[ ص: 101 ] فصل
الرازي: "الثاني: قوله صلى الله عليه وسلم: ولا يشك كل عاقل أن المراد منه التمثيل والتصوير". "من أتاني يمشي أتيته هرولة". قال
يقال له: هذا الحديث لفظه في الصحيحين: عن عن النبي صلى الله عليه وسلم: أبي هريرة ولا ريب أن الله تعالى جعل تقربه من عبده جزاء لتقرب عبده إليه؛ لأن الثواب أبدا من جنس العمل، كما قال في أوله: "يقول الله تعالى: من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، ومن ذكرني في ملإ ذكرته في ملإ خير منهم، ومن تقرب إلي شبرا تقربت إليه ذراعا، ومن تقرب إلي ذراعا تقربت إليه باعا، ومن أتاني يمشي أتيته هرولة"، وكما قال صلى الله عليه وسلم: "من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، ومن ذكرني في ملإ ذكرته في ملإ خير منهم". وقال: "الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في [ ص: 102 ] الأرض يرحمكم من في السماء"، وقال تعالى: "لا يرحم الله من لا يرحم الناس". إن تنصروا الله ينصركم [محمد: 7]، وقال: إن تبدوا خيرا أو تخفوه أو تعفوا عن سوء فإن الله كان عفوا قديرا [النساء: 149]، وقال: وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم [النور: 22].
وإذا كان كذلك فظاهر الخطاب أن أحد التقديرين من جنس الآخر، وكلاهما مذكور بلفظ المساحة.
[ ص: 103 ] فيقال: لا يخلو إما أن يكون ظاهر اللفظ في وهو تقرب بالمساحة المذكورة [أو] لا يكون، فإن كان ذلك هو ظاهر ذلك اللفظ فإما أن يكون ممكنا أو لا يكون، فإن كان ممكنا فالآخر أيضا ممكن، ولا يكون في ذلك مخالفة للظاهر، وإن لم يكن ممكنا فمن أظهر الأشياء للإنسان علمه بنفسه وسعيه. فيكون قد ظهر للمخاطب معنى قربه بنفسه، وقد علم أن قرب ربه إليه من جنس ذلك، فيكون الآخر أيضا ظاهرا في الخطاب، فلا يكون ظاهر الخطاب هو المعنى الممتنع بل ظاهره هو المعنى الحق. تقرب العبد إلى ربه
ومن المعلوم أنه لكن قد يقال: عدم ظهور هذا هو للقرينة الحسية العقلية، وهو أن العبد يعلم أن تقربه ليس على هذا الوجه، وذلك لا يمنع أن يكون ظاهر اللفظ متروكا. ليس ظاهر الخطاب أن العبد يتقرب إلى الله بحركة بدنه شبرا وذراعا ومشيا وهرولة،
يقال: هذه القرينة الحسية الظاهرة لكل أحد هي أبلغ من القرينة اللفظية [فيكون] بمعنى الخطاب ما ظهر بها [ ص: 104 ] لا ما ظهر بدونها. فقد تنازع الناس في مثل هذه القرينة المقترنة باللفظ العام، هل هي من باب التخصيصات المتصلة؟ أو المنفصلة؟ وعلى التقديرين فالمتكلم الذي ظهر معناه بها لم يضل المخاطب ولم يلبس عليه المعنى بل هو مخاطب له بأحسن البيان.
ثم يقال: الحجة لمن جعل ذلك مخصصا متصلا [لا] من منع ذلك أن يكون ذلك تخصيصا.