الوجه الأربعون: وهو أن يقال له: لا نسلم أن ذلك مما لا يقبله الوهم والخيال، والدليل على ذلك أن القرآن والحديث سمعه الصحابة والتابعون وتابعوهم من القرون الثلاثة وفي غيرها من الأعصار في جميع أمصار المسلمين، وهو يتلى ليلا ونهارا، والمؤمن يسلم أن ظاهر ذلك هي هذه الصفات، ومن المعلوم أن
[ ص: 355 ] أحدا من السلف والأئمة لم يتقدموا إلى من يسمع القرآن والحديث بأن يصرف قلبه وفكره عن تدبر ذلك وفهمه وتصوره، ولا أمره أن يعتقد أن هذا المعنى منه ليس بمراد، وإنما المراد بعض المعاني التي يعنيها المتأولون، أو المراد معنى آخر لا يعرف جملة ولا تفصيلا، ولا يميز بينه وبين غيره، ولا يقال اكتفوا في ذلك بسماع قوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=11ليس كمثله شيء [الشورى: 11] وقوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=65هل تعلم له سميا [مريم: 65] وقوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=112&ayano=4ولم يكن له كفوا أحد [الإخلاص: 4] لأنه يقال: الذي دلت عليه هذه النصوص، هو الذي حكى عن أهل الإثبات التصريح بأن
nindex.php?page=treesubj&link=33677الثابت لله هو على خلاف ما يثبت للمخلوق; فإن هذه المخالفة هي عدم المماثلة، والنصوص تدل على ذلك، فإذا كان ما دل عليه النصوص هو الذي حكاه عن أهل الإثبات، فلو كان ذلك مردودا أو غير ممكن القبول في التوهم والتخيل -مع أن ذلك غالب أو لازم لبني آدم- لوجب أن يظهر إنكار ذلك ودفعه من عموم الخلق.
الْوَجْهُ الْأَرْبَعُونَ: وَهُوَ أَنْ يُقَالَ لَهُ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَقْبَلُهُ الْوَهْمُ وَالْخَيَالُ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ الْقُرْآنَ وَالْحَدِيثَ سَمِعَهُ الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ وَتَابَعُوهُمْ مِنَ الْقُرُونِ الثَّلَاثَةِ وَفِي غَيْرِهَا مِنَ الْأَعْصَارِ فِي جَمِيعِ أَمْصَارِ الْمُسْلِمِينَ، وَهُوَ يُتْلَى لَيْلًا وَنَهَارًا، وَالْمُؤْمِنُ يُسَلِّمُ أَنَّ ظَاهِرَ ذَلِكَ هِيَ هَذِهِ الصِّفَاتُ، وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ
[ ص: 355 ] أَحَدًا مِنَ السَّلَفِ وَالْأَئِمَّةِ لَمْ يَتَقَدَّمُوا إِلَى مَنْ يَسْمَعُ الْقُرْآنَ وَالْحَدِيثَ بِأَنْ يَصْرِفَ قَلْبَهُ وَفِكْرَهُ عَنْ تَدَبُّرِ ذَلِكَ وَفَهْمِهِ وَتَصَوُّرِهِ، وَلَا أَمَرَهُ أَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّ هَذَا الْمَعْنَى مِنْهُ لَيْسَ بِمُرَادٍ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ بَعْضُ الْمَعَانِي الَّتِي يَعْنِيهَا الْمُتَأَوِّلُونَ، أَوِ الْمُرَادُ مَعْنًى آخَرُ لَا يُعْرَفُ جُمْلَةً وَلَا تَفْصِيلًا، وَلَا يُمَيَّزُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ، وَلَا يُقَالُ اكْتَفَوْا فِي ذَلِكَ بِسَمَاعِ قَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=11لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [الشُّورَى: 11] وَقَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=65هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا [مَرْيَمُ: 65] وَقَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=112&ayano=4وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ [الْإِخْلَاصُ: 4] لِأَنَّهُ يُقَالُ: الَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ هَذِهِ النُّصُوصُ، هُوَ الَّذِي حَكَى عَنْ أَهْلِ الْإِثْبَاتِ التَّصْرِيحَ بِأَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=33677الثَّابِتَ لِلَّهِ هُوَ عَلَى خِلَافِ مَا يَثْبُتُ لِلْمَخْلُوقِ; فَإِنَّ هَذِهِ الْمُخَالَفَةَ هِيَ عَدَمُ الْمُمَاثَلَةِ، وَالنُّصُوصُ تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ، فَإِذَا كَانَ مَا دَلَّ عَلَيْهِ النُّصُوصُ هُوَ الَّذِي حَكَاهُ عَنْ أَهْلِ الْإِثْبَاتِ، فَلَوْ كَانَ ذَلِكَ مَرْدُودًا أَوْ غَيْرَ مُمْكِنِ الْقَبُولِ فِي التَّوَهُّمِ وَالتَّخَيُّلِ -مَعَ أَنَّ ذَلِكَ غَالِبٌ أَوْ لَازِمٌ لِبَنِي آدَمَ- لَوَجَبَ أَنْ يَظْهَرَ إِنْكَارُ ذَلِكَ وَدَفْعُهُ مِنْ عُمُومِ الْخَلْقِ.