الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          ( طرق ) الطاء والراء والقاف أربعة أصول ، أحدها : الإتيان مساء ، والثاني : الضرب ، والثالث : جنس من استرخاء الشيء ، والرابع : خصف شيء على شيء .

                                                          فالأول الطروق . ويقال إنه إتيان المنزل ليلا . قالوا : ورجل طرقة ، إذا كان يسري حتى يطرق أهله ليلا . وذكر أن ذلك يقال بالنهار أيضا ، والأصل الليل . والدليل على أن الأصل الليل تسميتهم النجم طارقا ; لأنه يطلع ليلا . قالوا : وكل من أتى ليلا فقد طرق . قالت :


                                                          نحن بنات طارق

                                                          [ ص: 450 ] وهو قول امرأة . تريد : إن أبانا نجم في شرفه وعلوه . ومن الباب - والله أعلم - الطريق ; لأنه يتورد . ويجوز أن يكون من أصل آخر ، وهو الذي ذكرناه من خصف الشيء فوق الشيء .

                                                          ومن الباب الأول قولهم : أتيته طرقتين ، أي مرتين . ومنه طارقة الرجل ، وهو فخذه التي هو منها ; وسميت طارقة لأنها تطرقه ويطرقها . قال :


                                                          شكوت ذهاب طارقتي إليه     وطارقتي بأكناف الدروب

                                                          والأصل الثاني : الضرب ، يقال : طرق يطرق طرقا . والشيء مطرق ومطرقة . ومنه الطرق ، وهو الضرب بالحصى تكهنا ، وهو الذي جاء في الحديث النهي عنه ، وقيل : " الطرق والعيافة والزجر من الجبت " . وامرأة طارقة : تفعل ذلك ; والجمع : الطوارق . قال :


                                                          لعمرك ما تدري الطوارق بالحصى     ولا زاجرات الطير ما الله صانع

                                                          والطرق : ضرب الصوف بالقضيب ، وذلك القضيب مطرقة . وقد يفعل الكاهن ذلك فيطرق ، أي يخلط القطن بالصوف إذا تكهن . ويجعلون هذا مثلا فيقولون : " طرق وماش " . قال :

                                                          [ ص: 451 ]

                                                          عاذل قد أولعت بالترقيش     إلي سرا فاطرقي وميشي

                                                          ويقال : طرق الفحل الناقة طرقا ، إذا ضربها . وطروقة الفحل : أنثاه . واستطرق فلان فلانا فحله ، إذا طلبه منه ليضرب في إبله ، فأطرقه إياه ، ويقال : هذا النبل طرقة رجل واحد ، أي صيغة رجل واحد .

                                                          والأصل الثالث : استرخاء الشيء . من ذلك الطرق ، وهو لين في ريش الطائر . قال الشاعر :

                                                          . . . . . .      . . . . . .
                                                          ومنه أطرق فلان في نظره . والمطرق : المسترخي العين . قال :


                                                          وما كنت أخشى أن تكون وفاته     بكفي سبنتى أزرق العين مطرق

                                                          وقال في الإطراق :


                                                          فأطرق إطراق الشجاع ولو يرى     مساغا لناباه الشجاع لصمما

                                                          [ ص: 452 ] ومن الباب الطريقة ، وهو اللين والانقياد . يقولون في المثل : " إن تحت طريقته لعندأوة " . أي إن في لينه بعض العسر أحيانا . فأما الطرق فقال قوم : هذا اعوجاج في الساق من غير فحج . وقال قوم : الطرق : ضعف في الركبتين . وهذا القول أقيس وأشبه لسائر ما ذكرناه من اللين والاسترخاء .

                                                          والأصل الرابع : خصف شيء على شيء . يقال : نعل مطارقة ، أي مخصوفة . وخف مطارق ، إذا كان قد ظوهر له نعلان . وكل خصفة طراق . وترس مطرق ، إذا طورق بجلد على قدره . ومن هذا الباب الطرق ، وهو الشحم والقوة ، وسمي بذلك لأنه شيء كأنه خصف به . يقولون : ما به طرق ، أي ما به قوة . قال أبو محمد عبد الله بن مسلم : أصل الطرق الشحم ; لأن القوة أكثر ما تكون [ عنه ] . ومن هذا الباب الطرق : مناقع المياه ; وإنما سميت بذلك تشبيها بالشيء يتراكب بعضه على بعض . كذلك الماء إذا دام تراكب . قال رؤبة :


                                                          للعد إذ أخلفه ماء الطرق

                                                          ومن الباب ، وقد ذكرناه أولا وليس ببعيد أن يكون من هذا القياس : الطريق ; وذلك أنه شيء يعلو الأرض ، فكأنها قد طورقت به وخصفت به . ويقولون : تطارقت الإبل ، إذا جاءت يتبع بعضها بعضا . وكذلك الطريق ، وهو النخل الذي على صف واحد ، وهذا تشبيه ، كأنه شبه بالطريق في تتابعه وعلوه الأرض . قال الأعشى :

                                                          [ ص: 453 ]

                                                          ومن كل أحوى كجذع الطريق     يزين الفناء إذا ما صفن

                                                          ومنه [ ريش ] طراق ، إذا كان تطارق بعضه فوق بعض ، وخرج القوم مطاريق ، إذا جاءوا مشاة لا دواب لهم ، فكأن كل واحد منهم يخصف بأثر قدميه أثر الذي تقدم . ويقال : جاءت الإبل على طرقة واحدة ، وعلى خف واحد ; وهو الذي ذكرناه من أنها تخصف بآثارها آثار غيرها . واختضبت المرأة طرقتين ، إذا أعادت الخضاب ، كأنها تخصف بالثاني الأول . ثم يشتق من الطريق فيقولون : طرقت المرأة عند الولادة ، كأنها جعلت للمولود طريقا . ويقال - وهو ذلك الأول - : لا يقال طرقت إلا إذا خرج من الولد نصفه ثم احتبس بعض الاحتباس ثم خرج . تقول : طرقت ثم خلصت .

                                                          ومما يشبه هذا قولهم طرقت القطاة ، إذا عسر عليها بيضها ففحصت الأرض بجؤجئها .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية