وكذلك
nindex.php?page=treesubj&link=34511_29575طائفة تأولت الشمس والقمر والكواكب بأن المراد بها ما بينه بعض الفلاسفة من العقل والنفس.
وطائفة تأولت
جبريل بأنه خيال يكون في نفس النبي صلى الله عليه وسلم، مع أن الله تعالى يقول:
nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=19إنه لقول رسول كريم nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=20ذي قوة عند ذي العرش مكين nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=21مطاع ثم أمين ثم قال
nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=22وما صاحبكم بمجنون nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=23ولقد رآه بالأفق المبين [التكوير: 19-23]. فأخبر أنه ذو قوة عند ذي العرش مكين مطاع ثم أمين. وقال: إن الرسول رآه بالأفق المبين.
وقال في الآية الأخرى:
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=5علمه شديد القوى nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=6ذو مرة فاستوى nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=7وهو بالأفق الأعلى nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=8ثم دنا فتدلى nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=9فكان قاب قوسين أو أدنى [ ص: 371 ] [النجم: 5-9]. إلى قوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=13ولقد رآه نزلة أخرى nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=14عند سدرة المنتهى nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=15عندها جنة المأوى nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=16إذ يغشى السدرة ما يغشى nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=17ما زاغ البصر وما طغى nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=18لقد رأى من آيات ربه الكبرى [النجم: 13-18].
فهذا الخبر فيه من الإحكام والإتقان والبيان الذي يمنع أن يكون
جبريل في باطن النبي ما يطول وصفه، وهذا ظن كثير من الفلاسفة، ومن دخل معهم ممن يدعي التحقيق والمكاشفة من الصوفية، ويدعي أنه أعلم من الأنبياء، ومن هؤلاء من يظن أن فرعون مات على الإيمان، وأنه لا يعذب في الآخرة، ومنهم من يقول: إن غرقه كان ليغتسل غسل الإسلام، ويحتجون بقوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=98فأوردهم النار [هود: 98]. قالوا: فأوردهم، وما دخل.
وهذه الآية اشتبهت على هؤلاء وعلى غيرهم، حتى إنه لما ذهبنا إلى مصر، وكان في شيوخهم من يقول هذا، وصار لهم جاه، سأل بعض ولاة الأمر لمن هو قاضي القضاة عن ذلك، فقال: ما في القرآن ما يدل على أنه كان كافرا.
[ ص: 372 ]
ومعلوم أن دخول فرعون النار معلوم بالاضطرار من دين المسلمين واليهود والنصارى، والقرآن مملوء من الدلالات على ذلك، نحو من أربعين موضعا يبين عذابه في الدنيا والآخرة، وأيضا قوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=98فأوردهم النار [هود: 98]. يدل على ذلك، وأيضا فإنه قال:
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=98يقدم قومه يوم القيامة فأوردهم [هود: 98]. وإذا كان هو قادمهم، فما دخلوا حتى دخل قبلهم، ولو قدر أن هذه الآية لم تدل، فقد دل غيرها.
ومما اشتبه عليهم أنه قال:
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=46أدخلوا آل فرعون [غافر: 46]. قالوا: وفرعون ليس هو من آل فرعون، وهذا الاشتباه من جهلهم بلسان العرب، لا من عدم إحكام آيات الله تعالى، بل قد أحكمها. وقول القائل: آل فلان يتناول نفسه، ومن يؤول إليه، كقوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=33إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين [آل عمران: 33]. وقوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=61فلما جاء آل لوط المرسلون nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=62قال إنكم قوم منكرون [الحجر: 61-62]. وقوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=34إلا آل لوط نجيناهم بسحر nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=35نعمة من عندنا كذلك نجزي من شكر [القمر: 34-35]. وقوله
[ ص: 373 ] تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=58إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=59إلا آل لوط إنا لمنجوهم أجمعين nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=60إلا امرأته [الحجر: 58-60].
فلوط نفسه داخل في آل لوط، وكذلك قول المصلي:
nindex.php?page=hadith&LINKID=682168 "اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على آل إبراهيم"، وهذا اللفظ في الصحيحين، وهو أصح من غيره.
[ ص: 374 ]
وقوله صلى الله عليه وسلم للحسن: «إن الصدقة لا تحل لآل محمد».
وقول
nindex.php?page=showalam&ids=51عبد الله بن أبي أوفى: nindex.php?page=hadith&LINKID=651402كان القوم إذا أتوا النبي صلى الله عليه وسلم بصدقتهم دعا لهم، وإن أبي أتاه بصدقته فقال: «اللهم صل على [ ص: 375 ] آل أبي أوفى» وذلك أن الآل ما يؤول إلى الشخص، ولا يضاف هذا الاسم إلا إلى معظم يكون آيلا وسائسا لغيره،
[ ص: 376 ] وأول من يؤول إلى الشخص هو نفسه.
وقوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=41واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول [الأنفال: 41]. ومعلوم أن الغنيمة ما أخذ من الكفار بالقتال، ومكاسب المسلمين بالتجارة والصناعة لا تسمى غنيمة، ولا كان النبي صلى الله عليه وسلم ولا أحد من خلفائه يأخذون خمس مكاسب المسلمين، وقد ظن بعضهم أنها غنيمة وخمسها، وخص بالخمس طائفة معينة، وهذا باب واسع.
وإذا عرف أن الاشتباه الإضافي قد يحصل لبعض الناس، فالكلام وإن كان في غاية البيان والإحكام، كان كل آية -وإن كانت محكمة مبينة- قد تشتبه على بعض الناس، وعلى هذا فيكون قوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=7منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات [آل عمران: 7]. أن
nindex.php?page=treesubj&link=28911الآيات المحكمات لا تشتبه على أولئك، بل هي أصل الكتاب الذي عرفوه، بل اشتباه وأخر متشابهات عليهم، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي في المسند وغيره:
nindex.php?page=hadith&LINKID=687260«إن القرآن لم ينزل يكذب بعضه بعضا، ولكن نزل يصدق بعضه بعضا، فما عرفتم منه فاعملوا به، وما جهلتم به فكلوه إلى عالمه». [ ص: 377 ]
فما علم الإنسان كان عليه أن يتبعه ويأتم به، فهو في حقه إمام يأتم به، وما جهل منه كالذي يشتبه عليه ولا يعرف معناه، فإنه يكله إلى عالمه، كما في الصحيحين عن
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود أنه قال: أيها الناس، من علم علما فليقل به، ومن لم يعلمه فليقل: الله أعلم، فإن من العلم أن يقول الرجل لما لا يعلم الله أعلم، وإن الله تعالى قال لنبيه:
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=86قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين [ص: 86]. وهذا
[ ص: 378 ] التشابه لا ينفي تشابه بعض الآيات في أنفسها، فلفظ (إنا، ونحن) فيه اشتباه، لكن ذاك التشابه مقرون بالإحكام، فإن الله تعالى قد أحكم ذلك وبينه، فلم يكن كرر لفظا مما يشبه لفظا مع اختلاف تعيينهما إلا وقد بين مراده وأحكمه، بحيث صار بينا محكما مع ما فيه من الاشتباه، وذلك الاشتباه لا يمنع كونه مبينا محكما، وإن كان الراسخون في العلم يعلمون معناه وتفسيره دون غيرهم، وهذا هو التشابه المعين، وأما التشابه المطلق: فهذا عارض لبعض الناس لنقص
[ ص: 379 ] فهمهم وعلمهم، والذين في قلوبهم مرض يتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله، ولو كانوا أصحاء لابتغوا ما تبين لهم، ولم يكن فيه اشتباه فعملوا به، وما اشتبه عليهم إن أمكنهم أن يردوه إلى المبين لهم، وإلا قالوا: الله تعالى أعلم، وهذا معنى قولهم: يعمل بمحكمه، ويؤمن بمتشابهه، فإن الآيات الخبرية تتضمن عملا: محبة لله، وخوفا منه، وتوكلا عليه، ورجاء رحمته، وخوفا من عذابه، واعتبارا بما مضى ... وغير ذلك من أنواع العمل.
وكلا النوعين؛ التشابه العارض لبعض الناس، والمعين، لا يتصور أن يخلو منهما خطاب، ولو كان في غاية البيان والفصاحة، فلا خطاب أبين وأفصح من القرآن، ولكن هذا من ضرورة نقص بني آدم، فإنه ليس كل أحد يمكنه فهم كل كلام، بل سبحان من يسر القرآن للذكر كما يسره للحفظ، فيسر حفظه وفهمه أعظم مما يقع في نظائره، وإلا فالكتابان المتقدمان التوراة والإنجيل لا يحفظان ولا يفهمان عشر عشر حفظ القرآن وفهمه.
وما صنفته الناس من العلوم أقل حفظا وفهما من الكتب المنزلة، فإن العناية بها أعظم، وحرمتها في القلوب أعظم،
[ ص: 380 ] وبهذا يحصل الجواب عن قول من قال: لم نزل المتشابه؟ وهذا التشابه الناشئ من نقص المستمع ونقص فهمه وعلمه، وبه يحصل الجواب على ما ذكره
الرازي، من تقسيم المحكم والمتشابه، فإنه ذكر أن كل طائفة تجعل ما تذهب إليه محكما، وما يذهب إليه مخالفوها متشابها، ثم جعل هو المتشابه ما خالف الدليل العقلي، والمحكم ما لم يخالف الدليل العقلي، فجعل الإحكام هو عدم المعارض العقلي، لا صفة في الخطاب، وكونه في نفسه قد أحكم وبين وفصل مع أن المعارض العقلي لا يمكن الجزم بنفيه إذا جوز وقوعه في الجملة لا يخرجه عن كونه متشابها، ولهذا استقر أمره على أن جميع الأدلة السمعية القولية متشابهة، لا يحتج بشيء منها في العلميات، فلم يبق على قوله لهذه الآية:
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=7منه آيات محكمات هن أم الكتاب [آل عمران: 7]. معنى بحيث يرد التشابه إليها، ولكن المردود إليه هو العقلي، فما وافقه أو لم يخالفه فهو
[ ص: 381 ] المحكم، وما خالفه فهو المتشابه، وهذا من أعظم
nindex.php?page=treesubj&link=29575_34511الإلحاد في أسماء الله تعالى وآياته، ولهذا استقر قوله في هذا الكتاب على رأي الملاحدة الذين يقولون: إنه أخبر العوام بما يعلم أنه باطل، لكون عقولهم لا تقبل الحق فخاطبهم بالتجسيم مع علمه أنه باطل، وهذا مما احتج به الملاحدة على هؤلاء في المعاد، وقالوا: خاطبهم أيضا بالمعاد كما خاطبهم بالتجسيم، وهؤلاء جعلوا الفرق أن المعاد علم بالاضطرار من دين الرسول، وبسط الكلام على ذلك له موضع آخر
[ ص: 382 ]
وَكَذَلِكَ
nindex.php?page=treesubj&link=34511_29575طَائِفَةٌ تَأَوَّلَتِ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالْكَوَاكِبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِهَا مَا بَيَّنَهُ بَعْضُ الْفَلَاسِفَةِ مِنَ الْعَقْلِ وَالنَّفْسِ.
وَطَائِفَةٌ تَأَوَّلَتْ
جِبْرِيلَ بِأَنَّهُ خَيَالٌ يَكُونُ فِي نَفْسِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مَعَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=19إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=20ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=21مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ ثُمَّ قَالَ
nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=22وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=23وَلَقَدْ رَآهُ بِالأُفُقِ الْمُبِينِ [التَّكْوِيرُ: 19-23]. فَأَخْبَرَ أَنَّهُ ذُو قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٌ مُطَاعٌ ثَمَّ أَمِينٌ. وَقَالَ: إِنَّ الرَّسُولَ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ.
وَقَالَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=5عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=6ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=7وَهُوَ بِالأُفُقِ الأَعْلَى nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=8ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=9فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى [ ص: 371 ] [النَّجْمُ: 5-9]. إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=13وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=14عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=15عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=16إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=17مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=18لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى [النَّجْمُ: 13-18].
فَهَذَا الْخَبَرُ فِيهِ مِنَ الْإِحْكَامِ وَالْإِتْقَانِ وَالْبَيَانِ الَّذِي يَمْنَعُ أَنْ يَكُونَ
جِبْرِيلُ فِي بَاطِنِ النَّبِيِّ مَا يَطُولُ وَصْفُهُ، وَهَذَا ظَنُّ كَثِيرٍ مِنَ الْفَلَاسِفَةِ، وَمَنْ دَخَلَ مَعَهُمْ مِمَّنْ يَدَّعِي التَّحْقِيقَ وَالْمُكَاشَفَةَ مِنَ الصُّوفِيَّةِ، وَيَدَّعِي أَنَّهُ أَعْلَمُ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ، وَمِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ يَظُنُّ أَنَّ فِرْعَوْنَ مَاتَ عَلَى الْإِيمَانِ، وَأَنَّهُ لَا يُعَذَّبُ فِي الْآخِرَةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: إِنَّ غَرَقَهُ كَانَ لِيَغْتَسِلَ غُسْلَ الْإِسْلَامِ، وَيَحْتَجُّونَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=98فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ [هُودٌ: 98]. قَالُوا: فَأَوْرَدَهُمْ، وَمَا دَخَلَ.
وَهَذِهِ الْآيَةُ اشْتَبَهَتْ عَلَى هَؤُلَاءِ وَعَلَى غَيْرِهِمْ، حَتَّى إِنَّهُ لَمَّا ذَهَبْنَا إِلَى مِصْرَ، وَكَانَ فِي شُيُوخِهِمْ مَنْ يَقُولُ هَذَا، وَصَارَ لَهُمْ جَاهٌ، سَأَلَ بَعْضُ وُلَاةِ الْأَمْرِ لِمَنْ هُوَ قَاضِي الْقُضَاةِ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: مَا فِي الْقُرْآنِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ كَافِرًا.
[ ص: 372 ]
وَمَعْلُومٌ أَنَّ دُخُولَ فِرْعَوْنَ النَّارَ مَعْلُومٌ بِالِاضْطِرَارِ مِنْ دِينِ الْمُسْلِمِينَ وَالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، وَالْقُرْآنُ مَمْلُوءٌ مِنَ الدَّلَالَاتِ عَلَى ذَلِكَ، نَحْوٍ مِنْ أَرْبَعِينَ مَوْضِعًا يُبَيَّنُ عَذَابَهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَأَيْضًا قَوْلُهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=98فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ [هُودٌ: 98]. يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ، وَأَيْضًا فَإِنَّهُ قَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=98يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ [هُودٌ: 98]. وَإِذَا كَانَ هُوَ قَادِمَهُمْ، فَمَا دَخَلُوا حَتَّى دَخَلَ قَبْلَهُمْ، وَلَوْ قُدِّرَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ لَمْ تَدُلَّ، فَقَدْ دَلَّ غَيْرُهَا.
وَمِمَّا اشْتَبَهَ عَلَيْهِمْ أَنَّهُ قَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=46أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ [غَافِرٌ: 46]. قَالُوا: وَفِرْعَوْنُ لَيْسَ هُوَ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ، وَهَذَا الِاشْتِبَاهُ مِنْ جَهْلِهِمْ بِلِسَانِ الْعَرَبِ، لَا مِنْ عَدَمِ إِحْكَامِ آيَاتِ اللَّهِ تَعَالَى، بَلْ قَدْ أَحْكَمَهَا. وَقَوْلُ الْقَائِلِ: آلُ فُلَانٍ يَتَنَاوَلُ نَفْسَهُ، وَمَنْ يَؤُولُ إِلَيْهِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=33إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ [آلُ عِمْرَانَ: 33]. وَقَوْلِهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=61فَلَمَّا جَاءَ آلَ لُوطٍ الْمُرْسَلُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=62قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ [الْحِجْرُ: 61-62]. وَقَوْلِهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=34إِلا آلَ لُوطٍ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=35نِعْمَةً مِنْ عِنْدِنَا كَذَلِكَ نَجْزِي مِنْ شَكَرَ [الْقَمَرُ: 34-35]. وَقَوْلِهِ
[ ص: 373 ] تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=58إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=59إِلا آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=60إِلا امْرَأَتَهُ [الْحِجْرُ: 58-60].
فَلُوطٌ نَفْسُهُ دَاخِلٌ فِي آلِ لُوطٍ، وَكَذَلِكَ قَوْلُ الْمُصَلِّي:
nindex.php?page=hadith&LINKID=682168 "اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آل مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آل إِبْرَاهِيمَ"، وَهَذَا اللَّفْظُ فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَهُوَ أَصَحُّ مِنْ غَيْرِهِ.
[ ص: 374 ]
وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْحَسَنِ: «إِنَّ الصَّدَقَةَ لَا تَحِلُّ لِآلِ مُحَمَّدٍ».
وَقَوْلُ
nindex.php?page=showalam&ids=51عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى: nindex.php?page=hadith&LINKID=651402كَانَ الْقَوْمُ إِذَا أَتَوُا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِصَدَقَتِهِمْ دَعَا لَهُمْ، وَإِنَّ أَبِي أَتَاهُ بِصَدَقَتِهِ فَقَالَ: «اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى [ ص: 375 ] آلِ أَبِي أَوْفَى» وَذَلِكَ أَنَّ الْآلَ مَا يَؤُولُ إِلَى الشَّخْصِ، وَلَا يُضَافُ هَذَا الِاسْمُ إِلَّا إِلَى مُعَظَّمٍ يَكُونُ آيِلًا وَسَائِسًا لِغَيْرِهِ،
[ ص: 376 ] وَأَوَّلُ مَنْ يَؤُولُ إِلَى الشَّخْصِ هُوَ نَفْسُهُ.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=41وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ [الْأَنْفَالُ: 41]. وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْغَنِيمَةَ مَا أُخِذَ مِنَ الْكَفَّارِ بِالْقِتَالِ، وَمَكَاسِبُ الْمُسْلِمِينَ بِالتِّجَارَةِ وَالصِّنَاعَةِ لَا تُسَمَّى غَنِيمَةً، وَلَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا أَحَدٌ مِنْ خُلَفَائِهِ يَأْخُذُونَ خُمْسَ مَكَاسِبِ الْمُسْلِمِينَ، وَقَدْ ظَنَّ بَعْضُهُمْ أَنَّهَا غَنِيمَةٌ وَخَمَّسَهَا، وَخَصَّ بِالْخَمْسِ طَائِفَةً مُعَيَّنَةً، وَهَذَا بَابٌ وَاسِعٌ.
وَإِذَا عُرِفَ أَنَّ الِاشْتِبَاهَ الْإِضَافِيَّ قَدْ يَحْصُلُ لِبَعْضِ النَّاسِ، فَالْكَلَامُ وَإِنْ كَانَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَالْإِحْكَامِ، كَانَ كُلُّ آيَةٍ -وَإِنْ كَانَتْ مُحْكَمَةً مُبَيَّنَةً- قَدْ تَشْتَبِهُ عَلَى بَعْضِ النَّاسِ، وَعَلَى هَذَا فَيَكُونُ قَوْلُهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=7مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ [آلُ عِمْرَانَ: 7]. أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28911الْآيَاتِ الْمُحْكَمَاتِ لَا تَشْتَبِهُ عَلَى أُولَئِكَ، بَلْ هِيَ أَصْلُ الْكِتَابِ الَّذِي عَرَفُوهُ، بَلِ اشْتِبَاهُ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ عَلَيْهِمْ، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي فِي الْمُسْنَدِ وَغَيْرِهِ:
nindex.php?page=hadith&LINKID=687260«إِنَّ الْقُرْآنَ لَمْ يَنْزِلْ يُكَذِّبُ بَعْضُهُ بَعْضًا، وَلَكِنْ نَزَلَ يُصَدِّقُ بَعْضُهُ بَعْضًا، فَمَا عَرَفْتُمْ مِنْهُ فَاعْمَلُوا بِهِ، وَمَا جَهِلْتُمْ بِهِ فَكِلُوهُ إِلَى عَالَمِهِ». [ ص: 377 ]
فَمَا عَلِمَ الْإِنْسَانُ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَتَّبِعَهُ وَيَأْتَمَّ بِهِ، فَهُوَ فِي حَقِّهِ إِمَامٌ يَأْتَمُّ بِهِ، وَمَا جَهِلَ مِنْهُ كَالَّذِي يَشْتَبِهُ عَلَيْهِ وَلَا يَعْرِفُ مَعْنَاهُ، فَإِنَّهُ يَكِلُهُ إِلَى عَالِمِهِ، كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=10ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ، مَنْ عَلِمَ عِلْمًا فَلْيَقُلْ بِهِ، وَمَنْ لَمْ يَعْلَمْهُ فَلْيَقُلِ: اللَّهُ أَعْلَمُ، فَإِنَّ مِنَ الْعِلْمِ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلَ لِمَا لَا يَعْلَمُ اللَّهُ أَعْلَمُ، وَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ لِنَبِيِّهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=86قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنْ الْمُتَكَلِّفِينَ [ص: 86]. وَهَذَا
[ ص: 378 ] التَّشَابُهُ لَا يَنْفِي تَشَابُهَ بَعْضِ الْآيَاتِ فِي أَنْفُسِهَا، فَلَفْظَ (إِنَّا، وَنَحْنُ) فِيهِ اشْتِبَاهٌ، لَكِنَّ ذَاكَ التَّشَابُهَ مَقْرُونَ بِالْإِحْكَامِ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَحْكَمَ ذَلِكَ وَبَيَّنَهُ، فَلَمْ يَكُنْ كَرَّرَ لَفْظًا مِمَّا يُشْبِهُ لَفْظًا مَعَ اخْتِلَافِ تَعْيِينِهِمَا إِلَّا وَقَدْ بَيَّنَ مُرَادَهُ وَأَحْكَمَهُ، بِحَيْثُ صَارَ بَيِّنًا مُحْكَمًا مَعَ مَا فِيهِ مِنَ الِاشْتِبَاهِ، وَذَلِكَ الِاشْتِبَاهُ لَا يَمْنَعُ كَوْنَهُ مُبِينًا مُحْكَمًا، وَإِنْ كَانَ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَعْلَمُونَ مَعْنَاهُ وَتَفْسِيرَهُ دُونَ غَيْرِهِمْ، وَهَذَا هُوَ التَّشَابُهُ الْمُعَيَّنُ، وَأَمَّا التَّشَابُهُ الْمُطْلَقُ: فَهَذَا عَارِضٌ لِبَعْضِ النَّاسِ لِنَقْصِ
[ ص: 379 ] فَهْمِهِمْ وَعِلْمِهِمْ، وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ، وَلَوْ كَانُوا أَصِحَّاءَ لَابْتَغَوْا مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ، وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ اشْتِبَاهٌ فَعَمِلُوا بِهِ، وَمَا اشْتَبَهَ عَلَيْهِمْ إِنْ أَمْكَنَهُمْ أَنْ يَرُدُّوهُ إِلَى الْمُبَيَّنِ لَهُمْ، وَإِلَّا قَالُوا: اللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِمْ: يَعْمَلُ بِمُحْكَمِهِ، وَيُؤْمِنُ بِمُتَشَابِهِهِ، فَإِنَّ الْآيَاتِ الْخَبَرِيَّةَ تَتَضَمَّنُ عَمَلًا: مَحَبَّةً لِلَّهِ، وَخَوْفًا مِنْهُ، وَتَوَكُّلًا عَلَيْهِ، وَرَجَاءَ رَحْمَتِهِ، وَخَوْفًا مِنْ عَذَابِهِ، وَاعْتِبَارًا بِمَا مَضَى ... وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ الْعَمَلِ.
وَكِلَا النَّوْعَيْنِ؛ التَّشَابُهِ الْعَارِضِ لِبَعْضِ النَّاسِ، وَالْمُعَيَّنِ، لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَخْلُوَ مِنْهُمَا خِطَابٌ، وَلَوْ كَانَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَالْفَصَاحَةِ، فَلَا خِطَابَ أَبْيَنُ وَأَفْصَحُ مِنَ الْقُرْآنِ، وَلَكِنَّ هَذَا مِنْ ضَرُورَةِ نَقْصِ بَنِي آدَمَ، فَإِنَّهُ لَيْسَ كُلُّ أَحَدٍ يُمْكِنُهُ فَهْمُ كُلِّ كَلَامٍ، بَلْ سُبْحَانَ مَنْ يَسَّرَ الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ كَمَا يَسَّرَهُ لِلْحِفْظِ، فَيُسْرُ حِفْظِهِ وَفَهْمِهِ أَعْظَمُ مِمَّا يَقَعُ فِي نَظَائِرِهِ، وَإِلَّا فَالْكِتَابَانِ الْمُتَقَدِّمَانِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ لَا يُحْفَظَانِ وَلَا يُفْهَمَانِ عُشْرَ عُشْرِ حِفْظِ الْقُرْآنِ وَفَهْمِهِ.
وَمَا صَنَّفَتْهُ النَّاسُ مِنَ الْعُلُومِ أَقَلُّ حِفْظًا وَفَهْمًا مِنَ الْكُتُبِ الْمُنَزَّلَةِ، فَإِنَّ الْعِنَايَةَ بِهَا أَعْظَمُ، وَحُرْمَتُهَا فِي الْقُلُوبِ أَعْظَمُ،
[ ص: 380 ] وَبِهَذَا يَحْصُلُ الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِ مَنْ قَالَ: لِمَ نُزِّلَ الْمُتَشَابِهُ؟ وَهَذَا التَّشَابُهُ النَّاشِئُ مِنْ نَقْصِ الْمُسْتَمِعِ وَنَقْصِ فَهْمِهِ وَعِلْمِهِ، وَبِهِ يَحْصُلُ الْجَوَابُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ
الرَّازِيُّ، مِنْ تَقْسِيمِ الْمُحْكَمِ وَالْمُتَشَابِهِ، فَإِنَّهُ ذَكَرَ أَنَّ كُلَّ طَائِفَةٍ تَجْعَلُ مَا تَذْهَبُ إِلَيْهِ مُحْكَمًا، وَمَا يَذْهَبُ إِلَيْهِ مُخَالِفُوهَا مُتَشَابِهًا، ثُمَّ جَعَلَ هُوَ الْمُتَشَابِهَ مَا خَالَفَ الدَّلِيلَ الْعَقْلِيَّ، وَالْمُحْكَمَ مَا لَمْ يُخَالِفِ الدَّلِيلَ الْعَقْلِيَّ، فَجَعَلَ الْإِحْكَامَ هُوَ عَدَمُ الْمُعَارِضِ الْعَقْلِيِّ، لَا صِفَةً فِي الْخِطَابِ، وَكَوْنُهُ فِي نَفْسِهِ قَدْ أُحْكِمَ وَبُيِّنَ وَفُصِّلَ مَعَ أَنَّ الْمُعَارِضَ الْعَقْلِيَّ لَا يُمْكِنُ الْجَزْمُ بِنَفْيِهِ إِذَا جُوِّزَ وُقُوعُهُ فِي الْجُمْلَةِ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ كَوْنِهِ مُتَشَابِهًا، وَلِهَذَا اسْتَقَرَّ أَمْرُهُ عَلَى أَنَّ جَمِيعَ الْأَدِلَّةِ السَّمْعِيَّةِ الْقَوْلِيَّةِ مُتَشَابِهَةٌ، لَا يُحْتَجُّ بِشَيْءٍ مِنْهَا فِي الْعِلْمِيَّاتِ، فَلَمْ يَبْقَ عَلَى قَوْلِهِ لِهَذِهِ الْآيَةِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=7مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ [آلُ عِمْرَانَ: 7]. مَعْنًى بِحَيْثُ يُرَدُّ التَّشَابُهُ إِلَيْهَا، وَلَكِنَّ الْمَرْدُودَ إِلَيْهِ هُوَ الْعَقْلِيُّ، فَمَا وَافَقَهُ أَوْ لَمْ يُخَالِفْهُ فَهُوَ
[ ص: 381 ] الْمُحْكَمُ، وَمَا خَالَفَهُ فَهُوَ الْمُتَشَابِهُ، وَهَذَا مِنْ أَعْظَمِ
nindex.php?page=treesubj&link=29575_34511الْإِلْحَادِ فِي أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَآيَاتِهِ، وَلِهَذَا اسْتَقَرَّ قَوْلُهُ فِي هَذَا الْكِتَابِ عَلَى رَأْيِ الْمَلَاحِدَةِ الَّذِينَ يَقُولُونَ: إِنَّهُ أَخْبَرَ الْعَوَامَّ بِمَا يَعْلَمُ أَنَّهُ بَاطِلٌ، لِكَوْنِ عُقُولِهِمْ لَا تَقْبَلُ الْحَقَّ فَخَاطَبَهُمْ بِالتَّجْسِيمِ مَعَ عِلْمِهِ أَنَّهُ بَاطِلٌ، وَهَذَا مِمَّا احْتَجَّ بِهِ الْمَلَاحِدَةُ عَلَى هَؤُلَاءِ فِي الْمَعَادِ، وَقَالُوا: خَاطَبَهُمْ أَيْضًا بِالْمَعَادِ كَمَا خَاطَبَهُمْ بِالتَّجْسِيمِ، وَهَؤُلَاءِ جَعَلُوا الْفَرْقَ أَنَّ الْمَعَادَ عُلِمَ بِالِاضْطِرَارِ مِنْ دِينِ الرَّسُولِ، وَبَسْطُ الْكَلَامِ عَلَى ذَلِكَ لَهُ مَوْضِعٌ آخَرُ
[ ص: 382 ]