الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ . (85) وقوله : لأملأن : جواب القسم . قال أبو البقاء : " إلا أن سيبويه يدفعه لأنه لا يجوز حذف حرف القسم إلا مع اسم الله ، ويكون قوله : " والحق أقول " معترضا بين القسم وجوابه " . قال الزمخشري : " كأنه قيل : ولا أقول إلا الحق " يعني أن تقديمه المفعول أفاد الحصر . والمراد بالحق : إما الباري تعالى كقوله : ويعلمون أن الله هو الحق المبين وإما نقيض الباطل . والثاني : أنه منصوب على الإغراء أي : الزموا الحق . والثالث : [ ص: 401 ] أنه مصدر مؤكد لمضمون قوله : " لأملأن " . قال الفراء : " هو على معنى قولك : حقا لا شك ، ووجود الألف واللام وطرحهما سواء أي : لأملأن جهنم حقا " انتهى . وهذا لا يتمشى على قول البصريين ; فإن شرط نصب المصدر المؤكد لمضمون الجملة أن يكون بعد جملة ابتدائية خبراها معرفتان جامدان جمودا محضا .

                                                                                                                                                                                                                                      وجوز ابن العلج أن يكون الخبر نكرة . وأيضا فإن المصدر المؤكد لا يجوز تقديمه على الجملة المؤكد هو لمضمونها . وهذا قد تقدم . وأما الثاني فمنصوب بـ " أقول " بعده . والجملة معترضة كما تقدم . وجوز الزمخشري أن يكون منصوبا على التكرير ، بمعنى أن الأول والثاني كليهما منصوبان بـ أقول . وسيأتي إيضاح ذلك في عبارته .

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ عاصم وحمزة برفع الأول ونصب الثاني . فرفع الأول من أوجه ، أحدها : أنه مبتدأ ، وخبره مضمر تقديره : فالحق مني ، أو فالحق أنا . الثاني : أنه مبتدأ ، خبره " لأملأن " قاله ابن عطية . قال : " لأن المعنى : أن أملأ " . قال الشيخ : " وهذا ليس بشيء ; لأن لأملأن جواب قسم . ويجب أن يكون جملة فلا تتقدر بمفرد . وأيضا ليس مصدرا مقدرا بحرف مصدري والفعل حتى [ ص: 402 ] ينحل إليهما ، ولكنه لما صح له إسناد ما قدر إلى المبتدأ حكم أنه خبر عنه " قلت : وتأويل ابن عطية صحيح من حيث المعنى لا من حيث الصناعة .

                                                                                                                                                                                                                                      الثالث : أنه مبتدأ ، خبره مضمر تقديره : فالحق قسمي ، و " لأملأن " جواب القسم كقوله : لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون ولكن حذف الخبر هنا ليس بواجب ، لأنه ليس نصا في اليمين بخلاف لعمرك . ومثله قول امرئ القيس :


                                                                                                                                                                                                                                      3882 - فقلت يمين الله أبرح قاعدا ولو قطعوا رأسي لديك وأوصالي



                                                                                                                                                                                                                                      وأما نصب الثاني فبالفعل بعده . وقرأ ابن عباس ومجاهد والأعمش برفعهما . فرفع الأول على ما تقدم ، ورفع الثاني بالابتداء ، وخبره الجملة بعده ، والعائد محذوف كقوله تعالى في قراءة ابن عامر : " وكل وعد الله الحسنى " وقول أبي النجم :


                                                                                                                                                                                                                                      3883 - قد أصبحت أم الخيار تدعي     علي ذنبا كله لم أصنع



                                                                                                                                                                                                                                      ويجوز أن يرتفع على التكرير عند الزمخشري وسيأتي . وقرأ الحسن وعيسى بجرهما .

                                                                                                                                                                                                                                      وتخريجها : على أن الأول مجرور بواو القسم مقدرة أي : فوالحق والحق عطف عليه كقولك : والله والله لأقومن ، و " أقول " اعتراض بين القسم وجوابه . ويجوز أن يكون مجرورا على الحكاية . وهو منصوب المحل [ ص: 403 ] بـ " أقول " بعده . قال الزمخشري : " ومجرورين - أي وقرئا مجرورين - على أن الأول مقسم به قد أضمر حرف قسمه كقولك : " الله لأفعلن " والحق أقول أي : ولا أقول إلا الحق على حكاية لفظ المقسم به ، ومعناه التوكيد والتشديد . وهذا الوجه جائز في المرفوع والمنصوب أيضا ، وهو وجه حسن دقيق " انتهى . يعني أنه أعمل القول في قوله : " والحق " على سبيل الحكاية فيكون منصوبا بـ " أقول " سواء نصب أو رفع أو جر ، كأنه قيل : وأقول هذا اللفظ المتقدم مقيدا بما لفظ به أولا .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله : " أجمعين " فيه وجهان ، أظهرهما : أنه توكيد للضمير في " منك " و " لمن " عطف في قوله : " وممن تبعك " وجيء بأجمعين دون " كل " ، وقد تقدم أن الأكثر خلافه . وجوز الزمخشري أن يكون تأكيدا للضمير في " منهم " خاصة فقدر " لأملأن جهنم من الشياطين وممن تبعهم من جميع الناس لا تفاوت في ذلك بين ناس وناس " .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية