الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية

ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

صفحة جزء
الوجه الثامن والثلاثون: ما احتج به الأشعري في مسألة العرش، حيث قال: ومن دعاء المسلمين جميعا إذا هم رغبوا إلى الله عز وجل في الأمر النازل بهم يقولون: [ ص: 148 ] يا ساكن العرش، ومن حلفهم: لا والذي احتجب بالعرش وسبع سموات. قال: قال عز وجل: وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء [الشورى: 51]. وقد خصت الآية البشر دون غيرهم ممن ليس من جنس البشر، ولو كانت الآية عامة للبشر وغيرهم ممن ليس من جنس البشر لكان أبعد من الشبهة وأدخل في الشك على من سمع الآية أن يقول: ما كان لأحد أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا، فيرفع الشك والحيرة من أن يقول: ما كان لجنس من الأجناس أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا، وترك [ ص: 149 ] أجناسا لم يعمهم بالآية، فيدل ما ذكرناه على أنه خص البشر دون غيرهم.

فهذا الأشعري أثبت بذلك أن الحجاب قد يكون خاصا لبعض المخلوقات دون بعض، وذلك يدل على ثبوت الحجاب المنفصل عن المخلوقات، إذ الحجاب الذي هو عدم خلق الرؤية لا يختص بنوع دون نوع، واستدل بذلك على أن الله بائن من خلقه فوق العرش، إذ لا يمكن أن يكون بعض المخلوقين محجوبين عنه إلا على هذا القول، دون من ينكر ذلك، ويقول: إنه بذاته في كل مكان، أو أنه لا داخل العالم ولا خارجه، فإن نسبة جميع الخلق إليه واحدة في ثبوت هذا الحجاب ونفيه.

وقوله: «لو كشفها عن وجهه» معناه لو كشف رحمته عن النار «لأحرقت سبحات وجهه» أي أحرقت محاسن [ ص: 150 ] وجه المحجوب عنه بالنار، فالهاء عائدة على المحجوب لا إلى الله عز وجل، ومثل هذا يقال في الخبر الذي رواه أبي: "لأحرقت سبحات وجه العبد كل ما أدركه بصره" فتكون السبحات محرقة لما أدركه العبد.

التالي السابق


الخدمات العلمية