الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ . (5) قوله : تكاد السماوات يتفطرن : قد مر في مريم الخلاف والكلام فيه مشبعا . إلا أن الزمخشري زاد هنا : " وروي عن يونس عن أبي عمرو قراءة غريبة " تتفطرن " بتاءين مع النون ، ونظيرهما حرف نادر روي في نوادر ابن الأعرابي : " الإبل تتشممن " . قال الشيخ : " والظاهر أن هذا وهم منه ; لأن ابن خالويه قال في " شاذ القراءات " ما نصه : " تنفطرن " بالتاء والنون ، يونس عن أبي عمرو " قال ابن خالويه : " وهذا حرف نادر لأن العرب لا تجمع بين علامتي التأنيث . لا يقال : النساء تقمن ، ولكن يقمن ، والوالدات يرضعن ولا يقال : ترضعن . وقد كان أبو عمر الزاهد روى في نوادر ابن الأعرابي : " الإبل تتشممن " فأنكرناه ، فقد قواه الآن هذا " . قال الشيخ : " فإن كانت نسخ الزمخشري متفقة على قوله : " بتاءين مع النون " فهو وهم ، وإن كان في بعضها " بتاء مع النون " كان موافقا لقول ابن خالويه ، وكان " بتاءين " تحريفا من النساخ . وكذلك كتبهم " تتفطرن " و " تتشممن " بتاءين " انتهى .

                                                                                                                                                                                                                                      قلت : كيف يستقيم أن يكون كتبهم تتشممن بتاءين وهما ؟ وذلك لأن ابن خالويه أورده في معرض الندرة والإنكار ، حتى تقوى عنده بهذه القراءة ، وإنما يكون نادرا منكرا بتاءين فإنه حينئذ يكون مضارعا مسندا لضمير الإبل ، فكان من حقه أن يكون حرف مضارعته ياء منقوطة من أسفل نحو : " النساء [ ص: 540 ] يقمن " فكان ينبغي أن يقال : الإبل يتشممن بالياء من تحت ثم بالتاء من فوق ، فلما جاء بتاءين كلاهما من فوق ظهر ندوره وإنكاره . ولو كان على ما قال الشيخ : إن كتبهم بتاءين وهم ، بل كان ينبغي كتبه بتاء واحدة لما كان فيه شذوذ ولا إنكار ; لأنه نظير " النسوة قد خرجن " فإنه ماض مسند لضمير الإناث ، وكذا لو كتب بياء من تحت وتاء من فوق لم يكن فيه شذوذ ولا إنكار ، وإنما يجيء الشذوذ والإنكار إذا كان بتاءين منقوطتين من فوق ، ثم إنه سواء قرئ " تتفطرن " بتاءين أو بتاء ونون فإنه نادر كما ذكر ابن خالويه ، وهذه القراءة لم يقرأ بها في نظيرتها في سورة مريم .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله : " من فوقهن " في هذا الضمير ثلاثة أوجه ، أحدها : أنه عائد على السماوات أي : يبتدئ انفطارهن من هذه الجهة فـ " من " لابتداء الغاية متعلقة بما قبلها . الثاني : أنه [عائد ] على الأرضين لتقدم ذكر الأرض قبل ذلك . الثالث : أنه يعود على فرق الكفار والجماعات الملحدين ، قاله الأخفش الصغير ، وأنكره مكي ، وقال : " لا يجوز ذلك في الذكور من بني آدم " . وهذا لا يلزم الأخفش فإنه قال : على الفرق والجماعات ، فراعى ذلك المعنى .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية