الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( ولوجوب الأداء شروط ) أحدهما ( أن يدعى من مسافة العدوى ) فأقل ومر بيانها للحاجة إلى الإثبات وتعذره بالشهادة على الشهادة لعدم قبولها حينئذ ، فإن دعي لما فوقها لم يجب للضرورة واستثنى الماوردي من الوجوب ما إذا لم يعتد المشي ولا مركوب له أو أحضر له مركوب وهو ممن يستنكر الركوب في حقه فلا يلزم الأداء وخرج بيدعى ما إذا لم يطلب فلا يلزمه الأداء إلا في شهادة حسبة فيلزمه فورا إزالة للمنكر ( وقيل ) أن يدعى من ( دون مسافة قصر ) لأنه في حكم الحاضر أما إذا دعي من مسافة القصر فلا تجب الإجابة جزما ، نعم بحث الأذرعي وجوبه إذا دعاه الحاكم وهو في عمله أو الإمام الأعظم مستدلا بفعل عمر رضي الله عنه واستدلاله إنما يتم من الإمام دون غيره والفرق بينهما ظاهر ( و ) ثانيها ( أن يكون عدلا [ ص: 323 ] فإن ادعى ذو فسق مجمع عليه ) ظاهر أو خفي لم يجب عليه الأداء لأنه عبث ، بل يحرم عليه وإن خفي فسقه لأنه يحمل الحاكم على حكم باطل ، لكن مر عن ابن عبد السلام أوائل الباب جوازه ، وهو ظاهر إن انحصر خلاص الحق فيه ، وأفتى به الوالد رحمه الله تعالى ، وصرح الماوردي بموافقة ابن عبد السلام في الخفي لأن في قبوله خلافا ( قيل أو مختلف فيه ) كشرب ما لا يسكر من النبيذ ( لم يجب ) الأداء لأنه يعرض نفسه لرد القاضي له بما يعتقده الشاهد غير قادح ، والأصح أنه يلزمه وإن اعتقد هو أنه مفسق لأن الحاكم قد يقبله ، سواء أكان ممن يرى التفسيق ورد الشهادة به أم لا ، فقد يتغير اجتهاده ويرى قبولها . وقضية التعليل عدم اللزوم إذا كان القاضي مقلدا لمن يفسق بذلك وهو ظاهر ، وقد يمنع بأنه يجوز أن يقلد غير مقلده . وأجيب بأن اعتبار مثل هذا بعيد ، ولو كان مع المجمع على فسقه عدل لم يلزمه الأداء إلا فيما يثبت بشاهد ويمين ، إذ لا فائدة له فيما عداه ، ويجوز للعدل الشهادة بما يعلم أن القاضي يرتب عليه ما لا يعتقده هو كبيع عند من يرى إثبات الشفعة للجار وإن كان هو لا يراها ، أو شهد بتزويج صغيرة بولي غير مجبر عنده من يراه ، والشاهد لا يرى ذلك وإن لم يقلد ، ويجوز له تحمل ذلك ولو قصدا .

                                                                                                                            نعم لا يجوز له أن يشهد بصحة أو استحقاق ما يعتقد فساده ولا أن يتسبب في وقوعه إلا إن قلد القائل بذلك ( و ) ثالثها ( أن لا يكون معذورا بمرض ونحوه ) من كل عذر مرخص في ترك الجماعة كما مر ، نعم مر أن المخدرة تعذر دون غيرها ( فإن كان ) معذورا بذلك ( أشهد على شهادته أو بعث القاضي من يسمعها ) دفعا للمشقة عنه ، وأفهم اقتصاره على هذه الثلاثة عدم اشتراط زيادة عليها فيلزمه الأداء عند نحو أمير وقاض فاسق لم تصح توليته إن تعين وصول الحق لمستحقه طريقا له ، أو عند قاض متعنت أو جائر : أي لم يخش منه على نفسه كما هو واضح ، ولو قال لي عند فلان شهادة وهو ممتنع من أدائها من غير عذر لم يجبه لاعترافه بفسقه ، بخلاف ما إذا لم يقل من غير عذر لاحتماله ، ويتعين على المؤدي لفظ أشهد فلا يكفي مرادفه كما مر لأنه أبلغ في الظهور ، ومر أوائل الباب حكم مجيء الشاهد بمرادف سماعه ، ولو عرف الشاهد السبب كالإقرار فهل له أن يشهد بالاستحقاق أو الملك فيه وجهان : أحدهما لا . قال ابن أبي الدم : إنه الأشهر ، وهو ظاهر نص المختصر وإن كان فقيها موافقا لأنه قد [ ص: 324 ] يظن ما ليس بسبب سببا ، ولأن وظيفته نقل ما سمعه أو رآه ثم ينظر الحاكم فيه ليرتب عليه حكمه لا ترتيب الأحكام على أسبابها . وثانيهما نعم وبه صرح ابن الصباغ وغيره وهو مقتضى كلامهما وهو الأوجه ، ولو شهد واحد شهادة صحيحة فقال الآخر أشهد بما أو بمثل ما شهد به لم يكف حتى يقول مثل ما قال ويستوفيها لفظا كالأول لأنه موضع أداء لا حكاية وقد عمت البلوى بخلافه لجهل أكثر الحكام ، قال جمع ولا يكفي أشهد بما وضعت به خطي ولا بمضمونه ونحو ذلك مما فيه إجمال وإبهام ولو من عالم ، ويوافقه قول ابن عبد السلام ، واعتمده الأذرعي وغيره ، ولا يكفي قول القاضي اشهدوا علي بما وضعت به خطي لكن في فتاوى البغوي ما يقتضي الاكتفاء بذلك فيما قبل الأخيرة إذا عرف الشاهد والقاضي ما تضمنه الكتاب ، ويقاس به الأخيرة ، بل قال جمع : إن عمل كثير على الاكتفاء بذلك في الجميع ولا نعم لمن قال أشهد عليك بما نسب إليك في هذا الكتاب إلا إن قيل له ذلك بعد قراءته عليه وهو يسمعه وكذا المقر . نعم إن قال أعلم بما فيه وأنا مقر به كفى ، وأفتى ابن عبد السلام بجواز الشهادة على المكس : أي من غير أخذ شيء منه إذا قصد به ضبط الحقوق لترد لأربابها إن وقع عدل ، ويكفي قول شاهد النكاح أشهد أني حضرت العقد أو حضرته وأشهد به ، ولو قالا لا شهادة لنا في كذا ثم شهدا في زمن يحتمل وقوع التحمل فيه لم يؤثر ، وإلا أثر ، ولو قال لا شهادة لي على فلان ثم قال كنت نسيت اتجه قبولها حيث اشتهرت ديانته .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : والفرق بينهما ) أي الإمام والحاكم ، وقوله ظاهر : أي وهو شدة الاختلال بمخالفة الإمام [ ص: 323 ] دون غيره ( قوله : وهو ظاهر ) إن انحصر خلاص الحق فيه : أي وإن لم يكن نفسا ولا بضعا ولا عوضا ، وإن قيد الأذرعي ظهوره بهذه الثلاثة وأفهم أنه لو لم ينحصر خلاص الحق فيه لم تجز له الشهادة ، ولو قيل بجوازها لأنه مجرد إعانة على تخليص الحق لكان متجها ، ومع ذلك لو تبين للحاكم حاله بعد الحكم تبين بطلانه ، وفي حاشية شيخنا الزيادي ما نصه : قال الأذرعي : في تحريم الأداء مع الفسق الخفي نظر ، لأنه شهادة بحق وإعانة عليه في نفس الأمر ، ولا إثم على القاضي إذا لم يقصر بل يتجه الوجوب عليه إذا كان في الأداء إنقاذ نفس أو عضو وبضع . قال : وبه صرح الماوردي ، وهي تفيد الجواز إذا لم ينحصر الحق فيه والوجوب إذا انحصر ( قوله هو كبيع عند من يرى إثبات الشفعة ) قضية هذا أن الشهادة بالبيع ليست سببا في حصول الشفعة التي لا يراها ، إذ لو كانت سببا لحرمت لما يأتي من أن التسبب فيما لا يراه ممنوع حيث لا تقليد فليتأمل ( قوله : لم يجبه ) أي القاضي لطلب الشاهد ( قوله : ومر أوائل الباب حكم مجيء الشاهد ) أي وهو القبول فيما هو صريح في معنى مرادفه [ ص: 324 ] قوله : لكن في فتاوى البغوي إلخ ) ضعيف ( قوله : فيما قبل الأخيرة ) هي قوله ولا يكفي قول القاضي ( قوله : لم يؤثر ) أي قولهما أولا لا شهادة لنا ( قوله : حيث اشتهرت ديانته ) مفهومه أنه لو لم يقل ذلك أو نحوه لم تقبل شهادته .



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            ( قوله لكن مر عن ابن عبد السلام أوائل الباب جوازه ) بل مر استيجاه وجوبه بالقيد المذكور ( قوله : بما يعتقده الشاهد غير قادح ) قضيته أن الكلام فيما إذا اعتقده الشاهد غير قادح لنحو تقليد وهو مناف لقوله عقبه والأصح أنه يلزمه وإن اعتقد هو أنه مفسق فانظر هذا التعليل ( قوله : من كل عذر مرخص في ترك الجماعة ) دخل فيه أكل ذي ريح كريه ونحوه ، وقد قدمت التوقف فيه في أوائل كتاب القضاء ورأيت [ ص: 324 ] ابن قاسم توقف فيه هنا ، وسيأتي فيه كلام في الفصل الآتي ( قوله : فيما قبل الأخيرة ) يعني بما تضمنه خطي ( قوله ولو قالا لا شهادة لنا في كذا إلخ ) هذه تقدمت كالتي بعدها .




                                                                                                                            الخدمات العلمية