[ ص: 93 ] فصل
الرازي: [التاسع] "قال تعالى لموسى وهارون: إنني معكما أسمع وأرى [طه: 46]، وهذه المعية ليست إلا بالعلم والحفظ والرحمة، فهذه وأمثالها من الأمور التي لا بد لكل عاقل من الاعتراف بحملها على التأويل". قال
يقال له: أما لفظ المعية فقد تقدم الكلام عليه، وأما قوله: "إن هذه الأمور لا بد لكل عاقل من الاعتراف بحملها على التأويل" فالكلام عليه من وجوه:
أحدها: أنه ادعى أن جميع فرق الإسلام مقرون بالتأويل في بعض ظواهر القرآن والأخبار، وهنا ادعى وجوب الاعتراف بالتأويل، فأين ذكر إقرارهم بالتأويل من ذكر وجوب إقرارهم [ ص: 94 ] بالتأويل؟! فإن غايته تبين وجوب دخولهم في التأويل، وهذا القدر قد ادعاه [هذا] المدعي في هذا الكتاب، فليس في هذه المقدمة فائدة إلا إذا كان الخصم موافقا على ما ذكر من التأويل، وإلا فهو في الموضعين ملزم له بالتأويل، فيكون غايته أن يقيس موضع النزاع على مورد النزاع لقيام الحجة في الموضعين.
الثاني: أنا قد بينا أنه ليس في هذه المواضع موضع إلا ومن الناس من ينكر التأويل فيه فبطل ما ادعاه.
الثالث: أنه قد تبين بما تقدم أنه ليس فيها موضع واحد يجب فيه التأويل ولم يذكر على عامة ذلك حجة.
الرابع: أنه قد تبين [بما] تقدم من الوجوه الكثيرة أن هذه الآيات جميعها ليس فيها ما يجوز تأويله فضلا عن وجوب تأويله.
الخامس: أنه ادعى أنه لا بد من التأويل في بعض ظواهر [ ص: 95 ] القرآن، والأخبار، بمعنى مخالفة ذلك الظاهر، وقد تبين أن عامة هذه النصوص لا يظهر منها معنى باطل، بل لا يظهر منها إلا ما هو حق سواء كان الظهور باللفظ المفرد أو بالتركيب.