وأما الكرامية فنقل عنهم أنهم يقولون إن صفته غيره. هذا مع أن هذه المقولات والفرق كانوا قبل وجود الكرامية، فإن محمد بن كرام إنما ظهر في أثناء المائة الثالثة، وهو قرين أبي سعيد بن كلاب وهما أقدم من وإن كان -أي [ ص: 343 ] الأشعري، - قد أدرك ذلك الزمان لكن الأشعري ابن كرام كان بسجستان وتلك النواحي، كان وابن كلاب بالبصرة وكذلك وعصرهما هو عصر أئمة أهل السنن المصنفة الأشعري، كالبخاري ومسلم وأبي داود والترمذي والنسائي ومع هذا فلم يذكر وابن ماجه ، في مقالاته عن الأشعري الكرامية شيئا خصهم به إلا أنه عدهم في فرق المرجئة، فقال: المرجئة في الإيمان ما هو، وهم اثنتا عشرة فرقة، فالفرقة الأولى منهم يزعمون أن الإيمان بالله هو المعرفة بالله ورسوله وبجميع ما جاء من عنده فقط، وأن ما سوى المعرفة من الإقرار باللسان والخضوع بالقلب والمحبة لله ولرسوله والتعظيم [لهما] والخوف منهما، والعلم بالجوارح فليس بإيمان، وزعموا [ ص: 344 ] أن الكفر بالله هو الجهل به، وهذا قول يحكى عن "اختلفت قال: "وزعمت جهم بن صفوان". الجهمية أن الإنسان إذا أتى بالمعرفة ثم جحد بلسانه أنه لا يكفر بجحده، وأن الإيمان لا يتبعض ولا يتفاضل أهله فيه، وأن الإيمان والكفر لا يكونان إلا في القلب دون غيره من الجوارح.
والفرقة الثانية من المرجئة يزعمون أن الإيمان هو المعرفة بالله فقط. والكفر هو الجهل به فقط، فلا إيمان بالله إلا بالمعرفة به ولا الكفر بالله إلا الجهل به، وأن قول القائل إن الله ثالث ثلاثة ليس بكفر، ولكنه لا يظهر إلا من كافر، وذلك أن الله تعالى أكفر من قال ذلك، وأجمع المسلمون انه لا يقوله إلا كافر، وزعموا أن معرفة الله تعالى هي المحبة له وهي الخضوع لله تعالى. وأصحاب هذا القول لا يزعمون أن الإيمان بالله إيمان بالرسول، وأنه لا يؤمن بالله إذا جاء الرسول إلا مؤمن بالرسول، ليس لأن ذلك يستحيل؛ ولكن لأن الرسول قال: ومن لا يؤمن بي فليس [مؤمنا] بالله، وزعموا أيضا أن الصلاة ليست بعبادة لله وأنه لا عبادة إلا الإيمان به وهو معرفته، والإيمان عندهم لا يزيد ولا ينقص، وهو خصلة واحدة، وكذلك الكفر، [ ص: 345 ] والقائل بهذا القول أبو الحسين الصالحي".