ثم ولا بأن مادة السموات والأرض ليستا مبتدعتين، وذلك أن الله سبحانه وتعالى أخبر في كتابه بابتداء الخلق الذي يعيده، كما قال: لو دل على وجود موجود على قول من يفسر (العماء) بالسحاب الرقيق لم يكن في ذلك دليل على قول الدهرية، بقدم ما ادعوا قدمه، وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده [الروم: 27] وأخبر بخلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام في غير موضع، وجاءت بذلك الأحاديث الكثيرة، وأخبر أيضا أنه يغير هذه المخلوقات في مثل قوله: يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات [إبراهيم: 48] وقوله تعالى: وتتلقاهم الملائكة هذا يومكم الذي كنتم توعدون يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا إنا كنا فاعلين [الأنبياء: 103-104] ومن المعلوم أنه لم يتعقب الإعادة عدمه، كما لم يتقدم ابتداء خلق السموات والأرض العدم المطلق، وفي قوله تعالى: إذا السماء انشقت وأذنت لربها وحقت [ ص: 465 ] [الانشقاق: 1-2] وقوله: إذا السماء انفطرت [الانفطار: 1] وقوله إن عذاب ربك لواقع ما له من دافع [الطور: 7-8] وقوله: يوم تمور السماء مورا وتسير الجبال سيرا [الطور: 9-10] وقال: فإذا انشقت السماء فكانت وردة كالدهان [الرحمن: 37] وقال تعالى: يوم تكون السماء كالمهل وتكون الجبال كالعهن [المعارج: 8-9] وقال تعالى: ويوم تشقق السماء بالغمام ونزل الملائكة تنزيلا الملك يومئذ الحق للرحمن وكان يوما على الكافرين عسيرا [الفرقان: 25-26] وقال تعالى: فإذا نفخ في الصور نفخة واحدة وحملت الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة فيومئذ وقعت الواقعة وانشقت السماء فهي يومئذ واهية والملك على أرجائها ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية [الحاقة: 13-18] فأخبر في هذه الآيات، أن الخلق الذي ابتدأه وخلقه في ستة أيام يعيده ويقيم القيامة، وقد أخبر أنه خلقه من مادة وفي مدة، وأنه إذا أعاده لم يعدمه، بل يحيله إلى مادة أخرى، وفي مدة.
وأما ولا فيما يشقه ويفطره، بل الأحاديث المشهورة دلت على ما دل عليه القرآن من بقاء العرش، وقد ثبت في الصحيح أن جنة عدن، سقفها عرش الرحمن، قال صلى الله عليه وسلم: «العرش» فلم يكن داخلا فيما خلقه في الأيام الستة، إذا سألتم الله الجنة فاسألوه الفردوس فإنه أعلى الجنة، وأوسط الجنة وسقفها عرش الرحمن . وقال تعالى لما أخبر بالقيامة: [ ص: 466 ] وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه [الزمر: 67] وفي الصحيحين عن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبي هريرة، وفي الصحيحين أيضا عن «يقبض الله الأرض يوم القيامة، ويطوي السموات بيمينه، ثم يقول أنا الملك، أين ملوك الأرض؟» واللفظ ابن عمر، قال: لمسلم وفي الصحيحين أيضا عن قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يطوي الله السموات يوم القيامة، ثم يأخذهن بيده اليمنى، ثم يقول: أنا الملك أين الجبارون أين المتكبرون؟» قال: عبد الله بن مسعود محمد -أو يا أبا القاسم- إن الله يمسك السموات يوم القيامة على أصبع والأرضين على أصبع، والجبال والشجر على أصبع، والماء والثرى على أصبع، وسائر الخلق على أصبع، ثم يهزهن، ويقول: أنا الملك أنا [ ص: 467 ] الملك، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم تعجبا مما قال، وتصديقا له، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون [الزمر: 67] وفي الصحيحين أيضا عن «جاء حبر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رضي الله عنه، قال: أبي سعيد الخدري وفي [ ص: 468 ] الصحيحين عن قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تكون الأرض يوم القيامة خبزة واحدة يتكفأها الجبار بيده، كما يكفأ أحدكم خبزته في السفر، نزلا لأهل الجنة، قال: فأتى رجل من اليهود فقال: بارك الرحمن عليك يا أبا القاسم، ألا أخبرك بنزل أهل الجنة يوم القيامة. قال: بلى، قال تكون الأرض خبزة واحدة، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلينا ثم ضحك حتى بدت نواجذه فقال: ألا أخبرك بإدامهم. قال: بلى، قال: إدامهم بالام ونون، قالوا ما هذا؟ قال: ثور، ونون، يأكل من زائدة كبدهما سبعون ألفا» قال: سهل بن سعد وفي الصحيحين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يحشر الناس يوم القيامة، على أرض بيضاء عفراء، كقرصة النقي، ليس بها علم لأحد»، قالت: «سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله تعالى: عائشة يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات [إبراهيم: 48] فأين يكون الناس يومئذ يا رسول الله؟ فقال: على الصراط». [ ص: 469 ] عن
ثم إنه سبحانه وتعالى لما أخبر بقبضه الأرض، وطيه للسموات بيمينه، ذكر نفخ الصور، وصعق من في السموات والأرض إلا من شاء الله، ثم ذكر النفخة الثانية، التي يقومون بها، وذكر أنه تشرق الأرض بنور ربها، وأنه يوضع الكتاب، ويجاء بالنبيين والشهداء، وأنه توفى كل نفس ما عملت، وذكر سوق الكفار إلى النار، وذكر سوق المؤمنين إلى الجنة، إلى قوله تعالى: وقالوا الحمد لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض نتبوأ من الجنة حيث نشاء فنعم أجر العاملين وترى الملائكة حافين من حول العرش يسبحون بحمد ربهم وقضي بينهم بالحق وقيل الحمد لله رب العالمين [الزمر: 74-75]
ولم يكن العرش داخلا فيما يقبض ويطوى ويبدل ويغير، كما قال في الآية: وحملت الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة فيومئذ وقعت الواقعة وانشقت السماء فهي يومئذ واهية والملك على أرجائها ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية [الحاقة: 14-17].