وإنما المقصود هنا: أن الفلاسفة يصرحون بذلك، وهم من أكثر الناس نظرا في حكم الموجودات، وقد اعترفوا بما تقدم من أن هذه الموافقة تعلم ضرورة أنها من قبل فاعل قاصد لذلك مريد، إذ ليس يمكن أن تكون هذه الموافقة بالاتفاق، فعلم أن نفيهم بعد ذلك كونه فاعلا مختارا تناقض منهم.
وأيضا فلو لم يتناقضوا لكانت هذه الدلالة مع دلالة الاختصاص، كلاهما يدل على الإرادة، والاختصاص يدل على إرادة في نفس المفعول، وهذا يدل على الإرادة للمفعول ولحكمته. فهذه ثلاث طرق.
وقد اعتذر ونحوه من المتفلسفة عن هذا فقال في «الإشارات» بعد أن ذكر حججه على نفي الفعل بالقصد والاختيار: ( «إشارة» لا تجد إن طلبت مخلصا إلا أن تقول: إن تمثل النظام الكلي في العلم السابق، مع وقته الواجب اللائق، يفيض منه ذلك النظام على ترتيبه وتفاصيله معقولا فيضانه، وهذا [ ص: 510 ] هو العناية، وهذه جملة تهتدي سبيل تفاصيلها). ابن سينا