الوجه الخامس أنهم قد ألزموا المنازع مثلما ذكره، وقالوا: إذا كان حيا عالما قادرا ولم يعقل في الشاهد من يكون كذلك إلا جسما منقسما مركبا وقد أثبته المنازع حيا عالما قادرا ليس بجسم منقسم مركب، فكذلك يجوز أن يكون إذا كان عظيما وكبيرا وعليا، ولم يعقل في الشاهد عظيم وكبير وعلي إلا [ ص: 483 ] ما هو جسم مركب منقسم لم يجب أن يكون جسما مركبا منقسما إلا إذا كان وجب أن يكون كل حي عليم قدير جسما مركبا منقسما.
وكذلك يقولون لمن يقول إن حياته وعلمه وقدرته أعراض. وكذلك يقول هؤلاء لمن يسلم إثبات الصفات: فيقال إذا كان القائم بغيره من الحياة والعلم والقدرة وإن شارك سائر الصفات في هذه الخصائص ولم يكن عندك عرضا، فكذلك القائم بنفسه وإن شارك غيره من القائمين بأنفسهم فيما ذكرته لم يجب أن يكون جسما مركبا منقسما، ولا فرق بين البابين بحال؛ فإن المعلوم من القائم بنفسه أنه جسم، ومن القائم بغيره أنه عرض وأن القائم بنفسه لابد أن يتميز منه شيء عن شيء والقائم بغيره لابد أن يحتاج إلى محله، فإذا أثبت قائما بغيره يخالف ما علم من حال القائم بنفسه في ذلك فكذلك لزمه أن يثبت قائما بنفسه يخالف ما علم من حال القائمين بأنفسهم.
فإن كان كونه عظيما وكبيرا موجبا لأن يكون كغيره من العظماء الكبراء في وجوب الانقسام [ ص: 484 ] الممتنع عليه، فكذلك كونه حيا عالما قادرا وله حياة وعلم وقدرة. وجماع الأمر أنه سبحانه قائم بنفسه متميز عن غيره وله أسماء وهو موصوف بصفات،
وسنتكلم على قوله إن هذا ليس من باب قياس الشاهد على الغائب.