الثالث: أن اليد إذا عبر بها عن النعمة كان معها من القرائن ما يبين ذلك، كسائر ألفاظ المجاز، كما أنه إذا قال: «أياديك علينا كثيرة» مع كون هذا في سياق المدح وأن ليس في كون ذات يده فوقه شيء من المدح، وأنه ليس له أياد كثيرة، وغير ذلك مما يبين أن المخاطبين قصدوا أن نعمتك وإحسانك قد استولى علينا واستعلى علينا؛ ولهذا كان هذا المعنى ظاهرا في مثل هذا الخطاب، وإن سمي مجازا، فأين هذا من قوله: «فوضع يده بين كتفي حتى وجدت برد أنامله بين ثديي؟!».
الرابع: أنه لو قيل: «فأسبغ علي أياديه» ونحو ذلك لكان لقوله وجه، أما: فهل هذا يحتمل أن يكون المراد مجرد إنعامه؟! «حتى وجدت برد أنامله بين كتفي»
الخامس: أن النعمة التي أنعم بها عليه إما أن تكون جوهرا [ ص: 377 ] قائما بنفسه أو عرضا، أما الجوهر فوضعه على كتفيه تثقيل له، والله قد أنعم عليه بوضع الوزر عنه، فكيف يضع عليه ما يثقله؟!
وإن كان عرضا فلا بد أن يكسب ذلك المحل صفة؛ لأن العرض إذا قام بمحل عاد حكمه إليه، فيقتضي اتصاف كتفيه [بوصف] لا يوجد لبقية الأعضاء.
هذا إن قيل: إن الموضوع على جسمه الذي بين كتفيه، فإن قيل: إنه بينهما فوق، فيقال: أي شيء من النعم قام بالهواء الذي فوق ظهره فكان بعده عنه أعظم من بعد المتصل به، وحمل اللفظ على مثل هذا المعنى من التلاعب بكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم.
السادس: أي شيء هذا الذي هو من الجواهر [ ص: 378 ] والأعراض المخلوقة إذا وضع بين كتفيه ملاصقا أو غير ملاصق كان من نعم الله العظيمة.
السابع: أن لفظ «وضع يده» لا يعرف استعمالها في مجرد النعمة مفردا، فكيف مع هذا التركيب؟