ولا ذموا أحدا ولا مدحوه بهذا الاسم، ولا ذموا مذهبا ولا مدحوه بهذا الاسم، وإنما المتواتر عنهم ذم الجهمية الذين ينفون هذه الصفات، وذم طوائف منهم كالمشبهة، وبينوا مرادهم بالمشبهة. فلفظ «الجسم» لم يتكلم به أحد من الأئمة والسلف في حق الله لا نفيا ولا إثباتا،
وأما من الحنبلية ونحوهم في الإثبات، كما لا أعلم أن أحدا منهم، أطلق عليه لفظ الجسم في الإثبات، وإن كان أهل الإثبات لهذه الصفات، منهم ومن غيرهم، يثبت المعاني التي يسميها منازعوهم تجسيما، وتجزئة [ ص: 273 ] وتبعيضا، وتركيبا وتأليفا، ويذكرون عنهم أنهم مجسمة بهذا الاعتبار، لإثباتهم الصفات التي هي أجسام في اصطلاح المنازع. لفظ «الجزء» فما علمت أنه روي عن أحد من السلف نفيا ولا إثباتا، ولا أنه أطلقه على الله أحد،
وأما ثم منهم من يتأولها إما إيجابا لتأويلها، وإما تجويزا لتأويلها، كما يفعل ذلك متأولو النفاة من مستأخري الأشعرية ونحوهم. ومن ينفي مدلولها ويفوض معناه، كما يفعل ذلك طوائف من هؤلاء وغيرهم، ويسمون ذلك طريقة السلف، كما فعل ذلك المؤسس وغيره. وفيهم وفي غيرهم طوائف لا تحكم فيها بنفي ولا إثبات; بل تطلق ألفاظ النصوص الواردة بها، وتقف عن إثبات هذه المعاني ونفيها: إما شكا وإما إعراضا عن الفكر في ذلك. وقد بينا مقالات الناس منهم ومن غيرهم في غير هذا الموضع. لفظ «البعض» فقد روي فيه أثر يطلقه بعض الحنبلية، وينكره بعضهم. ومع هذا ففي الحنبلية طوائف، تنكر ثبوت هذه الصفات الخبرية في الباطن، كما ينكرها غيرهم.
والمقصود بهذا الكتاب الكلام على ما ذكره من حجج [ ص: 274 ] فريقي النفاة والمثبتة. الذي لا جوف له، ولفظ بعضهم: لا يخرج منه شيء كما روى وقد رووا بالأسانيد الثابتة عن الصحابة والتابعين في الصمد: ابن أبي عاصم، عن والطبراني عكرمة من وجوه أنه قال: الصمد الذي لا جوف له، ومن رواية عن [ ص: 275 ] ابن أبي شيبة، غندر، عن عن شعبة، عطاء، عن ميسرة قال: المصمت، وقال هو المصمت الذي لا جوف [ ص: 276 ] له، مجاهد: وعكرمة قال: الذي لا يخرج منه شيء، ورواه أيضا من حديث الطبراني عن عبد الله بن إدريس وروى شعبة، قال حدثنا الطبراني حدثنا زكريا، القاضي، حدثنا أحمد بن إسحاق الأهوازي، [ ص: 277 ] حدثنا أحمد الدينوري، حدثنا الحكم بن ظهير، عن عن معمر، قال: الصمد الذي لم يخرج منه شيء، ولم يخرج من شيء، الذي لم يلد ولم يولد، وذكر عن أبي بن كعب عطاء. وعن الحسن وقتادة قالا: الباقي بعد فناء [ ص: 278 ] خلقه، وفي رواية أنه قال الحسن: الدائم. مع أن الحسن قال أيضا، كما قال عكرمة ومجاهد، وسعيد بن جبير وعطية، والضحاك وغير هؤلاء. ورووه ليس [ ص: 279 ] بأجوف، وقال والسدي، هو الذي لا يأكل الطعام ولا يشرب الشراب، وقال الشعبي: أبو صالح: الذي ليس له أمعاء، وروى [ ص: 280 ] عن الطبراني قال: الصمد الذي ليس له أحشاء، وعنه أيضا: أنه السيد الذي انتهى سؤدده، وهذا قول ابن مسعود وهو من تفسير أبي وائل، الوالبي عن وقد بسطنا هذا [ ص: 281 ] في غير هذا الموضع. ابن عباس.
وهذه الصفة تستلزم امتناع التفرق عليه، وأن يخرج منه شيء; إذ ذلك ينافي الصمدية، وهو مما احتج به في أنه جسم مصمت، وقد ذكره المؤسس في حجج منازعيه وأجاب عنه، وسيأتي الكلام على ذلك إن شاء الله. وقد قال أبو القاسم لما روى عبارات الصمد قال: «وهذه الصفات كلها، صفات ربنا جل جلاله، ليس يخالف شيء منها -يعني في- هو المصمت، الذي لا جوف له، وهو الذي لا يأكل الطعام، وهو الباقي بعد فناء خلقه».