وقد ذكر العلماء دلالة الكتاب والسنة على أن الأفلاك مستديرة من وجوه كثيرة، ليس هذا موضعها، وقد كتبنا في ذلك ما تيسر في غير هذا الموضع مثل قوله تعالى في موضعين من كتابه: وهو الذي خلق الليل والنهار والشمس والقمر كل في فلك يسبحون [الأنبياء 33] قال في فلكة مثل فلكة المغزل، والفلك في اللغة هو الشيء المستدير ومنه يقال تفلك ثدي الجارية. إذا استدار ومنه: فلكة المغزل وقال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: ابن عباس والأعلى لا يكون الأوسط إلا إذا كان [ ص: 9 ] الشكل مستديرا بخلاف المربع والمثلث ونحوها من الأشكال فإنه لا يكون أعلاه أوسطه. إذا سألتم الله الجنة فاسألوه الفردوس فإنها أعلى الجنة وأوسط الجنة وسقفها عرش الرحمن
وفي حديث الأطيط الذي رواه وغيره عن أبو داود جبير بن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه عن جده قال [ ص: 10 ] أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم أعرابي فقال: يا رسول الله جهدت الأنفس، وضاعت العيال، وهلكت الأنعام، فاستسق الله لنا فإنا نستشفع بك إلى الله ونستشفع بالله عليك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ويحك أتدري ما تقول؟ وسبح رسول الله صلى الله عليه وسلم فما زال يسبح حتى عرف ذلك في وجوه أصحابه، ثم قال ويحك أتدري ما تقول؟ لا يستشفع بالله على أحد من خلقه، شأن الله أعظم من ذلك، ويحك أتدري ما الله؟ إن عرشه على سمواته هكذا. وقال بأصابعه مثل القبة عليه، وإنه ليئط به أطيط الرحل بالراكب.
قال وقال أبو داود: ابن بشار في حديثه: " إن الله فوق عرشه، وعرشه فوق سماواته " وساق الحديث. ولفظ عن عثمان بن سعيد ابن بشار: " ". إن الله فوق عرشه فوق سماواته، فوق أرضه مثل القبة، وأشار النبي صلى الله عليه وسلم بيده مثل القبة، وأنه ليئط به [ ص: 11 ] أطيط الرحل بالراكب
[ ص: 12 ] [ ص: 13 ] [ ص: 14 ] وقد قال سبحانه وتعالى: وسع كرسيه السماوات والأرض [البقرة: 255] وفي حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " أبي ذر ". ما السموات السبع في الكرسي إلا كحلقة ملقاة بأرض فلاة، والكرسي في العرش مثل تلك الحلقة في الفلاة والعرش [ ص: 15 ] لا يقدر أحد قدره إلا الله
وقد روى في كتاب السنة: أخبرني أبو بكر الخلال حرب حدثنا محمد بن مهدي بن مالك، ثنا إسماعيل بن [ ص: 16 ] عبد الكريم، ثنا عبد الصمد بن معقل قال: سمعت وهبا فذكر من عظمة الله تعالى، قال: " إن السماوات السبع والأرضين السبع والبحار لفي الهيكل، وإن الهيكل لفي الكرسي، وإن قدميه على الكرسي ".
[ ص: 17 ] وقال سألت الخلال: عن حديث إبراهيم الحربي وهب بن منبه: إن السماوات والأرض لفي الهيكل فقال: الهيكل هو الشيء العظيم، وأنت إذا دخلت البيعة ورأيت الشيء العظيم يعني عندهم يسمونه الهيكل، وإن الهيكل لفي الكرسي، وإن الكرسي لفي العرش. قال: والعرش أعظم من ذلك.
وروى حدثنا عثمان بن سعيد: حدثنا الحماني، الحكم بن ظهير، عن عاصم، عن عن زر، قال: " ما السموات والأرض في الكرسي إلا مثل حلقة بأرض فلاة " وقال: ثنا عبد الله- هو ابن [ ص: 18 ] مسعود- يحيى الحماني، ثنا أبو معاوية عن عن الأعمش، قال: " ما السموات والأرض في الكرسي إلا بمنزلة حلقة في أرض فلاة ". مجاهد
[ ص: 19 ] وقال: ثنا ثنا موسى بن إسماعيل، عن حماد- وهو ابن سلمة-، عاصم، عن عن زر، قال: بين السماء السابعة وبين الكرسي خمسمائة عام، ومن الكرسي إلى الماء خمسمائة عام، والعرش على الماء، والله فوق العرش، وهو يعلم ما أنتم عليه. عبد الله بن مسعود
[ ص: 20 ] وقال: ثنا يحيى الحماني وأبو بكر، قالا: حدثنا [ ص: 21 ] عن وكيع سفيان، عن عمار الدهني، عن مسلم البطين، عن عن سعيد بن جبير، قال: " الكرسي موضع القدمين والعرش لا يقدر قدره إلا الله ". ابن عباس،
[ ص: 22 ] وقد والأبنية هي الخيام والفساطيط، وفيها استدارة، وذكر أنه جعل الأرض مهادا، وأنه بسطها وأخبر أنه جعل الجبال فيها أوتادا. أخبر الله تعالى في كتابه أنه جعل الأرض فراشا والسماء بناء،
وروى في كتاب السنة قال: [ ص: 23 ] أعطاني الخلال محمد بن عوف هذا الحديث وقال: اروه عني، فإنه بسماعي حدثنا أبو المغيرة، قال: ثنا أبو مهدي، قال: ثنا عن أبو الزاهرية، أبي شجرة، عن عبد الله بن عمرو، أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الأرض على ما هي، قال [ ص: 24 ] " الأرضون على الماء ". وروى في مسنده الإمام أحمد وهذا كله مما يبين أن الماء [ ص: 25 ] محيط بالأرض، وأن من شأنه العلو عليها. ولكن الله مهد الأرض وفرشها وبسطها في الماء، وأوتدها بالجبال الراسيات التي ترسيها أن تميد وتضطرب، فإن السفينة إذا كانت في البحر لا بد لها من شيء يثقلها ويسكنها، وإلا مادت واضطربت. وليس هذا موضع بسط ذلك وشرحه وما يرد عليه. أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ما من ليلة إلا والبحر يستأذن ربه، أن يغرق بني آدم فينهاه ربه، ولولا ذلك لأغرقهم "
وإنما الغرض أن ما ذكره هذا الرازي من استدارة الفلك لا ننازعه فيه، كما قد ينازعه فيه بعض الجهال، وكما ينقل هو، فإنه تارة يدخل مع المنجمين في الشرك وعبادة الكواكب، وتارة ينازعهم في الأمور المعلومة من الحساب، وكلاهما خروج عن الحق.
[ ص: 26 ]