الوجه السابع: أنه ذكر فقال: وهي أن الواحد منا لا يرى إلا ما يكون مقابلا للرائي أو لآلة الرائي، والله تعالى يستحيل أن يكون كذلك، فيستحيل أن يكون مرئيا لنا، واحترزنا بقولنا أو لآلة الرائي عن رؤية الإنسان وجهه في المرآة. أما المقدمة الأولى فهي من العلوم الضرورية الحاصلة بالتجربة. وأما المقدمة الثانية فمتفق عليها". الحجة الثانية لنفاة الرؤية وهي حجة المقابلة،
[ ص: 468 ] ثم قال: والجواب عما تمسكوا به ثانيا من وجوه ثلاثة:
الأول: ما بينا فيما مضى أن المقابلة ليست شرطا لرؤيتنا هذه الأشياء، وأبطلنا ما ذكروه من دعوى الضرورة والاستدلال في هذا المقام.
والثاني: سلمنا أن المقابلة شرط في صحة رؤيتنا لهذه الأشياء، فلم قلتم إنها تكون شرطا في صحة رؤية الله تعالى، فإن رؤية الله تعالى بتقدير ثبوتها مخالفة لرؤية هذه الأشياء، فلا يلزم من اشتراط نوع من جنس اشتراط نوع آخر من ذلك الجنس بذلك الشرط.
الثالث سلمنا أنه يستحيل كوننا رائين لله تعالى، ولكنه لا يدل على أنه لا يرى نفسه، وأنه في ذاته ليس بمرئي ".
فأحال على ما تقدم وهو لم يذكر هناك إلا مسلكين:
الأول: أنا نرى الجسم الكبير من البعد صغيرا، وذلك [ ص: 469 ] يقتضي أنا نرى بعضه دون بعض، ومن المعلوم بالضرورة أن الشرائط المذكورة كما أنها حاصلة بالنسبة إلى الأجزاء التي هي مرئية، فكذلك هي حاصلة بالنسبة إلى الأجزاء التي هي غير مرئية، ولما كان المرئي من الأشياء المجتمعة لهذه الشروط بعض الأجزاء دون بعض، علمنا أن حصول الرؤية عند اجتماع الشرائط غير واجب".
والمسلك الثاني: لو وجب حصول الإدراك عند حصول هذه الشروط لوجب رؤية الجوهر الفرد وذوات الهباء. لكن الثاني ظاهر الفساد، فالمقدم مثله، بيان الأول: أنا إذا رأينا جسما كبيرا فلا بد وأن نرى جزءا صغيرا، إذ لو لم نر جزءا صغيرا لم نر المجموع الذي هو مجموع تلك الأجزاء. ثم رؤية الجزء لا تتوقف على رؤية غيره لئلا يلزم الدور، فيجب أن تصح رؤيتنا للجوهر الفرد".