الوجه الثاني أن وما ذكره من العبارة لم ينقل عن أحد من السلف، ولا نقله من يحكي إجماع السلف، ونحن ذكرنا قطعة من أقوال السلف في هذا الباب، وأقوال من يحكي مذاهبهم من جميع الطوائف في جواب الفتيا الحموية في الرد على مذهب السلف يعرف بنقل أقوالهم أو نقل من هو خبير بأقوالهم، الجهمية وغير ذلك، ولكن ما ذكره هذا من مذهب السلف والتفويض إنما يعرض في كلام أبي حامد ونحوه ممن ليس لهم خبرة بكلام السلف رحمهم الله، بل ولا بكلام الرسول صلى الله عليه وسلم، فلا يميزون بين صحيح هذا وبين [ ص: 538 ] ضعيفه، ولكن ينقلون مذهب السلف بحسب اعتقادهم، لا بأقوال السلف، وما بينوه وقالوه في هذا الباب.
وأقوال السلف كثيرة مشهورة في كتب أهل الحديث والآثار الذين يروونها عنهم بالأسانيد المعروفة، وكذلك في كتب التفسير.
وقد صنفوا في هذا الباب مصنفات كثيرة، منها من يسمي مصنفه كتاب السنة، ومنهم من يسميه الرد على الجهمية، ومنهم من يسميه الشريعة، ومنهم من يسميه الإبانة عن شريعة [ ص: 539 ] الفرقة الناجية، وفيها من الآثار الثابتة عن السلف -التي بها تعرف مذاهبهم- ما لا يحصى، فمن لم تكن له معرفة بذلك مثل كثير من أهل الكلام، هذا وأمثاله، إذا نقلوا مذهب السلف مذهبا لا يعرفونه، وعن قوم لا يعرفون ما قالوا، ويضيفون إلى السلف ما هم بريئون منه، ويكذب عليهم فيما ينقل عنهم، كما يكذب على الرسول بتقويله ما لم يقله أو القول بلا علم، وعلى القرآن بتحريف الكلم عن مواضعه، وهذه حقيقة قول الملحدة، وهو الافتراء على الله وعلى رسوله وعلى المؤمنين، وقد قال تعالى: قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون [الأعراف: 33]. وقال تعالى: إن الذين اتخذوا العجل سينالهم غضب من ربهم وذلة في الحياة الدنيا وكذلك نجزي المفترين [الأعراف: 152].