الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ . (25) قوله : إنما اتخذتم : في " ما " هذه ثلاثة أوجه ، أحدها : أنها موصولة بمعنى الذي ، والعائد محذوف ، وهو المفعول الأول . و " أوثانا " مفعول ثان . والخبر " مودة " في قراءة من رفع كما سيأتي . والتقدير : إن الذي اتخذتموه أوثانا مودة ، أي : ذو مودة ، أو جعل نفس المودة ، ومحذوف على قراءة من نصب " مودة " أي : إن الذي اتخذتموه أوثانا لأجل المودة لا ينفعكم ، أو " يكون عليكم " ، لدلالة قوله : ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض .

                                                                                                                                                                                                                                      الثاني : أن تجعل " ما " كافة ، و " أوثانا " مفعول به . والاتخاذ هنا متعد لواحد ، أو لاثنين ، والثاني ، هو من دون الله فمن رفع " مودة " كانت خبر مبتدأ مضمر . أي : هي مودة ، أي : ذات مودة ، أو جعلت نفس المودة مبالغة . والجملة حينئذ صفة لـ " أوثانا " أو مستأنفة . ومن نصب كانت مفعولا له ، أو بإضمار أعني .

                                                                                                                                                                                                                                      الثالث : أن تجعل " ما " مصدرية ، وحينئذ يجوز أن يقدر مضافا من الأول أي : إن سبب اتخاذكم أوثانا مودة ، فيمن رفع " مودة " . ويجوز أن لا يقدر ، بل [ ص: 18 ] يجعل نفس الاتخاذ هو المودة مبالغة . وفي قراءة من نصب يكون الخبر محذوفا ، على ما مر في الوجه الأول .

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ ابن كثير وأبو عمرو والكسائي برفع " مودة " غير منونة وجر " بينكم " . ونافع وابن عامر وأبو بكر بنصب " مودة " منونة ونصب " بينكم " . وحمزة وحفص بنصب " مودة " غير منونة وجر " بينكم " . فالرفع قد تقدم . والنصب أيضا تقدم فيه وجهان ، ويجوز وجه ثالث ، وهو أن تجعل مفعولا ثانيا على المبالغة ، والإضافة للاتساع في الظرف كقولهم :

                                                                                                                                                                                                                                      3638 - يا سارق الليلة أهل الدار

                                                                                                                                                                                                                                      ومن نصبه فعلى أصله . ونقل عن عاصم أنه رفع " مودة " غير منونة ونصب " بينكم " . وخرجت على إضافة " مودة " للظرف ، وإنما بني لإضافته إلى غير متمكن كقراءة لقد تقطع بينكم بالفتح إذا جعلنا " بينكم " فاعلا .

                                                                                                                                                                                                                                      وأما " في الحياة " ففيه [أوجه ] أحدها : أنه هو و " بينكم " متعلقان بـ " مودة " إذا نونت . وجاز تعلقهما بعامل واحد لاختلافهما . الثاني : أن يتعلقا بمحذوف على أنهما صفتان لـ " مودة " . الثالث : أن يتعلق " بينكم " بـ" مودة " . و " في الحياة " صفة لـ " مودة " . ولا يجوز العكس لئلا يلزم إعمال المصدر الموصوف . والفرق بينه وبين الأول أن الأول عمل فيه المصدر قبل أن يوصف ، وهذا عمل فيه بعد [ ص: 19 ] أن وصف .

                                                                                                                                                                                                                                      على أن ابن عطية جوز ذلك هو وغيره وكأنهم اتسعوا في الظرف . فهذا وجه رابع .

                                                                                                                                                                                                                                      الخامس : أن يتعلق " في الحياة " بنفس " بينكم " لأنه بمعنى الفعل ، إذ التقدير : اجتماعكم ووصلكم . السادس : أن يكون حالا من نفس " بينكم " . السابع : أن يكون " بينكم " صفة لـ " مودة " . و " في الحياة " حال من الضمير المستكن فيه . الثامن : أن يتعلق " في الحياة " بـ " اتخذتم " على أن تكون " ما " كافة و " مودة " منصوبة . قال أبو البقاء : " لئلا يؤدي إلى الفصل بين الموصول وما في الصلة بالخبر " .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية