الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( ولو ) ( حلف لا يدخلها ) أي الدار ( وهو فيها أو لا يخرج ) منها ( وهو خارج ) قال ابن الصباغ : أو لا يملك هذه العين وهو مالكها فاستدام ملكها ( فلا حنث بها ) لأن حقيقة الدخول انفصاله من خارج لداخل والخروج عكسه ولم يوجدا في الاستدامة ولأنهما لا يتقدران بمدة ، نعم لو نوى بعدم الدخول الاجتناب فأقام أو بعدم الخروج أن لا ينقل أهله مثلا فنقلهم حنث ( أو ) حلف ( لا يتزوج أو لا يتطهر أو لا يلبس أو لا يركب أو لا يقوم أو لا يقعد ) أو لا يشارك فلانا أو لا يستقبل القبلة ( فاستدام هذه الأحوال ) ( حنث ) لتقديرها بزمان تقول لبست يوما وركبت ليلة وشاركته شهرا وكذا البقية ، وإذا حنث باستدامة شيء ثم حلف أن لا يفعله فاستدامه لزمه كفارة أخرى لانحلال يمينه الأولى باستدامته الأولى ، [ ص: 190 ] وقضيته أنه لو قال كلما لبست فأنت طالق تكرر الطلاق بتكرر الاستدامة فتطلق ثلاثا بمضي ثلاث لحظات وهي لابسة ، ودعوى أن ذكر كلما قرينة صارفة للابتداء ممنوعة ولو حلف لابس لا يلبس إلى وقت كذا فهل تحمل يمينه على عدم إيجاده لبسا قبل ذلك الوقت فيحنث باستدامة اللبس ولو لحظة أو على الاستدامة إلى ذلك الوقت فلا يحنث إلا إن استمر لابسا إليه ؟ .

                                                                                                                            الأوجه الأول كما يدل له قولهم الفعل المنفي بمنزلة النكرة المنفية في إفادة العموم أما لو استدام التسري من حلف لا يتسرى فإنه يحنث كما أفتى به الوالد رحمه الله تعالى لأنه حجب الأمة عن أعين الناس وإنزاله فيها وذلك حاصل مع الاستدامة ( قلت : تحنيثه باستدامة التزوج والتطهر غلط لذهول ) عما في الشرحين فقد جزم فيهما بعدم الحنث كما هو المنقول المنصوص لعدم تقديرهما بمدة كالدخول والخروج فلا يقال تزوجت ولا تطهرت شهرا مثلا بل منذ شهر ، ومحل عدم الحنث فيهما إن لم ينو استدامتهما وإلا حنث بهما جزما ( واستدامة طيب ليست تطيبا في الأصح ) لعدم تقديره بمدة عادة ولهذا لم تلزمه بها فدية فيما لو تطيب قبل إحرامه ثم استدامه والثاني نعم لأنه منسوب إلى التطيب ( وكذا وطء ) وغصب ( وصوم وصلاة ) فلا يحنث باستدامتها في الأصح ( والله أعلم ) إذ المراد في نحو نكح أو وطئ فلانة أو غصب كذا وصام شهرا استمرار مدة أحكام تلك لا حقيقتها لانفصالها بانقضاء أدنى زمن في الثلاثة الأول وبمضي يوم لا بعضه في الصوم والصلاة لم يعهد عرفا ولا شرعا تقديرها بزمن بل بعدد الركعات ، ولا ينافي ما تقرر في الوطء جعلهم استدامته في الصوم بعد الفجر مع علمه بالحال مفسدا .

                                                                                                                            لأن ذلك لمعنى آخر أشاروا إليه بقولهم تنزيلا لمنع الانعقاد منزلة الإبطال واستدامة السفر سفر ولو بالعود منه واعلم أن كل ما يقدر عرفا بمدة من غير تأويل بل يكون دوامه كابتدائه فيحنث باستدامته وما لا فلا ، ولو حلف لا يقيم بمحل ثلاثة أيام وأطلق فأقام به يومين ثم سافر ثم عاد وأقام به يوما حنث كما هو الأوجه أخذا من كلامهم [ ص: 191 ] فيمن نذر اعتكاف شهر أو سنة مثلا قالوا لصدق الاسم بالمتفرق والمتوالي ، بخلاف ما لو حلف لا يكلمه شهرا لأن مقصود اليمين الهجر لا يتحقق بدون تتابع ، ولا ينافيه ما في الروضة أنه لو حلف لا تمكث زوجته في الضيافة أكثر من ثلاثة أيام فخرجت منها لثلاث فأقل ثم رجعت إليها فلا حنث ، لأن المعلق عليه وجد هنا لا ثم ، لأن المكث أكثر من ثلاثة أيام للضيافة والرجوع ولو بقصد الضيافة لا يسمى ضيافة لاختصاصها بالمسافر بعد قدومه

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : أو لا يملك هذه العين ) ومثله ما لو حلف لا يشتري هذا ولا يبيعه وقد سبق العقد عليه قبل الحلف فلا يحنث بالاستدامة في ذلك ، لكن لو أراد اجتنابه بمعنى أنه لا يستديم الملك فيها ولم يوافقه البائع على الفسخ مثلا أو لم يتيسر له النقل عن ملكه فيما لو حلف لا يملكها وأراد لا يستديم الملك هل يحنث بذلك أو لا ، وهل عجزه عمن يشتري بثمن المثل حالا فيما لو حلف لا يستديم الملك عذر أم لا ؟ فيه نظر ، ونقل عن شيخنا العلامة الشوبري القول بالحنث فيهما ، والأقرب عدم الحنث فيما لو لم يوافقه البائع على الفسخ فيما لو قال لا أشتري وأراد ردها على مالكها كما لو أكره على عدم الفعل والحنث فيما عداه ( قوله : فلا حنث ) أي ولا تنحل اليمين فلو خرج منها ثم عاد حنث بالدخول ( قوله : ولأنهما لا يتقدران بمدة ) ولأن ملك الشيء عبارة عن تملكه بعد أن لم يكن ، وعليه فلو لم يكن في ملكه ثم اشتراه ونحو ذلك من كل ما تملكه باختياره حنث به ، أما ما ملكه بغير اختياره كأن مات مورثه فدخلت في ملكه بموته فالظاهر أنه لا يحنث لأنه إنما حلف على فعل نفسه ولم يوجد ( قوله : أن لا ينقل أهله ) أي وأراد بعدم الملك أن لا تبقى في ملكه فاستدام حنث أو أراد أنها ليست في ملكه حنث وإن أزالها عن ملكه حالا ( قوله : أو لا يشارك ) قال الماوردي : وكل عقد أو فعل يحتاج لنية فلا يكون استدامته كابتدائه ، وفيما أطلقه في العقد نظر لما مر في الشركة إلا أن يحمل ذلك على الشركة بغير عقد كالإرث ا هـ حج .

                                                                                                                            وكتب عليه سم في فتاوى السيوطي مسألة : رجل حلف لا يشارك أخاه في هذه الدار وهي ملك أبيهما فمات الوالد وانتقل الإرث لهما وصارا شريكين فهل يحنث الحالف بذلك أم لا ، وهل استدامة الملك شركة تؤثر أم لا ؟ الجواب أما مجرد دخوله في ملكه بالإرث فلا يحنث به ، وأما الاستدامة فمقتضى قواعد الأصحاب أنه يحنث بها ا هـ : أي وطريقة أن يقتسماها حالا ، فلو تعذرت الفورية فيه لعدم وجود قاسم مثلا عذر ما دام الحال كذلك ، وأما الشركة التي تحصل بعقد كأن خلطا [ ص: 190 ] المال وأذن كل للآخر في التصرف فهل يكفي في عدم الحنث إذا حلف أنه لا يشاركه الفسخ وحده أو لا بد معه من قسمة المالين ؟ فيه نظر ، والأقرب الأول إذا قلنا إنه يحنث باستدامتها على الراجح ، أما إذا قلنا بعدم الحنث على ما اقتضاه كلام الماوردي لم يحتج للفسخ ولا للقسمة ما لم يرد بعدم المشاركة عدم بقائها ، وكالدار فيما ذكر ما لو حلف على عدم المشاركة في بهيمة مثلا وهي شركة بينهما فلا يتخلص إلا بإزالة الشركة فورا إما ببيع حصته أو هبتها لثالث أو لشريكه

                                                                                                                            [ فرع ] لو حلف لا يرافقه في طريق فجمعتهما معدية لا حنث فيما يظهر لأنها تجمع قوما وتفرق آخرين ، ونقل عن شيخنا الزيادي ما يوافقه ( قوله : ثلاث لحظات ) والمراد باللحظة أقل زمن يمكن فيه النزع ( قوله : ولو حلف لابس لا يلبس ) أي القميص مثلا بأن قال لا ألبس هذا القميص إلى آخر الشهر فكأنه قال لا أوجد لبسا ما لهذا الثوب في هذا الشهر وقد وجد بالاستدامة لأنها بمنزلة الإيجاد فيحنث ( قوله كما أفتى به الوالد ) خلافا لحج ( قوله : لأنه حجب الأمة ) أي التسري ( قوله في الثلاثة الأول ) هي قوله إذ المراد في نحو نكح أو وطئ فلانة أو غصب كذا ( قوله : واستدامة السفر سفر ولو بالعود منه ) نعم إن حلف على الامتناع منه لم يحنث بالعود منه ا هـ حج ( قوله : ثم سافر ثم عاد ) أي ولو بعد زمن طويل [ ص: 191 ] قوله : بخلاف ما لو حلف لا يكلمه شهرا ) أي فإنه يحمل على الشهر المتتابع فلو لم يكلمه عشرة أيام مثلا ثم كلمه مدة ثم ترك كلامه وهكذا حتى مضت مدة قدر الشهر لم يحنث لعدم التوالي .

                                                                                                                            [ فائدة جليلة ] قال المناوي في شرحه الكبير على الجامع الصغير عند قوله صلى الله عليه وسلم { إن يوم الجمعة يوم عيد وذكر فلا تجعلوا يوم عيدكم يوم صيام } إلخ ما نصه : ولو حلف إن يوم الجمعة يوم عيد لم يحنث لهذا الخبر وإن كان العرف لا يقتضيه ، كذا في شرح أحكام ابن عبد الحق ا هـ .

                                                                                                                            وقوله ولو حلف إن يوم الجمعة إلخ : أي وأطلق ( قوله : بعد قدومه ) يؤخذ منه أنها لو سافرت ثم عادت فمكثت مدة زائدة على ثلاثة حنث ، وأن ما جرت به العادة من مجيء بعض أهل البلد لبعض أنه لو حلف فيه إنها لا تقعد في الضيافة مدة كذا أو حلف إنه لا يضيف زيدا لم يحنث بمكثها مدة ولو طالت ولا بذهابه لزيد ولو بطلب من زيد له لطعام صنعه لأن ذلك لا يسمى ضيافة وهذا كله عند الإطلاق فإن أراد شيئا عمل به



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            ( قوله : أو لا يشارك فلانا ) محل الحنث في هذه [ ص: 190 ] ما لم يرد العقد كما نقله ابن قاسم عن الشارح وأفتى به والده تبعا لابن الصلاح ( قوله : أما لو استدام التسري ) إلخ كان الأولى تأخير هذا عن استدراك التزوج الآتي في كلام المصنف ( قوله في نكح ) الظاهر أن لفظ نكح زاده الشارح مع مسألة الغصب فسقط من الكتبة بدليل قوله إذ المراد في نحو نكح وقوله في الثلاثة الأول فلتراجع نسخة صحيحة ( قوله ثم سافر ثم عاد إلخ ) تقدم في الطلاق أنه لو علق بأنه لا يقيم بكذا مدة كذا لم يحنث إلا بإقامة ذلك [ ص: 191 ] متواليا ، قال الشارح : لأنه المتبادر من ذلك عرفا فليراجع وليحرر .




                                                                                                                            الخدمات العلمية