[ ص: 384 ] قال أبو المعالي: «باب نفي المثل والتشبيه عن الله من صفات نفس القديم -تعالى- مخالفته للحوادث، والكلام في هذا الباب من أعظم أركان الدين، فقد غلت طائفة في النفي فعطلت، وغلت طائفة بالإثبات فشبهت وألحدت. فأما الغلاة في النفي فقالوا: الإشراك في صفة من صفات الإثبات يوجب الاشتباه، وقالوا على هذا: القديم -سبحانه- لا يوصف بالوجود: بل يقال ليس بمعدوم، فكذلك لا يوصف بأنه حي عالم، بل يقال: ليس بعاجز ولا جاهل، ولا ميت، وهذا مذهب فالرب سبحانه وتعالى لا يشبه شيئا من الحوادث ولا يشبهه شيء منها، الفلاسفة والباطنية، وأما الغلاة في الإثبات فاعتقدوا ما يلزمهم القول، بمماثلة القديم سبحانه الحوادث، فإنهم أثبتوا له الصورة والجوارح والاختصاص بالجهات والتركيب، والأقدار، والنهايات، ومن غلاتهم من يثبت للقديم -تعالى عن قولهم-، اللحم والدم والهيئة، ويقولون بقدم الأرواح، وصاروا إلى أنها من ذات القديم -سبحانه-، وأنها تحل الأشخاص.
فإن قلنا: قد يطلق التشبيه، والمراد منه اعتقاد المشابهة، ويطلق والمراد منه الإخبار عن تشابه المتشابهين، ويطلق والمراد به إثبات فعل على مثال فعل. [ ص: 385 ] فإن قيل: قال قائل: ما معنى التشبيه؟ قلنا: قال هل تسمون غلاة المجسمة مشبهة؟ في بعض كتبه: نسميهم مشبهة وإن لم يصرحوا بلفظ التشبيه، بل أبوه وامتنعوا منه، فإن الأمة مجمعة على أن من أثبت لله الجوارح والأعضاء، والصورة واللحم والدم والتأليف، فقد شبه ربه بخلقه، فلا ينفعه بعد ذلك نفي سمة التشبيه عن نفسه، بالقول بأنه جسم وشخص بلا كيف، أو أنه على صورة الإنسان بلا كيف. أبو الحسن
وقال في بعض كتبه: المشبهة من يعترف بالتشبيه ويلتزمه، وأما من ينكره فلا نسميه مشبها، إذ حقيقة المثلين: المشتبهان في جميع صفات النفس، وليس كلما يلزم صاحب مذهب نظرا، يجوز وصفه به ابتداء.
فإن قيل: هل تكفرون الغلاة منهم؟ قلنا القول في التكفير سيأتي في موضعه إن شاء الله تعالى. وبالجملة كل من شبهه فيما يطلقه من القول أو يعتقده بظاهر من الكتاب والسنة، ولم يرد على ما ورد التعبد به، ولا يفسره بما يوهم السامع تشبيها مع اعتقاد التقديس والتنزيه عن سمات الحدث فالأمر قريب».