الوجه السادس عشر: قوله: فلا جرم صار [ ص: 560 ] الكرامية على خلاف بدهية العقل، يقال: هذا العقل الذي هذا على خلاف بديهته إما أن يكون حكمه وشهادته في الربوبية مقبولا أو مردودا، فإن لم يكن مقبولا لم يضر هؤلاء ولا غيرهم مخالفته، فإنه بمنزلة الشاهد الفاسق الذي قال الله تعالى فيه: قول إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا [الحجرات 6]، وإن كان حكمه وشهادته مقبولا كان هذا المنازع وموافقوه أعظم مخالفة له من هؤلاء كما قد تقدم بيان ذلك، وإذا كان مخالفة قولهم لبديهة العقل أعظم من قول هؤلاء لم يجب على هؤلاء أن يرجعوا عن القول الذي هو أقل مخالفة لبديهة العقل بل يكون الواجب على هذا التقدير على الطائفتين الاعتراف بما في بديهة العقل، فيعترفون جميعا بأنه فوق [ ص: 561 ] العالم، ويمتنع أن يكون لا داخله ولا خارجه، وحينئذ يكون مشارا إليه بحسب الحس وحينئذ يكون فيه ما سماه تأليفا وانقساما، وإن لم يكن هو المعروف من التأليف والانقسام، فإن المعروف من ذلك يجب تنزيه الله تعالى عنه كما نزه عنه نفسه في سورة الإخلاص، كما تقدم التنبيه عليه بقوله تعالى: الله الصمد فإن الصمد فيه من معنى الاجتماع والقوة والسؤدد ما ينافي الانقسام والافتراق .