الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          ( صرف ) الصاد والراء والفاء معظم بابه يدل على رجع الشيء . من ذلك صرفت القوم صرفا وانصرفوا ، إذا رجعتهم فرجعوا . والصريف : اللبن ساعة يحلب وينصرف به . والصرف في القرآن : التوبة ; لأنه يرجع به [ ص: 343 ] عن رتبة المذنبين . والصرفة : نجم . قال أهل اللغة : سميت صرفة لانصراف البرد عند طلوعها . والصرفة : خرزة يؤخذ بها الرجال ، وسميت بذلك كأنهم يصرفون بها القلب عن الذي يريده منها . قال الخليل : الصرف فضل الدرهم على الدرهم في القيمة . ومعنى الصرف عندنا أنه شيء صرف إلى شيء ، كأن الدينار صرف إلى الدراهم ، أي رجع إليها ، إذا أخذت بدله . قال الخليل : ومنه اشتق اسم الصيرفي ; لتصريفه أحدهما إلى الآخر . قال : وتصريف الدراهم في البياعات كلها : إنفاقها . قال أبو عبيد : صرف الكلام : تزيينه والزيادة فيه ، وإنما سمي بذلك لأنه إذا زين صرف الأسماع إلى استماعه . ويقال لحدث الدهر : صرف ، والجمع : صروف ، وسمي بذلك لأنه يتصرف بالناس ، أي يقلبهم ويرددهم . فأما حرمة الشاء والبقر والكلاب ، فيقال لها : الصراف ، وهو عندنا من قياس الباب ; لأنها تصرف أي تردد وتراجع فيه . ومن الباب : الصريف ، وهو صوت ناب البعير . وسمي بذلك لأنه يردده ويرجعه . فأما قول القائل :


                                                          بني غدانة ما إن أنتم ذهبا ولا صريفا ولكن أنتم الخزف

                                                          فقال قوم : أراد بالصريف الفضة . فإن كان صحيحا فسميت صريفا من قولهم : صرفت الدينار دراهم ، ليس له وجه غير هذا .

                                                          ومما أحسبه شاذا عن هذا الأصل : الصرفان ، وهو الرصاص . والصرفان في قوله :


                                                          أم صرفانا باردا شديدا

                                                          [ ص: 344 ] مختلف فيه ، فقال قوم : هو الرصاص . وقال آخرون : الصرفان : جنس من التمر . وأنشدوا :


                                                          أكل الزبد بالصرفان

                                                          قالوا : ولم يكن يهدى للزباء شيء من الطرف كان أحب إليها من التمر . وأنشدوا :


                                                          ولما أتتها العير قالت أبارد     من التمر أم هذا حديد وجندل

                                                          ومما شذ أيضا : الصرف : شيء من الصبغ يصبغ به الأديم . قال :


                                                          كميت غير محلفة ولكن     كلون الصرف عل به الأديم

                                                          وعلى هذا يحمل قولهم : شرب الشراب صرفا ، إذا لم يمزجه ; كأنه ترك على لونه وحمرته .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية