وكذلك قال «باب: ذكر البيان من خبر النبي صلى الله عليه وسلم في إثبات النفس لله عز وجل على مثل موافقة التنزيل» وذكر قوله: أبو بكر بن خزيمة: وقوله: «فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي» وقوله: «سبحان الله رضا نفسه» وفي رواية أخرى: «كتب في كتابه [ ص: 451 ] على نفسه فهو موضوع عنده: إن رحمتي تغلب غضبي» «لما خلق الله الخلق كتب بيده على نفسه: إن رحمتي تغلب غضبي».
قال أبو بكر: كما أثبت في كتابه» قال: «وكفرت «فالله أثبت في كتابه أن له نفسا، وكذلك قد بين على لسان نبيه أن له نفسا، الجهمية بهذه الآي وهذه السنن، وزعم بعض جهلتهم أن الله إنما أضاف النفس إليه على معنى إضافة الخلق إليه، وزعم أن نفسه غيره كما خلقه غيره» قال: «وهذا لا يتوهمه ذو لب وعلم فضلا عن أن يتكلم به».
قد أعلم الله في مجمل تنزيله «أنه كتب على نفسه الرحمة» أفيتوهم مسلم أن الله كتب على غيره الرحمة وحذر الله العباد [ ص: 452 ] نفسه؟ أفيحل لمسلم أن يقول: إن الله حذر العباد غيره أو يتأول قوله لكليمه: واصطنعتك لنفسي [طه: 41] فيقول: معناه: واصطنعتك لغيري من المخلوقين؟! أو يقول: أراد روح الله بقوله: ولا أعلم ما في نفسك [المائدة: 116] أراد: ولا أعلم ما في غيرك؟! هذا لا يتوهمه مسلم ولا يقوله إلا معطل كافر.
فهذا أيضا يبين أنهم قصدوا الرد على الجهمية؛ حيث منعوا ثبوت النفس لله حتى جعلوا مسماها غيره، حتى ذكر في بعض تأويلاتهم قول بعضهم في قوله: القاضي أبو يعلى تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك أن نفسك ترجع إلى نفس عيسى، وأضاف نفسه إلى الله من طريق الملك والخلق، فيكون معناه: لا أعلم ما في ملكك مما خلقته إلا ما أعلمتني؛ وهذا لأن مسمى النفس أخص من مسمى الذات والعين والحقيقة والماهية ونحو ذلك، فإنها لا تقال إلا لما هو [ ص: 453 ] حي، كما في مثل قوله: كل نفس ذائقة الموت [آل عمران: 185] لو كان معنى كل ذات وكل حقيقة لدخل في ذلك الجمادات وكذلك يستلزم أن يكون لها قول وعمل، وأن تكون قائمة بذاتها قائمة بها الصفات، فلما كان اسم النفس مستلزما لإثبات ما تنكره الجهمية من الصفات أنكروه، فرد عليهم السلف والأئمة ذلك، ولم يقصدوا بالرد أن نفس الله صفة ليست هي ذاته كما ذهب إليه طائفة من المتأخرين، فهذا القول ضعيف وإن كان قول الجهمية أضعف منه.