الفلاسفة، وأعظمهم قدرا هم الإلهيون المشاؤون، وهم أعظم الناس تصريحا بذلك، وكذلك الطبائعيون حتى فيقال لهم: أنتم معترفون بالاختيار كما تقدم التصريح عنكم: بأن هذه الحكم ضرورة من قبل فاعل قاصد لذلك مريد له، وهذا موجود في عامة كتب محمد بن زكريا الرازي، وأمثاله.
[ ص: 24 ] ثم يقال: ثبوت القصد والاختيار كثبوت الواجب القديم كما تقدم بيانه، فقد كما ثبت كذلك وجود الموجود القديم الواجب بنفسه، وحينئذ فالقدح في ثبوت الفاعل المختار: كالقدح في ثبوت [ ص: 25 ] الموجود القديم الواجب بنفسه، وهذا إنما يمكن بإنكار وجود هذه الموجودات المحسوسة، وهذا في غاية البيان والإحكام والإتقان. ويقال لهم حينئذ: فهذا القصد والإرادة يستلزم ما ذكرتموه سواء بسواء، فما كان جوابكم عن ذلك فهو جواب لمن قال بحدوث العالم سواء. ثبت بالعلوم الضرورية وبالمقاييس البرهانية وبالاتفاق وجود الفاعل القاصد لهذه الحكم المريد لها،
وأما في "مسألة السبب الحادث" إذا ثبت أنه فاعل بالقصد والإرادة وأن له عناية بالمفعولات لزمكم كل ما ألزمتموه لغيركم، فإن قال في إلزامه للمتكلمين: (وأيضا فإن ابن رشد الحفيد لم يكن قبل ذلك الوقت؛ لأنه إن لم يكن في المريد في وقت الفعل حالة زائدة على ما كانت عليه في الوقت الذي اقتضت الإرادة [ ص: 26 ] عدم الفعل لم يكن وجود ذلك الفعل في ذلك الوقت أولى من عدمه فيما تقدم ). الإرادة التي تتقدم المراد وتتعلق به بوقت مخصوص لا بد أن يحدث فيها في وقت إيجاد المراد عزم على الإيجاد
فيقال لهم: فحينئذ يجب أن يتجدد له عزم في وقت حدوث هذه الحوادث وحكمها، وحينئذ فالقول في حدوث ذلك العزم كالقول فيما طلبتموه من السبب الحادث للعالم.