الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ . (49) قوله : من قبله : فيه وجهان ، أحدهما : أنه تكرير لـ " من قبل " الأولى على سبيل التوكيد . والثاني : أن يكون غير مكرر . وذلك أن يجعل الضمير في " قبله " للسحاب . وجاز ذلك لأنه اسم جنس يجوز تذكيره وتأنيثه ، أو للريح ، فتتعلق " من " الثانية بـ " ينزل " . وقيل : يجوز عود الضمير على " كسفا " كذا أطلق أبو البقاء . والشيخ قيده بقراءة من سكن السين . وقد تقدمت قراءات " كسفا " في " سبحان " . وللناس في هذا الموضع كلام كثير رأيت ذكره لتوضيح معناه .

                                                                                                                                                                                                                                      وقد أبدى كل من الشيخين : الزمخشري وابن عطية فائدة التأكيد المذكور . فقال ابن عطية : " أفاد الإعلام بسرعة تقلب قلوب البشر من الإبلاس إلى الاستبشار ; وذلك أن قوله من قبل أن ينزل عليهم يحتمل الفسحة في الزمان ، أي : من قبل أن ينزل بكثير كالأيام ونحوه فجاء " من قبله " ، بمعنى أن ذلك متصل بالمطر فهو تأكيد مفيد " .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 52 ] وقال الزمخشري : " ومعنى التوكيد فيه الدلالة على أن عهدهم بالمطر قد بعد فاستحكم يأسهم وتمادى إبلاسهم ، فكان استبشارهم على قدر اغتمامهم بذلك " . وهو كلام حسن .

                                                                                                                                                                                                                                      إلا أن الشيخ لم يرتضه منهما فقال : " ما ذكراه من فائدة التأكيد غير ظاهر ، وإنما هو لمجرد التوكيد ويفيد رفع المجاز فقط " . انتهى . ولا أدري عدم الظهور لماذا ؟ وقال قطرب : " وإن كانوا من قبل التنزيل من قبل المطر . وقيل : التقدير من قبل إنزال المطر من قبل أن يزرعوا . ودل المطر على الزرع ; لأنه يخرج بسبب المطر . ودل على ذلك قوله " فرأوه مصفرا " يعني الزرع ; قال الشيخ : " وهذا لا يستقيم ; لأن من قبل أن ينزل متعلق بـ " مبلسين " ولا يمكن من قبل الزرع أن يتعلق بمبلسين ; لأن حرفي جر لا يتعلقان بعامل واحد إلا بوساطة حرف العطف أو البدل ، وليس هنا عطف والبدل لا يجوز ; إذ إنزال الغيث ليس هو الزرع ولا الزرع بعضه . وقد يتخيل فيه بدل الاشتمال بتكلف : إما لاشتمال الإنزال على الزرع ، بمعنى : أن الزرع يكون ناشئا عن الإنزال ، فكأن الإنزال مشتمل عليه . وهذا على مذهب من يقول : الأول مشتمل على الثاني " .

                                                                                                                                                                                                                                      وقال المبرد : " الثاني السحاب ; لأنهم لما رأوا السحاب كانوا راجين المطر " انتهى . يريد من قبل رؤية السحاب . ويحتاج أيضا إلى حرف عطف ليصح تعلق الحرفين بـ " مبلسين " . وقال الرماني : " من قبل الإرسال " .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 53 ] والكرماني : " من قبل الاستبشار ; لأنه قرنه بالإبلاس ، ولأنه من عليهم بالاستبشار " . ويحتاج قولهما إلى حرف العطف لما تقدم ، وادعاء حرف العطف ليس بالسهل ; فإن فيه خلافا : بعضهم يقيسه ، وبعضهم لا يقيسه . هذا كله في المفردات . أما إذا كان في الجمل فلا خلاف في اقتياسه .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية