وفي الصحيحين عن عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: عبد الله بن مسعود، وما أحد أحب إليه المدح من الله؛ ولذلك [ ص: 409 ] مدح نفسه» «ما أحد أغير من الله تعالى من أجل ذلك حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن، وفي رواية لمسلم: «وليس أحد أحب إليه المعذرة من الله؛ ولذلك أنزل الكتاب، وأرسل الرسل».
وفي الصحيحين: عن قال: قال المغيرة بن شعبة سعد بن عبادة: فوالله لأنا أغير منه، والله أغير مني؛ ومن أجل غيرة الله حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن، ولا أحد أحب إليه العذر من الله؛ من أجل ذلك بعث المنذرين والمبشرين، ولا أحد أحب إليه العذر من الله؛ من أجل ذلك وعدنا بالجنة». أتعجبون من غيرة سعد؟! «لو رأيت رجلا مع امرأتي لضربته بالسيف غير مصفح عنه، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:
[ ص: 410 ] وفي الصحيح عن أسماء أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: وفي الصحيح عن «لا شيء أغير من الله عز وجل» أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: عائشة محمد ما أحد أغير من الله أن يزني عبده أو تزني أمته» فلم يصفه صلى الله عليه وسلم بمطلق الغيرة بل بين أنه لا أحد أغير منه، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أغير من المؤمنين. «يا أمة
وقد قدمنا غير مرة أن الله لا يساوى في شيء من صفاته وأسمائه، بل ما كان من صفات الكمال فهو أكمل فيه، وما كان من سلب النقائص فهو أنزه منه؛ إذ له المثل الأعلى سبحانه وتعالى، فوصفه بأنه أغير من العباد وأنه لا أغير منه [ ص: 411 ] كوصفه بأنه أرحم الراحمين وأنه أرحم بعبده من الوالدة بولدها.
وكذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم لأبي مسعود: وكذلك العلم كقوله تعالى: «والله لله عليك أقدر منك على هذا» هو أعلم بكم إذ أنشأكم من الأرض وإذ أنتم أجنة في بطون أمهاتكم [النجم: 32] وكذلك الكلام، كقوله تعالى: ومن أصدق من الله [ ص: 412 ] حديثا [النساء: 87] الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها [الزمر: 23] وقول النبي صلى الله عليه وسلم: «أصدق الكلام كلام الله» ووصفه في حديث ابن مسعود والمغيرة بأنه وكذلك قوله: «لا أحد أحب إليه المدح من الله» فإن الغيرة هي من باب البغض والغضب، وبإزاء ذلك المحبة والرضا، فأخبر بغاية كماله في الطرفين؛ حيث وصفه بأنه لا يبغض أحد المحارم كبغضه ولا يحب أحد الممادح كحبه، والممادح لا تكون إلا على ما هو حسن يستحق صاحبه الحمد، وهو ضد القبيح الذي يغار منه. «لا أحد أحب إليه العذر من الله»
[ ص: 413 ] وكذلك جاء حمده والثناء عليه الذي لا يحبه أحد كحبه إياه في الصلوات، التي هي أفضل الأعمال، وكان ما يغار منه هو ما حرمه، كالفواحش، فهذا محبته للمأمورات وهذا بغضه للمحذورات، وأحدهما ينافي الآخر، كما قال تعالى: إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر [العنكبوت: 45] وقال في ذم من بدل هذا فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات [مريم: 59] والعذر أن يعذر المعذور فلا يذم ولا يلام على ما فعل، قال: فأحب أن يكون معذورا على عقوبة من عصاه؛ لأنه أقام حجته عليهم بإنزال الكتب وإرسال الرسل، كما أحب أن يكون محمودا ممدوحا على ما أحسن به وأولاه من وعده إياهم بالجنة، وكما حمد نفسه، فالأول عدله وهذا فضله، فهذان متعلقان بأفعاله كلها ذكرا في مقابلة ما يبغضه ويغار منه، فانتظم الحديث في الطرفين كليهما. «من أجل ذلك بعث المبشرين والمنذرين»