وأبو بكر محمد بن الحسن الحضرمي القيرواني الذي له
[ ص: 280 ] الرسالة التي سماها برسالة " الإيماء إلى مسألة الاستواء " لما ذكر اختلاف المتأخرين في الاستواء وذكر أقوالا متعددة: قول
nindex.php?page=showalam&ids=16935الطبري أبي جعفر محمد بن جرير صاحب التفسير
وأبي محمد بن أبي زيد والقاضي [ ص: 281 ] عبد الوهاب وجماعة من شيوخ الحديث والفقه قال: وهو ظاهر بعض كتب
القاضي أبي بكر nindex.php?page=showalam&ids=13711وأبي الحسن يعني الأشعري، وحكاه عنه أعني
القاضي أبي بكر والقاضي عبد الوهاب نصا، وهو
nindex.php?page=treesubj&link=28728أنه سبحانه وتعالى مستو على عرشه بذاته، قال: وأطلقوا القول في بعض الأماكن فوق عرشه، قال
أبو بكر الحضرمي: وهو الصحيح الذي أقول به، من غير تحديد ولا تمكن في مكان ولا كون فيه ولا مماسة.
[ ص: 282 ] قال
أبو عبد الله القرطبي صاحب التفسير الكبير في كتاب شرح الأسماء الحسنى بعد أن حكى كلام
الحضرمي: هذا قول
القاضي أبي بكر في كتاب ( تمهيد الأوائل ) له، وقاله الأستاذ
nindex.php?page=showalam&ids=13428ابن فورك في ( شرح أوائل الأدلة ) وهو قول
أبي عمر بن عبد البر [ ص: 283 ] nindex.php?page=showalam&ids=14712والطلمنكي وغيرهما من الأندلسيين، وقول
nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي في " شعار الدين ": ثم قال بعد أن ذكر في الاستواء أربعة عشر
[ ص: 284 ] قولا: وأظهر الأقوال ما تظاهرت عليه الآي والأخبار والفضلاء الأخيار،
nindex.php?page=treesubj&link=28728أن الله على عرشه، كما أخبر في كتابه وعلى لسان نبيه بلا كيف، بائن من جميع خلقه، هذا مذهب السلف الصالح فيما نقل عنهم الثقاة ".
ونقل
nindex.php?page=showalam&ids=13428أبو بكر بن فورك في كتاب مقالة
أبي محمد عبد الله بن سعيد بن كلاب وموافقته
nindex.php?page=showalam&ids=13711الأشعري وما بينهما من النزاع اليسير أو اللفظي فقال: الفصل الأول في ذكر ما حكى شيخنا
nindex.php?page=showalam&ids=13711أبو الحسن رضي الله عنه في كتاب المقالات: من جمل مذاهب أصحاب الحديث، وأبان ما أبان في آخره، أنه يقول بجميع ذلك.
ثم سرد
nindex.php?page=showalam&ids=13428ابن فورك المقالة التي تقدم ذكرنا لها من كلام
nindex.php?page=showalam&ids=13711الأشعري بعينها وما فيها من ذكر العرش واستواء الله عليه والصفات الخبرية وغير ذلك، كما تقدم، ثم قال في آخرها: فهذا يحقق لك من ألفاظه أنه يعتقد لهذه الأصول التي هي قواعد أصحاب الحديث وأساس توحيدهم".
ولا ريب أن هذا قول
الأشعرية المتقدمين وأئمتهم كلهم
[ ص: 285 ] ما علمت بينهم في ذلك نزاعا، وإنما أنكر ذلك من أنكره من متأخريهم، وجميع كتب الأشعري تنطق بذلك كما ذكرناه فيما تقدم من كتبه وفيما لم يصل إلينا مما يحيل هو عليه مثل ما ذكره
nindex.php?page=showalam&ids=13359أبو القاسم بن عساكر ( في تبيين كذب المفتري ) فيما نسب إلى
nindex.php?page=showalam&ids=13711أبي الحسن الأشعري بعد أن قال: " فلا بد أن نحكي عنه معتقده على وجهه بالأمانة ليعلم حاله في صحة عقيدته في الديانة، فاسمع ما ذكره في ( الإبانة ) فإنه قال: " الحمد لله الواحد العزيز الماجد المتفرد بالتوحيد المتمجد بالتمجيد الذي لا تبلغه صفات العبيد، وليس له مثل ولا نديد" وذكر تمام الخطبة إلى أن قال: " فإن قال قائل قد أنكرتم قول
المعتزلة والقدرية والجهمية والحرورية والرافضة والمرجئة فعرفونا
[ ص: 286 ] قولكم الذي به تقولون وديانتكم التي بها تدينون؟ قيل له: قولنا الذي نقول به وديانتنا التي بها ندين: التمسك بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وما روي عن الصحابة والتابعين وأئمة الحديث، ونحن بذلك معتصمون، وبما كان عليه
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد بن حنبل نضر الله وجهه قائلون، ولمن خالف قوله مخالفون؛ لأنه الإمام الفاضل والرئيس الكامل الذي أبان الله به الحق عند ظهور الضلال، وأوضح به المنهاج وقمع به بدع المبتدعين وزيغ الزائغين وشك الشاكين، فرحمة الله عليه من إمام مقدم وكبير مفهم وعلى جميع أئمة المسلمين. وذكر تمام الاعتقاد كما ذكرناه عنه فيما تقدم لما ذكر ما ذكره
nindex.php?page=showalam&ids=13711الأشعري في الإبانة.
ثم قال
ابن عساكر بعد أن فرغ من سياق ذلك: " فتأملوا - رحمكم الله- هذا الاعتقاد ما أوضحه وأبينه واعترفوا بفضل هذا الإمام الذي شرحه وبينه".
قال
الحافظ ابن عساكر: " قال
nindex.php?page=showalam&ids=13711أبو الحسن في كتابه الذي سماه العمد في الرؤية: ألفنا كتابا كبيرا في الصفات، تكلمنا
[ ص: 287 ] فيه على أصناف
المعتزلة والجهمية في فنون كثيرة من الصفات: في إثبات الوجه لله، واليدين، وفي استوائه على العرش".
ولشهرة هذا من مذهب
nindex.php?page=showalam&ids=13711الأشعري قال
أبو الحسن علي بن مهدي الطبري المتكلم صاحب
nindex.php?page=showalam&ids=13711أبي الحسن الأشعري في كتابه الذي ألفه في مشكل الآيات في باب قوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=5الرحمن على العرش استوى [طه: 5] اعلم أن
nindex.php?page=treesubj&link=28728الله - سبحانه وتعالى- في السماء فوق كل شيء على عرشه، بمعنى أنه عال عليه. ومعنى الاستواء الاعتلاء كما تقول العرب: استويت على ظهر الدابة واستويت على السطح بمعنى علوته، واستوى الشمس على رأسي، واستوى الطير على قمة رأسي. بمعنى علا في الجو فوجد فوق رأسي. فالقديم جل جلاله عال على عرشه، قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=16أأمنتم من في السماء [الملك: 16] وقوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=55يا عيسى إني متوفيك ورافعك إلي [آل عمران: 55] وقوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=10إليه يصعد الكلم الطيب [ ص: 288 ] [فاطر: 10] وقوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=5يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه [السجدة: 5]
قال:
nindex.php?page=treesubj&link=29639وزعم البلخي أن استواء الله على العرش هو الاستيلاء عليه، مأخوذ من قول العرب: استوى بشر على العراق استولى عليها. وقال: إن العرش يكون الملك.
[ ص: 289 ] فيقال: ما أنكرت أن يكون عرش الله جسما خلقه وأمر ملائكته بحمله، قال:
nindex.php?page=tafseer&surano=69&ayano=17ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية [الحاقة: 17] وأمية يقول:
مجدوا الله فهو للمجد أهل ربنا في السماء أمسى كبيرا بالبناء الأعلى الذي سبق الناس
وسوى فوق السماء سريرا
قال: " ومما يدل على أن الاستواء هاهنا ليس بالاستيلاء، لأنه لو كان كذلك لم ينبغ أن يخص العرش بالاستيلاء عليه دون سائر خلقه، إذ هو مستول على العرش وعلى سائر خلقه، وليس للعرش مزية على ما وصفته، فبان بذلك فساد قوله.
ثم يقال له أيضا: إن الاستواء ليس هو الاستيلاء، الذي من قول العرب: استوى فلان على كذا: أي استولى. إذا تمكن فيه بعد أن لم يكن متمكنا. فلما كان الباري لا يوصف بالتمكن بعد
[ ص: 290 ] أن لم يكن متمكنا لم يصرف معنى الاستواء إلى الاستيلاء، ثم قال: حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17213أبو عبد الله نفطويه، ثنا
أبو سليمان قال: كنا عند
nindex.php?page=showalam&ids=12585ابن الأعرابي، فأتاه رجل فقال: ما معنى
[ ص: 291 ] nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=5الرحمن على العرش استوى [طه: 5] قال: هو على عرشه كما أخبر، فقال: ليس هو كذلك إنما معناه استولى. قال
nindex.php?page=showalam&ids=12585ابن الأعرابي: اسكت ما يدريك ما هذا، العرب لا تقول للرجل استولى على الشيء حتى يكون له فيه مضاد، فأيهما غلب قيل: استولى عليه، والله لا مضاد له وهو على عرشه كما أخبر".
[ ص: 292 ] قال
أبو الحسن بن مهدي الطبري: فإن قيل: فما تقولون في قوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=16أأمنتم من في السماء [الملك: 16] قيل له: معنى ذلك أنه فوق السماء على العرش، كما قال
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=2فسيحوا في الأرض [التوبة: 2] بمعنى على الأرض، وقال:
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=71ولأصلبنكم في جذوع النخل [طه: 71] أي على جذوع النخل فكذلك قوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=16أأمنتم من في السماء .
قال: فإن قيل فما تقولون في قوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=3وهو الله في السماوات وفي الأرض يعلم سركم وجهركم [الأنعام: 3] قيل له: إن بعض القراء يجعل الوقف في ( السماوات ) ثم يبتدي
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=3وفي الأرض يعلم سركم وجهركم وكيفما كان، فلو أن قائلا قال: فلان
بالشام والعراق ملك؛ لدل على الملك
بالشام والعراق لا أن ذاته فيهما. قال: فإن قيل: ما تقول في قوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=7ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم [المجادلة: 7] الآية قيل له: كون
[ ص: 293 ] الشيء مع الشيء على وجوه: منها بالنصر، ومنها بالصحبة، ومنها بالمماسة، ومنها بالعلم، فمعنى هذا عندنا: أن الله تعالى مع كل الخلق بالعلم.
قال: قال
البلخي: فإن قيل لنا: ما معنى رفع أيدينا إلى السماء؟ وقوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=10والعمل الصالح يرفعه [فاطر: 10]؟ قلنا: تأويل ذلك أرزاق العباد لما كانت تأتي من السماء جاز أن نرفع أيدينا إلى السماء عند الدعاء، وجاز أن يقال: أعمالنا ترفع إلى الله لما كانت حفظة الأعمال إنما مساكنهم في السماء، قيل له: إن كانت العلة في رفع أيدينا إلى السماء أن الأرزاق فيها
[ ص: 294 ] وأن الحفظة مساكنهم في السماء جاز أن نخفض أيدينا في الدعاء نحو الأرض من أجل أن الله يحدث فيها النبات والأقوات والمعاش، وأنها قرارهم ومنها خلقوا، أو لأن الملائكة معهم في الأرض. فلم تكن العلة في السماء بما وصفه، وإنما أمرنا الله تعالى برفع أيدينا قاصدين إليه لرفعها نحو العرش الذي هو مستو عليه".
فإذا كان
nindex.php?page=showalam&ids=13428ابن فورك وسائر أئمة
الأشعرية موافقين
الكرامية وغيرهم على أن الله عز وجل نفسه فوق العرش وهم جميعا متفقون على مخالفة
المعتزلة الذين ينفون ذلك ويتأولون الاستواء بمعنى الاستيلاء ونحو ذلك. وهم جميعا متفقون على الاستدلال على أن الله فوق العالم بالآيات التي ذكرها هذا
الرازي من ناحية مخالفيه، مثل قوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=10إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه [فاطر: 10] وقوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=55يا عيسى إني متوفيك ورافعك إلي ومطهرك [آل عمران: 55] وقوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=16أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض [الملك: 16] ومثل ذلك في الآيات كما ذكرنا بعض ذلك.
وقد تنازع
nindex.php?page=showalam&ids=13428ابن فورك وأصحابه مع
ابن الهيصم وأصحابه فإما
[ ص: 295 ] أن يكون نزاعهم لفظيا أو معنويا فإن كان لفظيا لم يكن ذلك منافيا لاتفاقهم من جهة المعنى، وإن كانت المعاني متفقة لم يضر اختلاف الألفاظ إلا إذا كان منهيا عنها في الشريعة، وإن كان النزاع معنويا فهو أيضا قسمان: أحدهما: اختلاف تنوع بأن يكون هؤلاء يثبتون شيئا لا ينفيه هؤلاء وهؤلاء ينفون شيئا لا يثبته هؤلاء، فهذا أيضا ليس باختلاف معلوم إلا إذا كان كل منهما يدفع ما يقوله الآخر من الحق، فإذا كان أحدهما يثبت حقا والآخر ينفي باطلا كان على كل منهما أن يوافق الآخر، وإذا اختلفا كانا جميعا مذمومين، وهذا من الاختلاف الذي ذمه الله تعالى في كتابه، حيث قال سبحانه وتعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=176وإن الذين اختلفوا في الكتاب لفي شقاق بعيد [البقرة: 176] وقال:
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=105ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات [آل عمران: 105] وأمثال ذلك.
وإن كانا قد تنازعا حقيقيا هما فيه متناقضان على حقيقة التناقض بحيث أن يكون أحدهما ينفي ما أثبته الآخر، فهذا بعد اتفاقهم على
nindex.php?page=treesubj&link=28728إثبات أنه فوق العرش فوق العالم، ومخالفتهم جميعا
للمعتزلة- الذين سلك هذا
الرازي وأمثاله مسلكهم في كتابه هذا التأسيس- إنما يكون بأن يقول المثبت: كونه فوق
[ ص: 296 ] العرش يستلزم أن يكون في جهة أو يكون متحيزا أو أن يكون منقسما ونحو ذلك. ويقول الثاني: كونه على العرش لا يستلزم ذلك بل يجوز أن يكون على العرش ولا يكون جسما، وهذا الثاني قول
الأشعرية. فالخلاف بينهم وبين
الأشعرية أنه إذا كان على العرش هل يستلزم ذلك أن يكون جسما أو لا يستلزم ذلك.
وَأَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحَضْرَمِيُّ الْقَيْرَوَانِيُّ الَّذِي لَهُ
[ ص: 280 ] الرِّسَالَةُ الَّتِي سَمَّاهَا بِرِسَالَةِ " الْإِيمَاءِ إِلَى مَسْأَلَةِ الِاسْتِوَاءِ " لَمَّا ذَكَرَ اخْتِلَافَ الْمُتَأَخِّرِينَ فِي الِاسْتِوَاءِ وَذَكَرَ أَقْوَالًا مُتَعَدِّدَةً: قَوْلَ
nindex.php?page=showalam&ids=16935الطَّبَرِيِّ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ جَرِيرٍ صَاحِبِ التَّفْسِيرِ
وَأَبِي مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي زَيْدٍ وَالْقَاضِي [ ص: 281 ] عَبْدِ الْوَهَّابِ وَجَمَاعَةٍ مِنْ شُيُوخِ الْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ قَالَ: وَهُوَ ظَاهِرُ بَعْضِ كُتُبِ
الْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ nindex.php?page=showalam&ids=13711وَأَبِي الْحَسَنِ يَعْنِي الْأَشْعَرِيَّ، وَحَكَاهُ عَنْهُ أَعْنِي
الْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ وَالْقَاضِي عَبْدِ الْوَهَّابِ نَصًّا، وَهُوَ
nindex.php?page=treesubj&link=28728أَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مُسْتَوٍ عَلَى عَرْشِهِ بِذَاتِهِ، قَالَ: وَأَطْلَقُوا الْقَوْلَ فِي بَعْضِ الْأَمَاكِنِ فَوْقَ عَرْشِهِ، قَالَ
أَبُو بَكْرٍ الْحَضْرَمِيُّ: وَهُوَ الصَّحِيحُ الَّذِي أَقُولُ بِهِ، مِنْ غَيْرِ تَحْدِيدٍ وَلَا تَمَكُّنٍ فِي مَكَانٍ وَلَا كَوْنٍ فِيهِ وَلَا مُمَاسَّةٍ.
[ ص: 282 ] قَالَ
أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْقُرْطُبِيُّ صَاحِبُ التَّفْسِيرِ الْكَبِيرِ فِي كِتَابِ شَرْحِ الْأَسْمَاءِ الْحُسْنَى بَعْدَ أَنْ حَكَى كَلَامَ
الْحَضْرَمِيِّ: هَذَا قَوْلُ
الْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ فِي كِتَابِ ( تَمْهِيدِ الْأَوَائِلِ ) لَهُ، وَقَالَهُ الْأُسْتَاذُ
nindex.php?page=showalam&ids=13428ابْنُ فُورَكَ فِي ( شَرْحِ أَوَائِلِ الْأَدِلَّةِ ) وَهُوَ قَوْلُ
أَبِي عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْبَرِّ [ ص: 283 ] nindex.php?page=showalam&ids=14712وَالطَّلَمَنْكِيِّ وَغَيْرِهِمَا مِنَ الْأَنْدَلُسِيِّينَ، وَقَوْلُ
nindex.php?page=showalam&ids=14228الْخَطَّابِيِّ فِي " شِعَارِ الدِّينِ ": ثُمَّ قَالَ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ فِي الِاسْتِوَاءِ أَرْبَعَةَ عَشَرَ
[ ص: 284 ] قَوْلًا: وَأَظْهَرُ الْأَقْوَالِ مَا تَظَاهَرَتْ عَلَيْهِ الْآيُ وَالْأَخْبَارُ وَالْفُضَلَاءُ الْأَخْيَارُ،
nindex.php?page=treesubj&link=28728أَنَّ اللَّهَ عَلَى عَرْشِهِ، كَمَا أَخْبَرَ فِي كِتَابِهِ وَعَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ بِلَا كَيْفٍ، بَائِنٌ مِنْ جَمِيعِ خَلْقِهِ، هَذَا مَذْهَبُ السَّلَفِ الصَّالِحِ فِيمَا نَقَلَ عَنْهُمُ الثِّقَاةُ ".
وَنَقَلَ
nindex.php?page=showalam&ids=13428أَبُو بَكْرِ بْنُ فُورَكَ فِي كِتَابِ مَقَالَةِ
أَبِي مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ كُلَّابٍ وَمُوَافَقَتِهِ
nindex.php?page=showalam&ids=13711الْأَشْعَرِيَّ وَمَا بَيْنَهُمَا مِنَ النِّزَاعِ الْيَسِيرِ أَوِ اللَّفْظِيِّ فَقَالَ: الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي ذِكْرِ مَا حَكَى شَيْخُنَا
nindex.php?page=showalam&ids=13711أَبُو الْحَسَنِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي كِتَابِ الْمَقَالَاتِ: مِنْ جُمَلِ مَذَاهِبِ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ، وَأَبَانَ مَا أَبَانَ فِي آخِرِهِ، أَنَّهُ يَقُولُ بِجَمِيعِ ذَلِكَ.
ثُمَّ سَرَدَ
nindex.php?page=showalam&ids=13428ابْنُ فُورَكَ الْمَقَالَةَ الَّتِي تَقَدَّمَ ذِكْرُنَا لَهَا مِنْ كَلَامِ
nindex.php?page=showalam&ids=13711الْأَشْعَرِيِّ بِعَيْنِهَا وَمَا فِيهَا مِنْ ذِكْرِ الْعَرْشِ وَاسْتِوَاءِ اللَّهِ عَلَيْهِ وَالصِّفَاتِ الْخَبَرِيَّةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، كَمَا تَقَدَّمَ، ثُمَّ قَالَ فِي آخِرِهَا: فَهَذَا يُحَقِّقُ لَكَ مِنْ أَلْفَاظِهِ أَنَّهُ يَعْتَقِدُ لِهَذِهِ الْأُصُولِ الَّتِي هِيَ قَوَاعِدُ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ وَأَسَاسِ تَوْحِيدِهِمْ".
وَلَا رَيْبَ أَنَّ هَذَا قَوْلُ
الْأَشْعَرِيَّةِ الْمُتَقَدِّمِينَ وَأَئِمَّتِهِمْ كُلِّهِمْ
[ ص: 285 ] مَا عَلِمْتُ بَيْنَهُمْ فِي ذَلِكَ نِزَاعًا، وَإِنَّمَا أَنْكَرَ ذَلِكَ مَنْ أَنْكَرَهُ مِنْ مُتَأَخِّرِيهِمْ، وَجَمِيعُ كُتُبِ الْأَشْعَرِيِّ تَنْطِقُ بِذَلِكَ كَمَا ذَكَرْنَاهُ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ كُتُبِهِ وَفِيمَا لَمْ يَصِلْ إِلَيْنَا مِمَّا يُحِيلُ هُوَ عَلَيْهِ مِثْلَ مَا ذَكَرَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=13359أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ عَسَاكِرَ ( فِي تَبْيِينِ كَذِبِ الْمُفْتَرِي ) فِيمَا نُسِبَ إِلَى
nindex.php?page=showalam&ids=13711أَبِي الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيِّ بَعْدَ أَنْ قَالَ: " فَلَا بُدَّ أَنْ نَحْكِيَ عَنْهُ مُعْتَقَدَهُ عَلَى وَجْهِهِ بِالْأَمَانَةِ لِيُعْلَمَ حَالُهُ فِي صِحَّةِ عَقِيدَتِهِ فِي الدِّيَانَةِ، فَاسْمَعْ مَا ذَكَرَهُ فِي ( الْإِبَانَةِ ) فَإِنَّهُ قَالَ: " الْحَمْدُ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْعَزِيزِ الْمَاجِدِ الْمُتَفَرِّدِ بِالتَّوْحِيدِ الْمُتَمَجِّدِ بِالتَّمْجِيدِ الَّذِي لَا تَبْلُغُهُ صِفَاتِ الْعَبِيدِ، وَلَيْسَ لَهُ مِثْلٌ وَلَا نَدِيدٌ" وَذَكَرَ تَمَامَ الْخُطْبَةِ إِلَى أَنْ قَالَ: " فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ قَدْ أَنْكَرْتُمْ قَوْلَ
الْمُعْتَزِلَةِ وَالْقَدَرِيَّةِ وَالْجَهْمِيَّةِ وَالْحَرُورِيَّةِ وَالرَّافِضَةِ وَالْمُرْجِئَةِ فَعَرَّفُونَا
[ ص: 286 ] قَوْلَكُمُ الَّذِي بِهِ تَقُولُونَ وَدِيَانَتَكُمُ الَّتِي بِهَا تَدِينُونَ؟ قِيلَ لَهُ: قَوْلُنَا الَّذِي نَقُولُ بِهِ وَدِيَانَتُنَا الَّتِي بِهَا نَدِينُ: التَّمَسُّكُ بِكِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا رُوِيَ عَنِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَأَئِمَّةِ الْحَدِيثِ، وَنَحْنُ بِذَلِكَ مُعْتَصِمُونَ، وَبِمَا كَانَ عَلَيْهِ
nindex.php?page=showalam&ids=12251الْإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ نَضَّرَ اللَّهُ وَجْهَهُ قَائِلُونَ، وَلِمَنْ خَالَفَ قَوْلَهُ مُخَالِفُونَ؛ لِأَنَّهُ الْإِمَامُ الْفَاضِلُ وَالرَّئِيسُ الْكَامِلُ الَّذِي أَبَانَ اللَّهُ بِهِ الْحَقَّ عِنْدَ ظُهُورِ الضَّلَالِ، وَأَوْضَحَ بِهِ الْمِنْهَاجَ وَقَمَعَ بِهِ بِدَعَ الْمُبْتَدِعِينَ وَزَيْغَ الزَّائِغِينَ وَشَكَّ الشَّاكِينَ، فَرَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ مِنْ إِمَامٍ مُقَدَّمٍ وَكَبِيرٍ مُفْهِمٍ وَعَلَى جَمِيعِ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ. وَذَكَرَ تَمَامَ الِاعْتِقَادِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ عَنْهُ فِيمَا تَقَدَّمَ لَمَّا ذَكَرَ مَا ذَكَرَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=13711الْأَشْعَرِيُّ فِي الْإِبَانَةِ.
ثُمَّ قَالَ
ابْنُ عَسَاكِرَ بَعْدَ أَنْ فَرَغَ مِنْ سِيَاقِ ذَلِكَ: " فَتَأَمَّلُوا - رَحِمَكُمُ اللَّهُ- هَذَا الِاعْتِقَادَ مَا أَوْضَحَهُ وَأَبَيْنَهُ وَاعْتَرِفُوا بِفَضْلِ هَذَا الْإِمَامِ الَّذِي شَرَحَهُ وَبَيَّنَهُ".
قَالَ
الْحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ: " قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13711أَبُو الْحَسَنِ فِي كِتَابِهِ الَّذِي سَمَّاهُ الْعُمَدُ فِي الرُّؤْيَةِ: أَلَّفْنَا كِتَابًا كَبِيرًا فِي الصِّفَاتِ، تَكَلَّمْنَا
[ ص: 287 ] فِيهِ عَلَى أَصْنَافِ
الْمُعْتَزِلَةِ وَالْجَهْمِيَّةِ فِي فُنُونٍ كَثِيرَةٍ مِنَ الصِّفَاتِ: فِي إِثْبَاتِ الْوَجْهِ لِلَّهِ، وَالْيَدَيْنِ، وَفِي اسْتِوَائِهِ عَلَى الْعَرْشِ".
وَلِشُهْرَةِ هَذَا مِنْ مَذْهَبِ
nindex.php?page=showalam&ids=13711الْأَشْعَرِيِّ قَالَ
أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مَهْدِيٍّ الطَّبَرِيُّ الْمُتَكَلِّمُ صَاحِبُ
nindex.php?page=showalam&ids=13711أَبِي الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيِّ فِي كِتَابِهِ الَّذِي أَلَّفَهُ فِي مُشَكِلِ الْآيَاتِ فِي بَابِ قَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=5الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه: 5] اعْلَمْ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28728اللَّهَ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- فِي السَّمَاءِ فَوْقَ كُلِّ شَيْءٍ عَلَى عَرْشِهِ، بِمَعْنَى أَنَّهُ عَالٍ عَلَيْهِ. وَمَعْنَى الِاسْتِوَاءِ الِاعْتِلَاءُ كَمَا تَقُولُ الْعَرَبُ: اسْتَوَيْتُ عَلَى ظَهْرِ الدَّابَّةِ وَاسْتَوَيْتُ عَلَى السَّطْحِ بِمَعْنَى عَلَوْتُهُ، وَاسْتَوَى الشَّمْسُ عَلَى رَأْسِي، وَاسْتَوَى الطَّيْرُ عَلَى قِمَّةِ رَأْسِي. بِمَعْنَى عَلَا فِي الْجَوِّ فَوُجِدَ فَوْقَ رَأْسِي. فَالْقَدِيمُ جَلَّ جَلَالُهُ عَالٍ عَلَى عَرْشِهِ، قَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=16أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ [الْمُلْكِ: 16] وَقَوْلُهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=55يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ [آلِ عِمْرَانَ: 55] وَقَوْلُهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=10إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ [ ص: 288 ] [فَاطِرٍ: 10] وَقَوْلُهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=5يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ [السَّجْدَةِ: 5]
قَالَ:
nindex.php?page=treesubj&link=29639وَزَعَمَ الْبَلْخِيُّ أَنَّ اسْتِوَاءَ اللَّهِ عَلَى الْعَرْشِ هُوَ الِاسْتِيلَاءُ عَلَيْهِ، مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِ الْعَرَبِ: اسْتَوَى بِشْرٌ عَلَى الْعِرَاقِ اسْتَوْلَى عَلَيْهَا. وَقَالَ: إِنَّ الْعَرْشَ يَكُونُ الْمُلْكَ.
[ ص: 289 ] فَيُقَالُ: مَا أَنْكَرْتَ أَنْ يَكُونَ عَرْشُ اللَّهِ جِسْمًا خَلَقَهُ وَأَمَرَ مَلَائِكَتَهُ بِحَمْلِهِ، قَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=69&ayano=17وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ [الْحَاقَّةِ: 17] وَأُمَيَّةُ يَقُولُ:
مَجِّدُوا اللَّهَ فَهُوَ لِلْمَجْدِ أَهْلُ رَبُّنَا فِي السَّمَاءِ أَمْسَى كَبِيرًا بِالْبِنَاءِ الْأَعْلَى الَّذِي سَبَقَ النَّاسَ
وَسَوَّى فَوْقَ السَّمَاءِ سَرِيرًا
قَالَ: " وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الِاسْتِوَاءَ هَاهُنَا لَيْسَ بِالِاسْتِيلَاءِ، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَنْبَغِ أَنْ يَخُصَّ الْعَرْشَ بِالِاسْتِيلَاءِ عَلَيْهِ دُونَ سَائِرِ خَلْقِهِ، إِذْ هُوَ مُسْتَوْلٍ عَلَى الْعَرْشِ وَعَلَى سَائِرِ خَلْقِهِ، وَلَيْسَ لِلْعَرْشِ مَزِيَّةٌ عَلَى مَا وَصَفْتَهُ، فَبَانَ بِذَلِكَ فَسَادُ قَوْلِهِ.
ثُمَّ يُقَالُ لَهُ أَيْضًا: إِنَّ الِاسْتِوَاءَ لَيْسَ هُوَ الِاسْتِيلَاءَ، الَّذِي مِنْ قَوْلِ الْعَرَبِ: اسْتَوَى فُلَانٌ عَلَى كَذَا: أَيِ اسْتَوْلَى. إِذَا تَمَكَّنَ فِيهِ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ مُتَمَكِّنًا. فَلَمَّا كَانَ الْبَارِي لَا يُوصَفُ بِالتَّمَكُّنِ بَعْدَ
[ ص: 290 ] أَنْ لَمْ يَكُنْ مُتَمَكِّنًا لَمْ يُصْرَفْ مَعْنَى الِاسْتِوَاءِ إِلَى الِاسْتِيلَاءِ، ثُمَّ قَالَ: حَدَّثَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=17213أَبُو عَبْدِ اللَّهِ نَفْطَوَيْهِ، ثَنَا
أَبُو سُلَيْمَانَ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ
nindex.php?page=showalam&ids=12585ابْنِ الْأَعْرَابِيِّ، فَأَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ: مَا مَعْنَى
[ ص: 291 ] nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=5الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه: 5] قَالَ: هُوَ عَلَى عَرْشِهِ كَمَا أَخْبَرَ، فَقَالَ: لَيْسَ هُوَ كَذَلِكَ إِنَّمَا مَعْنَاهُ اسْتَوْلَى. قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12585ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: اسْكُتْ مَا يُدْرِيكَ مَا هَذَا، الْعَرَبُ لَا تَقُولُ لِلرَّجُلِ اسْتَوْلَى عَلَى الشَّيْءِ حَتَّى يَكُونَ لَهُ فِيهِ مُضَادٌّ، فَأَيُّهُمَا غَلَبَ قِيلَ: اسْتَوْلَى عَلَيْهِ، وَاللَّهُ لَا مُضَادَّ لَهُ وَهُوَ عَلَى عَرْشِهِ كَمَا أَخْبَرَ".
[ ص: 292 ] قَالَ
أَبُو الْحَسَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ الطَّبَرِيُّ: فَإِنْ قِيلَ: فَمَا تَقُولُونَ فِي قَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=16أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ [الْمُلْكِ: 16] قِيلَ لَهُ: مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ فَوْقَ السَّمَاءِ عَلَى الْعَرْشِ، كَمَا قَالَ
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=2فَسِيحُوا فِي الأَرْضِ [التَّوْبَةِ: 2] بِمَعْنَى عَلَى الْأَرْضِ، وَقَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=71وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ [طه: 71] أَيْ عَلَى جُذُوعِ النَّخْلِ فَكَذَلِكَ قَوْلُهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=16أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ .
قَالَ: فَإِنْ قِيلَ فَمَا تَقُولُونَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=3وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ [الْأَنْعَامِ: 3] قِيلَ لَهُ: إِنَّ بَعْضَ الْقُرَّاءِ يَجْعَلُ الْوَقْفَ فِي ( السَّمَاوَاتِ ) ثُمَّ يَبْتَدِي
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=3وَفِي الأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَكَيْفَمَا كَانَ، فَلَوْ أَنَّ قَائِلًا قَالَ: فُلَانٌ
بِالشَّامِ وَالْعِرَاقِ مَلِكٌ؛ لَدَلَّ عَلَى الْمُلْكِ
بِالشَّامِ وَالْعِرَاقِ لَا أَنَّ ذَاتَهُ فِيهِمَا. قَالَ: فَإِنْ قِيلَ: مَا تَقُولُ فِي قَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=7مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلا هُوَ رَابِعُهُمْ [الْمُجَادَلَةِ: 7] الْآيَةَ قِيلَ لَهُ: كَوْنُ
[ ص: 293 ] الشَّيْءِ مَعَ الشَّيْءِ عَلَى وُجُوهٍ: مِنْهَا بِالنَّصْرِ، وَمِنْهَا بِالصُّحْبَةِ، وَمِنْهَا بِالْمُمَاسَّةِ، وَمِنْهَا بِالْعِلْمِ، فَمَعْنَى هَذَا عِنْدَنَا: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى مَعَ كُلِّ الْخَلْقِ بِالْعِلْمِ.
قَالَ: قَالَ
الْبَلْخِيُّ: فَإِنْ قِيلَ لَنَا: مَا مَعْنَى رَفْعُ أَيْدِينَا إِلَى السَّمَاءِ؟ وَقَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=10وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ [فَاطِرٍ: 10]؟ قُلْنَا: تَأْوِيلُ ذَلِكَ أَرْزَاقُ الْعِبَادِ لَمَّا كَانَتْ تَأْتِي مِنَ السَّمَاءِ جَازَ أَنْ نَرْفَعَ أَيْدِيَنَا إِلَى السَّمَاءِ عِنْدَ الدُّعَاءِ، وَجَازَ أَنْ يُقَالَ: أَعْمَالُنَا تُرْفَعُ إِلَى اللَّهِ لَمَّا كَانَتْ حَفَظَةُ الْأَعْمَالِ إِنَّمَا مَسَاكِنُهُمْ فِي السَّمَاءِ، قِيلَ لَهُ: إِنْ كَانَتِ الْعِلَّةُ فِي رَفْعِ أَيْدِينَا إِلَى السَّمَاءِ أَنَّ الْأَرْزَاقَ فِيهَا
[ ص: 294 ] وَأَنَّ الْحَفَظَةَ مَسَاكِنُهُمْ فِي السَّمَاءِ جَازَ أَنْ نَخْفِضَ أَيْدِيَنَا فِي الدُّعَاءِ نَحْوَ الْأَرْضِ مِنْ أَجْلِ أَنَّ اللَّهَ يُحْدِثُ فِيهَا النَّبَاتَ وَالْأَقْوَاتَ وَالْمَعَاشَ، وَأَنَّهَا قَرَارُهُمْ وَمِنْهَا خُلِقُوا، أَوْ لِأَنَّ الْمَلَائِكَةَ مَعَهُمْ فِي الْأَرْضِ. فَلَمْ تَكُنِ الْعِلَّةُ فِي السَّمَاءِ بِمَا وَصَفَهُ، وَإِنَّمَا أَمَرَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِرَفْعِ أَيْدِينَا قَاصِدِينَ إِلَيْهِ لِرَفْعِهَا نَحْوَ الْعَرْشِ الَّذِي هُوَ مُسْتَوٍ عَلَيْهِ".
فَإِذَا كَانَ
nindex.php?page=showalam&ids=13428ابْنُ فُورَكَ وَسَائِرُ أَئِمَّةِ
الْأَشْعَرِيَّةِ مُوَافِقِينَ
الْكَرَّامِيَّةَ وَغَيْرَهُمْ عَلَى أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ نَفْسَهُ فَوْقَ الْعَرْشِ وَهُمْ جَمِيعًا مُتَّفِقُونَ عَلَى مُخَالَفَةِ
الْمُعْتَزِلَةِ الَّذِينَ يَنْفُونَ ذَلِكَ وَيَتَأَوَّلُونَ الِاسْتِوَاءَ بِمَعْنَى الِاسْتِيلَاءِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَهُمْ جَمِيعًا مُتَّفِقُونَ عَلَى الِاسْتِدْلَالِ عَلَى أَنَّ اللَّهَ فَوْقَ الْعَالَمِ بِالْآيَاتِ الَّتِي ذَكَرَهَا هَذَا
الرَّازِيُّ مِنْ نَاحِيَةِ مُخَالِفِيهِ، مِثْلَ قَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=10إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ [فَاطِرٍ: 10] وَقَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=55يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ [آلِ عُمْرَانَ: 55] وَقَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=16أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ [الْمُلْكِ: 16] وَمِثْلُ ذَلِكَ فِي الْآيَاتِ كَمَا ذَكَرْنَا بَعْضَ ذَلِكَ.
وَقَدْ تَنَازَعَ
nindex.php?page=showalam&ids=13428ابْنُ فُورَكَ وَأَصْحَابُهُ مَعَ
ابْنِ الْهَيْصَمِ وَأَصْحَابِهِ فَإِمَّا
[ ص: 295 ] أَنْ يَكُونَ نِزَاعُهُمْ لَفْظِيًّا أَوْ مَعْنَوِيًّا فَإِنْ كَانَ لَفْظِيًّا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مُنَافِيًا لِاتِّفَاقِهِمْ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى، وَإِنْ كَانَتِ الْمَعَانِي مُتَّفِقَةً لَمْ يَضُرَّ اخْتِلَافُ الْأَلْفَاظِ إِلَّا إِذَا كَانَ مَنْهِيًّا عَنْهَا فِي الشَّرِيعَةِ، وَإِنْ كَانَ النِّزَاعُ مَعْنَوِيًّا فَهُوَ أَيْضًا قِسْمَانِ: أَحَدُهُمَا: اخْتِلَافُ تَنَوُّعٍ بِأَنْ يَكُونَ هَؤُلَاءِ يُثْبِتُونَ شَيْئًا لَا يَنْفِيهِ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ يَنْفُونَ شَيْئًا لَا يُثْبِتُهُ هَؤُلَاءِ، فَهَذَا أَيْضًا لَيْسَ بِاخْتِلَافٍ مَعْلُومٍ إِلَّا إِذَا كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا يَدْفَعُ مَا يَقُولُهُ الْآخَرُ مِنَ الْحَقِّ، فَإِذَا كَانَ أَحَدُهُمَا يُثْبِتُ حَقًّا وَالْآخَرُ يَنْفِي بَاطِلًا كَانَ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا أَنْ يُوَافِقَ الْآخَرَ، وَإِذَا اخْتَلَفَا كَانَا جَمِيعًا مَذْمُومَيْنِ، وَهَذَا مِنَ الِاخْتِلَافِ الَّذِي ذَمَّهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ، حَيْثُ قَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=176وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ [الْبَقَرَةِ: 176] وَقَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=105وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ [آلِ عِمْرَانَ: 105] وَأَمْثَالَ ذَلِكَ.
وَإِنْ كَانَا قَدْ تَنَازَعَا حَقِيقِيًّا هُمَا فِيهِ مُتَنَاقِضَانِ عَلَى حَقِيقَةِ التَّنَاقُضِ بِحَيْثُ أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا يَنْفِي مَا أَثْبَتَهُ الْآخَرُ، فَهَذَا بَعْدَ اتِّفَاقِهِمْ عَلَى
nindex.php?page=treesubj&link=28728إِثْبَاتِ أَنَّهُ فَوْقَ الْعَرْشِ فَوْقَ الْعَالَمِ، وَمُخَالَفَتُهُمْ جَمِيعًا
لِلْمُعْتَزِلَةِ- الَّذِينَ سَلَكَ هَذَا
الرَّازِيُّ وَأَمْثَالُهُ مَسْلَكَهُمْ فِي كِتَابِهِ هَذَا التَّأْسِيسَ- إِنَّمَا يَكُونُ بِأَنْ يَقُولَ الْمُثْبِتُ: كَوْنُهُ فَوْقَ
[ ص: 296 ] الْعَرْشِ يَسْتَلْزِمُ أَنْ يَكُونَ فِي جِهَةٍ أَوْ يَكُونَ مُتَحَيِّزًا أَوْ أَنْ يَكُونَ مُنْقَسِمًا وَنَحْوَ ذَلِكَ. وَيَقُولُ الثَّانِي: كَوْنُهُ عَلَى الْعَرْشِ لَا يَسْتَلْزِمُ ذَلِكَ بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَلَى الْعَرْشِ وَلَا يَكُونَ جِسْمًا، وَهَذَا الثَّانِي قَوْلُ
الْأَشْعَرِيَّةِ. فَالْخِلَافُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ
الْأَشْعَرِيَّةِ أَنَّهُ إِذَا كَانَ عَلَى الْعَرْشِ هَلْ يَسْتَلْزِمُ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ جِسْمًا أَوْ لَا يَسْتَلْزِمُ ذَلِكَ.