الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله ( وإن عطب الهدي في الطريق نحره في موضعه ) وهذا بلا نزاع ولكن قال جماعة من الأصحاب : لو خاف أن يعطب ذبحه وفعل به كذلك قوله ( ولا يأكل منه هو ولا أحد من رفقته ) يعني : يحرم عليه الأكل هو ورفقته من الهدي إذا عطب وهذا المذهب [ ص: 98 ] وعليه أكثر الأصحاب وجزم به في المغني ، والشرح ، والوجيز ، وغيرهم وقدمه في الفروع وغيره وأباح الأكل منه : القاضي ، وأبو الخطاب في الانتصار مع فقره واختار في التبصرة : إباحته لرفيقه الفقير وقوله " ولا أحد من رفقته " قال في الوجيز : ولا يأكل هو ولا خاصته منه قلت : وهو مراد غيره وقد صرح الأصحاب بأن الرفقة الذين معه : ممن تلزمه مؤنته في السفر قوله ( فإن تعيبت ذبحها وأجزأته ، إلا أن تكون واجبة قبل التعيين ، كالفدية والمنذورة في الذمة فإن عليه بدلها ) اعلم أنه إذا تعين ما عينه فتارة يكون قد عينه عن واجب في ذمته ، كهدي التمتع والقران والدماء الواجبة في النسك بترك واجب أو بفعل محظور ، أو وجب بالنذر وتارة يكون واجبا بنفس التعيين فإن كان واجبا بنفس التعيين ، مثل ما لو وجب أضحية سليمة ، ثم حدث بها عيب يمنع الإجزاء من غير فعله فهنا عليه ذبحه وقد أجزأ عنه ، كما جزم به المصنف هنا وهو المذهب ونص عليه فيمن جرها بقرنها إلى المنحر فانقلع وجزم به في المغني ، والشرح ، والوجيز ، والخرقي ، والزركشي وغيرهم وقدمه في الفروع وغيره وقال القاضي : القياس لا تجزئه فعلى المذهب : تخرج بالعيب عن كونها أضحية قاله في القاعدة الأربعين فإذا زال العيب عادت أضحية كما كانت ذكره ابن عقيل في عمدة الأدلة فلو تعينت هذه بفعله : فله بدلها جزم به في المغني ، والشرح وهو ظاهر ما جزم به في الفروع وإن كان معينا عن واجب في الذمة وتعيب أو تلف أو ضل ، أو عطب ، [ ص: 99 ] أو سرق ، أو نحو ذلك : لم يجزئه ، ولزمه بدله ويلزم أفضل مما في الذمة إن كان تلفه بتفريطه قال الإمام أحمد : من ساق هديا واجبا ، فعطب أو مات فعليه بدله وإن شاء باعه وإن نحره جاز أكله منه ، ويطعم لأن عليه البدل قاله في الفروع وقال : كذا قال وأطلق في الروضة : أن الواجب يفعل به ما شاء وعليه بدله انتهى .

وفي بطلان تعيين الولد وجهان وأطلقهما في الفروع والزركشي وقال في الفصول : في تعيينه هنا احتمالان قال في المغني ، والشرح : إذا قلنا يبطل تعيينها ، وتعود إلى مالكها : احتمل أن يبطل التعيين في ولدها تبعا ، كما ثبتت تبعا قياسا على نمائها المتصل بها واحتمل أن لا يبطل ، ويكون للفقراء لأنه تبعها في الوجوب حال اتصاله بها ولم يتبعها في زواله لأنه صار منفصلا عنها فهو كولد المبيع المعيب إذا ولد عند المشتري ثم رده ، لا يبطل البيع في ولدها ، والمدبرة إذا قتلت سيدها فبطل تدبيرها ، لا يبطل في ولدها انتهى وقدم ابن رزين في شرحه : أنه يتبعها قلت : الذي يظهر : أنه لا يبطل تعيينه لأنه بوحوده قد صار حكمه حكم أمه ، لكن تعذر في الأم فبقي حكم الولد باقيا قوله ( وهل له استرجاع هذا العاطب والمعيب إلى ملكه ؟ على روايتين ) وأطلقهما في المحرر ، والرعايتين ، والحاويين ، والشرح ، وشرح ابن منجا ، والزركشي

إحداهما : ليس له استرجاعه إلى ملكه إذا كان معينا لأنه قد تعلق به حق الفقراء وهذا المذهب قال في الفروع : ليس له استرجاعه على الأصح وصححه في النظم [ وتصحيح المحرر ] [ ص: 100 ]

الرواية الثانية : له استرجاعه إلى ملكه ، فيصنع به ما شاء وهو ظاهر كلام الخرقي وصححه في التصحيح ، والفائق واختاره المصنف ، والشارح ، وابن أبي موسى قاله الزركشي وقدمه ابن رزين في شرحه وجزم به في الوجيز ، والمنتخب ، وتذكرة ابن عبدوس قوله ( كذلك إذا ضلت فذبح بدلها ثم وجدها ) يعني : أن في استرجاع الضال إلى ملكه إذا وجده بعد ذبح بدله

الروايتين المتقدمتين وهذا هو الصحيح من المذهب فالحكمان واحد والمذهب هنا كالمذهب هناك وجزم به في الفروع ، والرعاية ، والمحرر ، وغيرهم وأما المصنف والشارح : فإنهما قطعا بأنه يذبح البدل والمبدل ، ولم يحكيا خلافا ولكن خرجا تخريجا : أنه كالمسألة التي قبلها وقال ابن منجا : ويقوى لزوم ذبحه مع ذبح الواجب حديث ذكره ففيه إيماء إلى التفرقة ، إما لأجل الحديث ، أو لأن العاطب والمعيب قد تعذر إجزاؤه عن الواجب فخرج حق الفقراء ذلك إلى بدله وأما الضال : فحق الفقراء فيه باق وإنما حقهم لتعذره وهو فقده وجزم في المذهب ، والمستوعب ، والتلخيص ، وغيرهم : بأنه يذبح البدل والمبدل ، كما قطع به المصنف والشارح

التالي السابق


الخدمات العلمية