الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ . (6) قوله : ثم جعل منها : في " ثم " هذه أوجه ، أحدها : أنها على بابها من الترتيب بمهلة ، وذلك أنه يروى أنه تعالى أخرجنا من ظهر آدم كالذر ثم خلق حواء بعد ذلك بزمان . الثاني : أنها على بابها أيضا ولكن لمدرك آخر : وهو أن يعطف بها ما بعدها على ما فهم من الصفة في قوله : " واحدة " إذ التقدير : من نفس وحدت أي انفردت ثم جعل منها زوجها . الثالث : أنها [ ص: 410 ] للترتيب في الأخبار لا في الزمان الوجودي كأنه قيل : كان من أمرها قبل ذلك أن جعل منها زوجها . الرابع : أنها للترتيب في الأحوال والرتب . قال الزمخشري : " فإن قلت : وما وجه قوله : ثم جعل منها زوجها وما يعطيه من التراخي ؟ قلت : هما آيتان من جملة الآيات التي عددها دالا على وحدانيته وقدرته بتشعيب هذا الخلق الفائت للحصر من نفس آدم عليه السلام وخلق حواء من قصيراه ، إلا أن إحداهما جعلها الله عادة مستمرة ، والأخرى لم تجر بها العادة ولم تخلق أنثى غير حواء من قصيرى رجل ، فكانت أدخل في كونها آية وأجلب لعجب السامع ، فعطفها بـ " ثم " على الآية الأولى للدلالة على مباينتها فضلا ومزية ، وتراخيها عنها فيما يرجع إلى زيادة كونها آية فهي من التراخي في الحال والمنزلة لا من التراخي في الوجود .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله : وأنزل لكم من الأنعام عطف على " خلقكم " ، والإنزال يحتمل الحقيقة . يروى أنه خلقها في الجنة ثم أنزلها ، ويحتمل المجاز ، وله وجهان ، أحدهما : أنها لم تعش إلا بالنبات والماء ، والنبات إنما يعيش بالماء ، والماء ينزل من السحاب أطلق الإنزال عليها وهو في الحقيقة يطلق على سبب السبب كقوله :


                                                                                                                                                                                                                                      3885 - أسنمة الآبال في ربابه وقوله :



                                                                                                                                                                                                                                      3886 - صار الثريد في رؤوس العيدان

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 411 ] وقوله :


                                                                                                                                                                                                                                      3887 - إذا نزل السماء بأرض قوم     رعيناه وإن كانوا غضابا



                                                                                                                                                                                                                                      والثاني : أن قضاياه وأحكامه منزلة من السماء من حيث كتبها في اللوح المحفوظ ، وهو أيضا سبب في إيجادها .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله : " يخلقكم " هذه الجملة استئنافية ، ولا حاجة إلى جعلها خبر مبتدأ مضمر ، بل استؤنفت للإخبار بجملة فعلية . وقد تقدم خلاف القراء في كسر الهمزة وفتحها وكذا الميم .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله : " خلقا " مصدر لـ " يخلق " و من بعد خلق صفة له ، فهو لبيان النوع من حيث إنه لما وصف زاد معناه على معنى عامله . ويجوز أن يتعلق من بعد خلق بالفعل قبله ، فيكون " خلقا " لمجرد التوكيد .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله : " ظلمات " متعلق بخلق الذي قبله ، ولا يجوز تعلقه بـ " خلقا " المنصوب ; لأنه مصدر مؤكد ، وإن كان أبو البقاء جوزه ، ثم منعه بما ذكرت فإنه قال : " و " في " متعلق به أي بـ " خلقا " أو بخلق الثاني ; لأن الأول مؤكد فلا يعمل " ولا يجوز تعلقه بالفعل قبله ; لأنه قد تعلق به حرف مثله ، ولا يتعلق حرفان متحدان لفظا ومعنى إلا بالبدلية أو العطف .

                                                                                                                                                                                                                                      فإن جعلت " في ظلمات " بدلا من في بطون أمهاتكم بدل اشتمال ; لأن البطون مشتملة عليها ، وتكون بدلا بإعادة العامل ، جاز ذلك ، أعني تعلق الجارين بـ " يخلقكم " . ولا يضر الفصل بين البدل والمبدل منه بالمصدر لأنه من تتمة العامل فليس بأجنبي .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 412 ] قوله : ذلكم الله ربكم يجوز أن يكون " الله " خبرا لـ " ذلكم " و " ربكم " نعت لله أو بدل منه . ويجوز أن يكون " الله " بدلا من " ذلكم " و " ربكم " خبره .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله : " له الملك " يجوز أن يكون مستأنفا ، ويجوز أن يكون خبرا بعد خبر ، وأن يكون " الله " بدلا من " ذلكم " و " ربكم " نعت لله أو بدل منه ، والخبر الجملة من " له الملك " . ويجوز أن يكون الخبر نفس الجار والمجرور وحده و " الملك " فاعل به ، فهو من باب الإخبار بالمفرد .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله : لا إله إلا هو يجوز أن يكون مستأنفا ، وأن يكون خبرا بعد خبر .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية