وأما قوله: «يراد بها ذات الشيء وعينه كقوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=9وما يخدعون إلا أنفسهم [البقرة: 9] وقوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=54فاقتلوا أنفسكم [البقرة: 54]
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=101ولكن ظلموا أنفسهم [هود: 101] فلا يراد بها ذات كل شيء وعين كل شيء، اللهم إلا أن يكون في التوكيد، فإذا قالوا: الأنفس والنفوس، لم يفهم منه ما لا حياة له ولا فعل كالجمادات؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم:
nindex.php?page=hadith&LINKID=885845nindex.php?page=treesubj&link=30452_29682«ما من نفس منفوسة إلا وقد كتب الله مكانها من الجنة والنار». [ ص: 471 ] وأما قوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=54فاقتلوا أنفسكم فهو نظير قوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=12لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا [النور: 12] وقوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=85ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم [البقرة: 85] وقوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=11ولا تلمزوا أنفسكم [الحجرات: 11] أي: يقتل بعضكم بعضا، وسمى الجميع نفسا، أي: لا يقتل إلا من هو منكم لا يكون من غيركم؛ لأن المتفقين في مقصود الحياة والفعل يكونون كالشيء الواحد.
قوله:
nindex.php?page=treesubj&link=29682«لفظ النفس في حق الله تعالى ليس إلا الذات والحقيقة».
[ ص: 472 ] يقال له: أتريد أن معنى اللفظ مطلق ذات ما، وحقيقة ما، أم ذات وحقيقة قائمة بنفسها مستلزمة للحياة والفعل، ونحو ذلك؟
أما الأول فممنوع، والثاني فمسلم، وبهذا يتبين أن أهل الوسط يثبتون ما أثبته الطائفتان من الحق، ويجمعون بين قوليهما، فإن هؤلاء أثبتوا من مسمى اللفظ مطلق الذات، وأولئك أثبتوا الصفة الخاصة، وأهل الوسط أثبتوا الأمرين؛ فإن اللفظ دال على الذات وعلى خصوص الصفة.
قوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=41واصطنعتك لنفسي [طه: 41] كالتأكيد الدال على مزيد المبالغة؛ فإن الإنسان إذا قال: «جعلت هذه الدار لنفسي» فهم منه المبالغة.
يقال له: التأكيد يقتضي ثبوت المعنى المؤكد، فما المعنى المؤكد الذي أكد بهذا الكلام؟ هذا لم يثبته ولم يبين هل التوكيد بذكر لفظ النفس أم بالإضافة إلى الله تعالى؟ وقد قال غيره
[ ص: 473 ] كابن فورك: «اصطنعتك لنفسي» لذاتي أو لرسالتي.
والآية تقتضي أنه اصطنع موسى لنفسه، واصطنع افتعل من صنع، أي: صنعه لنفسه، فيكون خالصا له مخلصا له الدين، كما قال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=51واذكر في الكتاب موسى إنه كان مخلصا وكان رسولا نبيا [مريم: 51] ويشبهه قول أم مريم:
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=35إني نذرت لك ما في بطني محررا [آل عمران: 35] لكن هناك الله هو الذي اصطنعه لنفسه، فإن من كان في عمله وسعيه شيء لغير الله يكون كالذي فيه شركاء متشاكسون، بخلاف الذي يكون كله لله، وقد تضمن ذلك أنه يحبه، كما قال قبل هذه الكلمة:
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=39وألقيت عليك محبة مني ولتصنع على عيني nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=40إذ تمشي أختك فتقول هل أدلكم على من يكفله [طه: 39 - 40] إلى قوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=40ثم جئت على قدر يا موسى nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=41واصطنعتك لنفسي [طه: 40 - 41].
وجاء في حديث
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة الذي فيه تحاج
آدم وموسى: nindex.php?page=hadith&LINKID=653157«قال آدم لموسى: أنت الذي اصطفاك الله برسالاته، واصطنعك لنفسه، وأنزل عليك التوراة؟ قال: نعم» ومعلوم أن
nindex.php?page=treesubj&link=28683الأنبياء وسائر عباد الله هم درجات [ ص: 474 ] [ ص: 475 ] عند الله في عبوديتهم لله، وإخلاصهم له، ومحبته لهم، وقربهم منه، فاصطناع الله
موسى لنفسه له من الخصوص ما لا يشركه فيه من
موسى أفضل منه، وإن كان الجميع عباد الله المخلصين له الدين.
وقد قال القاضي: «تأويل قوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=41واصطنعتك لنفسي [طه: 41] معناه: لذاتي ورسالتي، لا يصح؛ لأنه لا فائدة للتخصيص
بموسى؛ لأن غيره من الأنبياء اصطنعه لذاته ورسالته، فوجب أن يكون لتخصيص النفس هنا فائدة».
فيقول له منازعوه: وكذلك لو كانت النفس صفة لم يكن
[ ص: 476 ] موسى مخصوصا بالاصطناع لها؛ فإن الاصطناع لله أعظم من الاصطناع لصفة من صفاته.
وأيضا فالعباد لا يصطنعهم الله لصفة من الصفات، وإنما يصطنعهم الله له نفسه.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: «يُرَادُ بِهَا ذَاتُ الشَّيْءِ وَعَيْنُهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=9وَمَا يَخْدَعُونَ إِلا أَنْفُسَهُمْ [الْبَقَرَةِ: 9] وَقَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=54فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ [الْبَقَرَةِ: 54]
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=101وَلَكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ [هُودَ: 101] فَلَا يُرَادُ بِهَا ذَاتُ كُلِّ شَيْءٍ وَعَيْنُ كُلِّ شَيْءٍ، اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يَكُونَ فِي التَّوْكِيدِ، فَإِذَا قَالُوا: الْأَنْفُسَ وَالنُّفُوسَ، لَمْ يُفْهَمْ مِنْهُ مَا لَا حَيَاةَ لَهُ وَلَا فِعْلَ كَالْجَمَادَاتِ؛ وَلِهَذَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
nindex.php?page=hadith&LINKID=885845nindex.php?page=treesubj&link=30452_29682«مَا مِنْ نَفْسٍ مَنْفُوسَةٍ إِلَّا وَقَدْ كَتَبَ اللَّهُ مَكَانَهَا مِنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ». [ ص: 471 ] وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=54فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ فَهُوَ نَظِيرُ قَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=12لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا [النُّورِ: 12] وَقَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=85ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ [الْبَقَرَةِ: 85] وَقَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=11وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ [الْحُجُرَاتِ: 11] أَيْ: يَقْتُلُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا، وَسَمَّى الْجَمِيعَ نَفْسًا، أَيْ: لَا يُقْتَلُ إِلَّا مَنْ هُوَ مِنْكُمْ لَا يَكُونُ مِنْ غَيْرِكُمْ؛ لِأَنَّ الْمُتَّفِقِينَ فِي مَقْصُودِ الْحَيَاةِ وَالْفِعْلِ يَكُونُونَ كَالشَّيْءِ الْوَاحِدِ.
قَوْلُهُ:
nindex.php?page=treesubj&link=29682«لَفْظُ النَّفْسِ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى لَيْسَ إِلَّا الذَّاتَ وَالْحَقِيقَةَ».
[ ص: 472 ] يُقَالُ لَهُ: أَتُرِيدُ أَنَّ مَعْنَى اللَّفْظِ مُطْلَقُ ذَاتٍ مَا، وَحَقِيقَةٍ مَا، أَمْ ذَاتٌ وَحَقِيقَةٌ قَائِمَةٌ بِنَفْسِهَا مُسْتَلْزِمَةٌ لِلْحَيَاةِ وَالْفِعْلِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ؟
أَمَّا الْأَوَّلُ فَمَمْنُوعٌ، وَالثَّانِي فَمُسَلَّمٌ، وَبِهَذَا يَتَبَيَّنُ أَنَّ أَهْلَ الْوَسَطِ يُثْبِتُونَ مَا أَثْبَتَهُ الطَّائِفَتَانِ مِنَ الْحَقِّ، وَيَجْمَعُونَ بَيْنَ قَوْلَيْهِمَا، فَإِنَّ هَؤُلَاءِ أَثْبَتُوا مِنْ مُسَمَّى اللَّفْظِ مُطْلَقَ الذَّاتِ، وَأُولَئِكَ أَثْبَتُوا الصِّفَةَ الْخَاصَّةَ، وَأَهْلُ الْوَسَطِ أَثْبَتُوا الْأَمْرَيْنِ؛ فَإِنَّ اللَّفْظَ دَالٌّ عَلَى الذَّاتِ وَعَلَى خُصُوصِ الصِّفَةِ.
قَوْلُهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=41وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي [طه: 41] كَالتَّأْكِيدِ الدَّالِّ عَلَى مَزِيدِ الْمُبَالَغَةِ؛ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ إِذَا قَالَ: «جَعَلْتُ هَذِهِ الدَّارَ لِنَفْسِي» فُهِمَ مِنْهُ الْمُبَالَغَةُ.
يُقَالُ لَهُ: التَّأْكِيدُ يَقْتَضِي ثُبُوتَ الْمَعْنَى الْمُؤَكَّدِ، فَمَا الْمَعْنَى الْمُؤَكَّدُ الَّذِي أُكِّدَ بِهَذَا الْكَلَامِ؟ هَذَا لَمْ يُثْبِتْهُ وَلَمْ يُبَيِّنْ هَلِ التَّوْكِيدُ بِذِكْرِ لَفْظِ النَّفْسِ أَمْ بِالْإِضَافَةِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى؟ وَقَدْ قَالَ غَيْرُهُ
[ ص: 473 ] كَابْنِ فُورَكَ: «اصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي» لِذَاتِي أَوْ لِرِسَالَتِي.
وَالْآيَةُ تَقْتَضِي أَنَّهُ اصْطَنَعَ مُوسَى لِنَفْسِهِ، وَاصْطَنَعَ افْتَعَلَ مِنْ صَنَعَ، أَيْ: صَنَعَهُ لِنَفْسِهِ، فَيَكُونُ خَالِصًا لَهُ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=51وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصًا وَكَانَ رَسُولا نَبِيًّا [مَرْيَمَ: 51] وَيُشْبِهُهُ قَوْلُ أُمِّ مَرْيَمَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=35إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا [آلِ عِمْرَانَ: 35] لَكِنْ هُنَاكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي اصْطَنَعَهُ لِنَفْسِهِ، فَإِنَّ مَنْ كَانَ فِي عَمَلِهِ وَسَعْيِهِ شَيْءٌ لِغَيْرِ اللَّهِ يَكُونُ كَالَّذِي فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ، بِخِلَافِ الَّذِي يَكُونُ كُلُّهُ لِلَّهِ، وَقَدْ تَضَمَّنَ ذَلِكَ أَنَّهُ يُحِبُّهُ، كَمَا قَالَ قَبْلَ هَذِهِ الْكَلِمَةِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=39وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=40إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَنْ يَكْفُلُهُ [طه: 39 - 40] إِلَى قَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=40ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=41وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي [طه: 40 - 41].
وَجَاءَ فِي حَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ الَّذِي فِيهِ تُحَاجُّ
آدَمَ وَمُوسَى: nindex.php?page=hadith&LINKID=653157«قَالَ آدَمُ لِمُوسَى: أَنْتَ الَّذِي اصْطَفَاكَ اللَّهُ بِرِسَالَاتِهِ، وَاصْطَنَعَكَ لِنَفْسِهِ، وَأَنْزَلَ عَلَيْكَ التَّوْرَاةَ؟ قَالَ: نَعَمْ» وَمَعْلُومٌ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28683الْأَنْبِيَاءَ وَسَائِرَ عِبَادِ اللَّهِ هُمْ دَرَجَاتٌ [ ص: 474 ] [ ص: 475 ] عِنْدَ اللَّهِ فِي عُبُودِيَّتِهِمْ لِلَّهِ، وَإِخْلَاصِهِمْ لَهُ، وَمَحَبَّتِهِ لَهُمْ، وَقُرْبِهِمْ مِنْهُ، فَاصْطِنَاعُ اللَّهِ
مُوسَى لِنَفْسِهِ لَهُ مِنَ الْخُصُوصِ مَا لَا يَشْرَكُهُ فِيهِ مِنْ
مُوسَى أَفْضَلُ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ الْجَمِيعُ عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ.
وَقَدْ قَالَ الْقَاضِي: «تَأْوِيلُ قَوْلِهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=41وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي [طه: 41] مَعْنَاهُ: لِذَاتِي وَرِسَالَتِي، لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ لِلتَّخْصِيصِ
بِمُوسَى؛ لِأَنَّ غَيْرَهُ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ اصْطَنَعَهُ لِذَاتِهِ وَرِسَالَتِهِ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ لِتَخْصِيصِ النَّفْسِ هُنَا فَائِدَةٌ».
فَيَقُولُ لَهُ مُنَازِعُوهُ: وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَتِ النَّفْسُ صِفَةً لَمْ يَكُنْ
[ ص: 476 ] مُوسَى مَخْصُوصًا بِالِاصْطِنَاعِ لَهَا؛ فَإِنَّ الِاصْطِنَاعَ لِلَّهِ أَعْظَمُ مِنَ الِاصْطِنَاعِ لِصِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهِ.
وَأَيْضًا فَالْعِبَادُ لَا يَصْطَنِعُهُمُ اللَّهُ لِصِفَةٍ مِنَ الصِّفَاتِ، وَإِنَّمَا يَصْطَنِعُهُمُ اللَّهُ لَهُ نَفْسِهِ.