الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية

ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

صفحة جزء
فإن هذه عادة تعم بني آدم

الوجه الثالث والعشرون: أن يقال: هب أن سبب ذلك الإلف والعادة التي تلقاها الأخلاف عن الأسلاف، لكن العادة التي تعم بني آدم مع تباين حالهم وأديانهم واختلاف علومهم وإراداتهم لا تكون إلا عادة صحيحة كما اعتادوه من الأمور الطبيعية والخلقية، فإنهم جميعهم يعتادون الأكل والشرب والنكاح واللباس، وكل هذه العادات صحيحة مبنية على علوم صحيحة، ولها منافع صحيحة، كذلك اعتيادهم مدح الصدق والعدل والعلم ومحبته وتحسينه، وذم الكذب والظلم والجهل وبغضه وتقبيحه؛ هذه عادة صحيحة حسنة باتفاق الخلائق، لا ينازع في ذلك من يقول بتحسين العقل وتقبيحه ولا من ينفيه، إذ هم جميعا متفقون على أن اعتقاد محبة هذا وحمده وبغض هذا وذمه عادة صحيحة ليست فاسدة ولا مبنية على اعتقاد فاسد، سواء كان ذلك لانتفاعهم بذلك في الدنيا أو لغير ذلك.

[ ص: 602 ] فظهر أن ما أضعف به الحجة أفادها به قوة، إذ العادات العامة لجميع الأمم من أعظم العادات وأصحها، وبنو آدم لا يؤتون من جهة ما اتفقوا عليه، فإنهم لا يتفقون إلا على حق، وإنما يؤتون من جهة تفرقهم واختلافهم، كما قال تعالى: ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك [هود: 118، 119] ولهذا كانوا مفطورين على الإقرار بالصانع والدين له، فهذا الذي اجتمعوا عليه حق، ولكن تفرقوا في الشرك. فكل قوم لهم رأي وهوى يخالفون به الآخرين، قال تعالى: فأقم وجهك للدين حنيفا فطرت الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون منيبين إليه واتقوه وأقيموا الصلاة ولا تكونوا من المشركين من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون [الروم: 30-32] ولهذا وصف الله نبيه وأمته بأنهم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر. والمعروف الذي تطلبه القلوب وتريده بقطرتها إذا علمته، والمنكر الذي تبغضه وتكرهه إذا علمته.

فإذا كان بنو آدم متفقين على هذه العادة التي مضمونها الرفع إلى الله حين الدعاء، وكان ذلك يتضمن قصدهم للإله الذي هناك: كان هذا من أعرف المعروف عند جميع بني آدم.

التالي السابق


الخدمات العلمية