الوجه الرابع: أن الاستدلال بما يجب لكل موجودين، والواجب لكل موجودين أن يكونا متباينين أو متحايثين، أما كون أحدهما يصح أن يكون مباينا للآخر من جميع جهاته، فهذا ليس هو الواجب لكل موجودين، والحجة كانت فيما يلزم الموجود من المحايثة أو المباينة، واللازم له أصل المباينة.
أما بل يجوز أن يجعل الله بعض الأشياء لا تباين إلا بجهة معينة. المباينة من جميع الجهات فليس ذلك بلازم، وإن كان جائزا،
الخامس: أن يقال: ليس للعالم إلا جهتان، وهي العلو والسفل، فأما العلو فهو مختص بالله تعالى. وأما أسفل سافلين فذلك " سجين " وهو المركز الذي لا يسع إلا الجوهر الفرد، [ ص: 385 ] وكل قائم بنفسه فإنه يصح أن يكون مباينا عنه بجميع الجهات، لأن كل ما سواه يصح أن يكون فوقه، وإن كان كذلك، فيقال بموجب المعارضة، وهو أن الله تعالى يجوز أن يكون مباينا للعالم من جميع جهاته، لأن جميع جهاته هي العلو، ليس له جهة أخرى، فظهر القول بموجب الحجة، ألا ترى أن سطح العرش مباين للعالم كذلك.
السادس: أن قوله: " ذلك يستلزم صحة الحركة عليه من الفوق إلى السفل، وهم لا يقولون بذلك".
فنقول. هذا قياس إلزامي وفي صحة الحركة نزاع مشهور [ ص: 386 ] وهم يدعون ثبوت الفارق، فإن صح ما يدعونه من الفارق، وإلا كانت هذه الحجة حجة عليهم في المسألتين جميعا ولا يتعضل ذلك كما تقدم نظيره.
وأما قوله في الرابع: إن كل موجودين في الشاهد فإنه يجب أن يكون أحدهما محايثا للآخر أو مباينا عنه بالجهة، والمباين بالجهة لا بد وأن يكون جوهرا فردا أو مركبا من الجواهر، وكون كل موجود في الشاهد على أحد هذه الأقسام الثلاثة أعني كونه عرضا أو جوهرا فردا أو جسما مؤتلفا لا بد أن يكون معللا بالوجود، فوجب أن يكون الباري على أحد هذه الأقسام الثلاثة، والقوم ينكرون ذلك لأنه عندهم ليس بعرض ولا بجوهر ولا بجسم مؤتلف من الأجزاء والأبعاض.
فيقال له: أما تسمية صفاته عرضا فإن منهم من سمى صفاته أعراضا مع أن النزاع في ذلك لفظي، وذلك أنالجهمية من المعتزلة وغيرهم الذين ينفون الصفات لما رأوا أن الصفات تقوم بالأجسام وهي الأعراض أيضا وبها أو ببعضها احتجوا [ ص: 387 ] على حدوث الموصوف الذي قامت به، وقالوا به، وقالوا: إنها لا تقوم إلا بمتحيز، ولا تقوم إلا بمحدث نفوها عن الله تعالى.