الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( ويستحب ) وقيل يجب ( للإمام ) أو نائبه ( إذا أمكنه ) شرط الضيافة عليهم لقوتنا مثلا ( أن يشرط عليهم إذا صولحوا في بلدهم ) أو بلادنا كما اعتمده الأذرعي خلافا للزركشي ( ضيافة من يمر بهم من المسلمين ) وإن كان غنيا غير مجاهد للاتباع ، ويتجه عدم دخول العاصي بسفره [ ص: 95 ] لانتفاء كونه من أهل الرخص بل ولا من كان سفره دون ميل لانتفاء تسميته ضيفا ، وأن ذكر المسلمين قيد في الندب لا الجواز ، ولو صولحوا عن الضيافة بمال فهو لأهل الفيء لا للطارقين ، وإنما يشترط ذلك حالة كونه ( زائدا على أقل جزية ) فلا يجوز جعله من الأقل لأن القصد من الجزية التمليك ومن الضيافة الإباحة ( وقيل يجوز منها ) أي من الجزية التي هي أقل ; لأنه ليس عليهم سواها ، ورد بأن هذا كالمماكسة ( وتجعل ) الضيافة ( على غني ومتوسط ) أي عند نزول الضيف بهم كما هو ظاهر ( لا فقير ) فلا يجوز جعلها عليه ( في الأصح ) والثاني عليه أيضا كالجزية ( ويذكر ) العاقد عند اشتراط الضيافة ( عدد الضيفان رجالا وفرسانا ) أي ركبانا وآثر الخيل لشرفها ، وذلك لأنه أقطع للنزاع وأنفى للغرر فيقول على كل غني أو متوسط جزية كذا ، وضيافة عشرة كل يوم أو سنة خمس رجالة وخمس فرسان ، أو عليكم ضيافة ألف مسلم رجالة وكذا فرسان كذا كل سنة مثلا يتوزعونهم فيما بينهم بحسب تفاوتهم في الجزية ، وما اعترض به ذكر العدد من أنه بناه في أصل الروضة على ضعيف أنها من الجزية .

                                                                                                                            أما على الأصح أنها زائدة عليها فلا يشترط ذكره وذكر الرجالة والفرسان من أنه لا معنى له إذ لا يتفاوتون إلا بعلف الدابة ، وقد ذكره بعد مردود بأنه مبني على الأصح أيضا كما جرى عليه مختصروها ، وبأن الآتي ذكر مجرد العلف ، والذي هنا ذكر عدد الدواب اللازم لذكر الفرسان ، وأحد هذين لا يغني عن الآخر ، ولا بد فيما لو قال على كل غني أو متوسط عدد كذا ، أو عليكم عدد كذا ولم يقل كل يوم من بيان عدد أيام الضيافة في الحول مع ذكر مدة الإقامة كما سيذكره ( و ) يذكر ( جنس الطعام والأدم ) من بر وسمن وغيرهما بحسب العادة الغالبة في قوتهم ، ويتجه دخول الفاكهة والحلوى عند غلبتهما ، والأوجه أن أجرة الطبيب والخادم كذلك ، ومن نفى لزومها لهم محمول على السكوت عنهم ، أو لم يعتد في محلهم ( وقدرهما و ) يذكر أن ( لكل واحد ) من الأضياف ( كذا ) منهما بحسب العرف ، ويفاوت بينهم في قدر ذلك لا صفته بحسب تفاوت جزيتهم ، ويمتنع على الضيف أن يكلفهم ذبح نحو دجاجهم أو ما لا يغلب ، وقد علم مما قررناه في كلامه صحة الواو الداخلة على كل ، وسقوط القول بأنه لا معنى لها ( و ) يذكر ( علف الدواب ) ولا يشترط ذكر جنسه وقدره فيكفي الإطلاق ، ويحمل على تبن وحشيش بحسب العادة لا على نحو شعير ، نعم إن ذكر الشعير في وقت اشتراط بيان قدره ، ولا يجب عند [ ص: 96 ] عدم تعيين عدد دواب كل علف أكثر من دابة واحدة لكل واحد ( و ) يذكر ( منزل الضيفان ) وكونه لائقا بالحر أو البرد ( من كنيسة وفاضل مسكن ) وبيت فقير ولا يخرجون أهل منزل منه ، ويشترط عليهم إعلاء أبوابهم ليدخلها المسلمون ركبانا ( و ) يذكر ( مقامهم ) أي مدة إقامتهم ( ولا يجاوز ثلاثة أيام ) فإن شرط فوقها مع رضاهم بذلك جاز ، ويشترط تزويد الضيف كفاية يوم وليلة ، ولو امتنع قليل منهم أجبروا أو كلهم أو أكثرهم فناقضون ، وله حمل ما أتوا به ، ولا يطالبهم بعوض إن لم يمر بهم ضيف ولا بطعام ما بعد اليوم الحاضر ، ولو لم يأتوا بطعام اليوم لم يطالبهم به في الغد ، ومقتضى ذلك سقوطه مطلقا والأوجه أنه متى شرط عليهم أياما معلومة لم يحسب هذا منها .

                                                                                                                            أما لو شرط على كلهم وبعضهم ضيافة عشرة مثلا كل يوم ففوتت ضيافة القادمين في بعض الأيام اتجه أخذ بدلها لأهل الفيء لا سقوطها ، وإلا لم يكن لاشتراط الضيافة في هذه الصورة كبير أمر

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            [ ص: 95 ] ( قوله : لانتفاء كونه من أهل الرخص ) وعليه فما أخذه المسافر المذكور لا يحسب مما شرط عليهم ، بل الحق باق في جهتهم يطالبون به ، ويرجعون عليه بما أخذه منهم ( قوله : وأن ذكر المسلمين ) أي ويتجه أن إلخ ( قوله : ورد بأن هذا ) أي المشروط ( قوله عند نزول الضيف بهم ) أي ليلا أو نهارا ( قوله ويذكر ) وجوبا ( قوله : وأنفى للغرر ) عطف سبب على مسبب .

                                                                                                                            ( قوله : أو لم يعتد في محلهم ) المراد بمحلهم قريتهم مثلا التي هم بها ، والمراد بعدم اعتياده في محلهم أنهم لم تجر عادتهم بإحضاره للمريض منهم ، فإن جرت بإحضاره عادتهم لكونه في البلد أو قريبا منها عرفا وجب إحضاره ( قوله : نعم إن ذكر الشعير ) أي أو نحوه من فول [ ص: 96 ] قوله : ولا يخرجون ) أي فلو خالفوا أثموا ، والظاهر أنه لا أجرة عليهم لمدة سكنهم فيه حيث كانت بقدر المدة المشروطة ( قوله : ولا يجاوز ثلاثة أيام ) أي غير يومي الدخول والخروج ( قوله : ويشترط ) ندبا كما مر ( قوله : فناقضون ) نقل شيخنا الزيادي في الفصل الآتي عند قول المصنف أو أبوا جزية فناقضون إلخ أنه لا فرق في الانتقاض بمنع الجزية بين الواحد والكل خلافا للماوردي حيث فرق بينهما ا هـ .

                                                                                                                            فما هنا من التفرقة يحتمل أنه على كلام الماوردي وأن هذا متفق عليه ، وهو ظاهر كلام الشارح وعليه فيفرق بين الضيافة لكونها تابعة فسومح فيها بخلاف الجزية ، وكتب أيضا لطف الله به قوله فناقضون : أي فلا يجب تبليغهم المأمن كما يأتي في قول المصنف ومن انتقض عهده بل يتخير الإمام فيهم بين القتل والرق والمن والفداء على ما يراه .

                                                                                                                            ( قوله : وله حمل ما أتوا به ) أي يجوز للمسلمين حمل ما أتوا به من الذميين ( قوله : ما بعد اليوم ) أي لا يطلب تعجيله منهم



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            [ ص: 95 ] ( قوله : لانتفاء كونه من أهل الرخص ) انظر ما تعلق هذا بالرخص ( قوله : خمس رجالة ) هو بتنوين خمس في الموضعين وإنما حذف منه التاء لأن المعدود محذوف : أي خمسة أضياف رجالة إلخ ( قوله : وذكر الرجالة ) هو برفع ذكر عطفا على ذكر الأول ( قوله : بحسب تفاوتهم في الجزية ) أي بالنظر للغنى والتوسط وإن اتحدوا في المدفوع كما تصرح به عبارة الروض ( قوله : ويتجه دخول الفاكهة والحلوى إلخ ) عبارة التحفة : وقد تدخل في الطعام الفاكهة والحلوى لكن محل جواز ذكرهما إن غلبا انتهت . فمعنى قوله وقد تدخل إلخ : أي تدخل في قولهم ويذكر جنس الطعام : أي فيذكرهما بالشرط الذي ذكره ( قوله : ومن نفى لزومها إلخ ) عبارة التحفة : ومن صرح بأن ذلك غير لازم لهم يحمل كلامه على ما إذا سكتا عنه أو لم يعتد في محلهم ( قول المتن ولكل واحد كذا ) صريحة بالنظر لما [ ص: 96 ] قدمه الشارح أنه لا بد من ذكر الإجمال ثم التفصيل وهو مخالف لكلام غيره ، ثم إن ابن قاسم نازع في سقوط القول الآتي بهذا التقدير ( قوله : وبيت فقير ) وإن كان لا ضيافة عليه كما مر كأن يقول وتجعلوا المنازل بيوت الفقراء ( قوله : ومقتضى ذلك سقوطه مطلقا ، والأوجه إلخ ) عبارة التحفة : وقضيته سقوطه مطلقا وفيه نظر ، [ ص: 97 ] وإنما يتجه إن شرط عليهم أياما معلومة فلا يحسب هذا منها . أما لو شرط على كلهم أو بعضهم إلخ




                                                                                                                            الخدمات العلمية