فصل
فعلم أن إنكار الفطرة لذلك ورد التخيل والوهم له، لما فيه من الأمور العدمية، كالتناقض الذي فيه; لا لعظمته في الوجود. والذي يوضح هذا أن كثيرا من الخطباء والقصاص إذا أخذوا يصفون الرب ويعظمونه بهذه الصفات السلبية أخذت العامة -الذين لا يفهمون حقيقة ما يقولون وإنما يستشعرون من حيث الجملة أن هذا تعظيم للرب- يسبحونه ويمجدونه، فلولا أنهم تخيلوا وتوهموا أن هذا السلب متضمن لوجود عظيم كبير، وإلا لم يكونوا كذلك، فعلم أنهم لم ينكروه لما فيه من الأمور الوجودية; بل هم يتخيلون الموجود العظيم في الجملة; ولكن إذا فهموا حقيقة هذه الألفاظ، وما تشتمل عليه من الأمور العدمية، أنكروه حينئذ وردته فطرتهم; وذلك لأن السلب والعدم ليس فيه مدح أصلا ولا تعظيم، فعلم أنه لا تعظيم فيها عند من توهمها. [ ص: 366 ] ولهذا لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة، والتابعون يعظمون الرب بشيء من ذلك، ولا يوجد في كتاب الله ولا في سنة رسوله ولا في آثار الأنبياء وسلف الأمة وأئمتها شيء من ذلك، بل أعظم ما نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم في تعظيم الرب وتمجيده يوم قرأ على المنبر: التخيل والوهم الصحيح، لا يتصور الموجود معدوما. وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه [الزمر: 67] كما روى ذلك أبو هريرة، والحديث في الصحيحين، والآية [ ص: 367 ] دلت على عظم قدر الرب، الذي يقبض الأرض ويطوي السموات، وهذا وصف لأمور وجودية تقتضي عظمة القدر; بخلاف السلوب المحضة، ففي حديث ابن عمر، الذي في الصحيح قال: وعبد الله بن عمر، ومن حديث «سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يأخذ الجبار سمواته وأرضه بيديه، وقبض كفيه أو قال يديه، فجعل يقبضهما ويبسطهما، ثم يقول: أنا الملك، أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟ ويميل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن يمينه وشماله حتى نظرت إلى المنبر من أسفل شيء حتى إني لأقول: أساقط هو برسول الله صلى الله عليه وسلم» عمر بن حمزة قال: قال سالم: أخبرني قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عبد الله بن [ ص: 368 ] عمر وفي الصحيحين عن «يطوي الله السموات يوم القيامة، ثم يأخذهن بيده اليمنى، ثم يقول أنا الملك، أين الجبارون، أين المتكبرون؟ ثم يطوي الأرضين ثم يأخذهن» سعيد بن المسيب عن وأبي سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أبي هريرة وروى [ ص: 369 ] أبو الشيخ وغيره، عن «يقبض الله الأرض يوم القيامة ويطوي السموات بيمينه ثم يقول: أنا الملك، أين ملوك الأرض؟ قال: «ما السموات السبع والأرضون السبع، وما فيهن وما بينهن في يد الرحمن إلا كخردلة في يد أحدكم». وفي لفظ «إنها لتغيب في يده حتى لا يرى طرفاها». ابن عباس