الوجه الخامس وهو الرابع عشر: أن الله تعالى قد قال: ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله [البقرة: 115] فأخبر أن العبد حيث استقبل فقد استقبل قبلة الله، ليبين أنه حيث أمر العبد بالاستقبال والتولية فقد استقبل وولي قبلة الله ووجهته ولهذا ذكروا أن هذه الآية فيما لا يتعين فيه استقبال الكعبة والعاجز الذي لا يعلم جهة كالمتطوع الراكب في السفر، فإنه يصلي حيث توجهت به راحلته. الكعبة أو لا يقدر على استقبال [ ص: 549 ] الكعبة فإنه يصلي بحسب إمكانه إلى أي جهة أمكن، وذكروا أيضا أنه نسخ ما تضمنته من تسويغ الاستقبال بيت المقدس، كما كان ذلك قبل النسخ. وإذا كان هذا في القبلة المعروفة للصلوات التي يجب فيها استقبال قبلة معينة في الفريضة وفي التطوع في المقام، فينبغي أن يكون في قبلة الدعاء أولى وأحرى، فإن الدعاء لا يجب فيه استقبال قبلة معينة بإجماع المسلمين، ولا يجب أن يستقبل القبلة المعروفة ولا أن يرفع يديه لا عند من يقول: إن السماء والعرش قبلة الدعاء، ولا عند من لا يقول بذلك، وإذا كان هذا لازما اقتضى جواز الإشارة في الدعاء إلى غير فوق، فيجب أن تجوز الإشارة بالأيدي حين الدعاء إلى الأرض والتيامن والتياسر. وقد تقدم قول من حكى إجماع المسلمين على خلاف ذلك، وعلى تخطئة من يجوز [ ص: 550 ] ذلك كالقاضي أبي بكر، وأيضا فمن المعلوم بالفطرة الضرورية أن أحدا لا يقصد ذلك ولا يريده، فعلم بطلان ما زعموه من كون العرش أو السماء قبلة الدعاء.