الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ . (23) قوله : يبشر الله عباده : كقوله : كالذي خاضوا وقد تقدم تحقيقه ، وتقدمت القراءات في " يبشر " . وقرأ مجاهد وحميد بن قيس " يبشر " بضم الياء وسكون الباء وكسر الشين من أبشر منقولا من بشر بالكسر ، لا من بشر بالفتح ، لأنه متعد . والتشديد في " بشر " للتكثير لا للتعدية ; لأنه متعد بدونها . ونقل الشيخ قراءة " يبشر " بفتح الياء وضم الشين عن حمزة والكسائي من السبعة ، ولم يذكر غيرهما من السبعة ، وقد وافقهما على ذلك ابن كثير وأبو عمرو . و " ذلك " مبتدأ والموصول بعده خبره ، [ ص: 550 ] وعائده محذوف على التدريج المذكور في قوله : كالذي خاضوا أي : يبشر به ، ثم يبشره على الاتساع . وأما على رأي يونس فلا تحتاج إلى عائد لأنها عنده مصدرية ، وهو قول الفراء أيضا . أي : ذلك تبشير الله عباده . و " ذلك " إشارة إلى ما أعده الله لهم من الكرامة .

                                                                                                                                                                                                                                      وقال الزمخشري : " أو ذلك التبشير الذي يبشره الله عباده " . قال الشيخ : " وليس بظاهر ; إذ لم يتقدم في هذه السورة لفظ البشرى ، ولا ما يدل عليها من بشر أو شبهه " .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله " إلا المودة " فيها قولان ، أحدهما : أنها استثناء منقطع ; إذ ليست من جنس الأجر . والثاني : أنه متصل أي : لا أسألكم عليه أجرا إلا هذا . وهو أن تودوا أهل قرابتي ولم يكن هذا أجرا في الحقيقة ; لأن قرابته قرابتهم فكانت صلتهم لازمة لهم في المروءة ، قاله الزمخشري . وقال أيضا : " فإن قلت : هلا قيل : إلا مودة القربى ، أو إلا المودة للقربى . قلت : جعلوا مكانا للمودة ومقرا لها كقولك : لي في آل فلان مودة ، وليست " في " صلة للمودة كاللام إذا قلت : إلا المودة للقربى ، إنما هي متعلقة بمحذوف تعلق الظرف به في قولك : " المال في الكيس " ، وتقديره : إلا المودة ثابتة في القربى ومتمكنة [ ص: 551 ] فيها " . قلت : وأحسن ما سمعت في معنى هذه الآية حكاية الشعبي قال : أكثر الناس علينا في هذه الآية فكتبنا إلى ابن عباس نسأله عنها . فكتب : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أوسط الناس في قريش ، ليس بطن من بطونهم إلا قد ولده ، فقال الله تعالى : قل لا أسألكم عليه أجرا إلا أن تودوني في قرابتي منكم فارعوا ما بيني وبينكم فصدقوني .

                                                                                                                                                                                                                                      وقال أبو البقاء : " وقيل : متصل أي : لا أسألكم شيئا إلا المودة " . قلت : وفي تأويله متصلا بما ذكر ، نظر لمجيئه بـ " شيء " الذي هو عام ، وما من استثناء منقطع إلا ويمكن تأويله بما ذكر ، ألا ترى إلى قولك : " ما جاءني أحد إلا حمار " أنه يصح : ما جاءني شيء إلا حمارا .

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ زيد بن علي " مودة " دون ألف ولام .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله : نزد له فيها حسنا العامة على " نزد " بالنون للعظمة . وزيد بن علي وعبد الوارث عن أبي عمرو " يزد " بالياء من تحت أي : يزد الله . والعامة على " حسنا " بالتنوين مصدرا على فعل نحو : شكر . وهو مفعول به .وعبد الوارث عن أبي عمرو " حسنى " بألف التأنيث على وزن بشرى ورجعى وهو مفعول به أيضا . ويجوز أن يكون صفة كـ فضلى ، فيكون وصفا لمحذوف أي خصلة حسنى .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية