يذكر أن وأبو الحسن الأشعري المعتزلة مع الفلاسفة كذلك، كما ذكره في كتاب "المقالات" فقال: (الحمد لله الذي بصرنا خطأ المخطئين، وعمى العمين، وحيرة الحائرين، الذين نفوا صفات رب العالمين، وقالوا: إن الله جل ثناؤه وتقدست أسماؤه لا صفات له، وأنه لا علم له، ولا قدرة ولا حياة له، ولا سمع له، ولا بصر له، ولا عزة [ ص: 164 ] له، ولا جلال له، ولا عظمة له، ولا كبرياء له، وكذلك قالوا في سائر صفات الله تعالى التي وصف بها نفسه ) قال: (وهذا قول أخذوه عن إخوانهم من المتفلسفة الذين يزعمون وعبروا عنه بأن قالوا: عين لم تزل. ولم يزيدوا على ذلك، غير أن هؤلاء الذين وصفنا قولهم من أن للعالم صانعا لم يزل ليس بعالم ولا قادر ولا حي ولا سميع ولا بصير ولا قديم، المعتزلة في الصفات لم يستطيعوا أن يظهروا من ذلك ما كانت الفلاسفة تظهره، فأظهروا معناه بنفيهم أن يكون للباري علم وقدرة وحياة وسمع وبصر، ولولا الخوف لأظهروا ما كانت الفلاسفة تظهره من ذلك، ولأفصحوا به، غير أن خوف السيف يمنعهم من إظهار ذلك، وقد أفصح بذلك رجل يعرف بابن الأيادي كان ينتحل قولهم؛ فزعم أن الباري تعالى عالم [ ص: 165 ] قادر سميع بصير في المجاز لا في الحقيقة. ومنهم رجل يعرف بعباد بن سليمان يزعم أن الباري ليس بعالم قادر سميع بصير حكيم جليل في حقيقة القياس )، وكذلك ذكر في "الإبانة".
وأما الفرقة الرابعة وهي "الباطنية" فلم يذكر لهم مقالة [ ص: 166 ] تعقبها برد، وذلك لأنه منهم؛ فإنه يرى أن وأن فرض الجمهور اعتقاد ظاهره، ومن تأوله فقد كفر؛ وفرض الذين سماهم أهل البرهان اعتقاد باطنه ووجوب تأويله، ومن لم يتأوله فقد كفر لكن قد ذكر عن ظواهر الشريعة في وصف الله تعالى واليوم الآخر له باطن يخالف ظاهره، الصوفية أنهم يزعمون عند تجردها من العوارض الشهوانية، ولم يرض هذه الطريقة؛ بل ذكر أن إماتة الشهوات شرط في صحة النظر؛ لا أنها تفيد المعرفة بذاتها، وقد ذكر قبل هذا عن طائفة من [ ص: 167 ] أن المعرفة بالله وبغيره من الموجودات شيء يلقى في النفس الصوفية أنهم يرون في المعاد رأي الفلاسفة المشائين، فيكون الصوفية معدودين عنده من الباطنية، وإن كان اسم الباطنية لا يتناولهم عنده، ويتناول الفلاسفة المشائين.