وما في الأنوار من التفصيل ) وهو أن الحرام إن كان لو فرض نجسا غير اللحم حرمت وإلا فلا مبنى إلخ انتهى حج



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            ( قوله : كسائر أجزائها ) صريح هذا السياق أنه يكره البيض واللبن ونحوهما إذا تغير اللحم وإن لم يحصل فيها تغير ، وانظر ما الفرق بينها وبين ولد المذكاة الآتي حيث قيده بما إذا وجدت فيه الرائحة ( قوله : الجلالة عقب قول المصنف وقيل يكره ) خروج عن الظاهر ، والظاهر لحم الجلالة ( قوله : إذا تغير لحمها ) لعل المراد تغيره بالقوة بأن يقدر لو كان بدل اللبن الذي شربه في تلك المدة عذرة مثلا ظهر فيه التغير نظير ما سيأتي في كلام البغوي ، وإلا فاللبن لا يظهر منه تغير كما لا يخفى فليراجع ( قوله : نعم إن ظهر نحو ريح النجاسة فيه اتجهت الكراهة ) قد يقال : لا موقع لهذا الاستدراك لأن محل الكراهة في الذي قبله إذا ظهر فيه ذلك [ ص: 157 ] قوله : لأن الحيوان إلخ ) يجب حذف اللام من قوله لأن كما هو كذلك في التحفة ( قوله : فهو تفريع عليهما ) قد يقال إن ما قرره لا ينتج له هذا لأنه أخذ الحل في المتن بمعنى عدم الحرمة الصادق بالكراهة ولهذا احتاج للتقييد بقوله من غير كراهة .

                                                                                                                            والذي ينتج له ما ذكر أن يقول عقب قول المصنف حل : أي لم يحرم ولم يكره فالمراد أبيح فتأمل ( قوله : والحرمة إنما هي لحق الغير ) أي غير المكلف لا يخاطب بالحرمة ( قوله وما في الأنوار من التفصيل مبني على حرمة الجلالة ) فيه أمور منها أن كونه مبنيا على حرمة الجلالة من جملة ما في الأنوار خلافا لما يوهمه كلام الشارح فإنه نقل التفصيل الآتي عن البغوي ، ثم قال : وهو مبني على حرمة الجلالة ، ومنها أن ما ذكره الغزالي وابن عبد السلام هو احتمال أيضا للبغوي الذي ما في الأنوار منقول عنه ، خلافا لما يوهمه سياق الشارح أيضا ، بل هو الذي اعتمده البغوي كما سيأتي عنه .

                                                                                                                            ومنها أن قوله وما في الأنوار إلخ لا موقع له بعدما ذكره عن الغزالي وابن عبد السلام إذ هو متأت على القول بالحرمة والقول بالكراهة ، إذ الظاهر أنه لا كراهة في الشاة المذكورة أيضا للمعنى الذي ذكره الغزالي وابن عبد السلام ، ولعلهما إنما اقتصرا على نفي الحرمة لأنها التي كانت تتوهم من غذائها بالحرام ، وقد سبق أن ما قالاه سبقهما إليه البغوي ، وعبارته في الفتاوى : إذا ربيت شاة بعلف مغصوب فإن كان قدرا لو كان نجسا لظهر تغيره فيه حرم وإلا فلا ، ويحتمل أن يقال : يحل أكله بكل حال لأن العلف حلال في الأصل ، وإنما حرم لحق الغير واستقرت القيمة في الذمة ، بخلاف المربى بلبن الكلب فإن أكله حرام وهذا أشبه انتهت .

                                                                                                                            وقوله فإن كان قدرا إلخ هو التفصيل الذي ذكر الشارح أنه في الأنوار .




                                                                                                                            الخدمات العلمية