الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( ويصدق العامل بيمينه في ) ( قوله لم أربح ) شيئا أصلا ( أو لم أربح إلا كذا ) عملا بالأصل فيهما ، ولو أقر بربح قدر ثم ادعى غلطا في الحساب أو كذبا لم يقبل لأنه أقر بحق لغيره فلم يقبل رجوعه عنه . نعم له تحليف المالك وإن لم يذكر شبهة ويقبل قوله بعد خسرت إن احتمل كأن عرض كساد كما قاله القاضي الحسين ( أو اشتريت هذا للقراض ) وإن كان خاسرا ( أولى ) وإن كان رابحا حيث وقع العقد على ما في الذمة لأنه مأمون وهو أدرى بقصده ، أما لو كان الشراء بعين مال القراض فإنه يقع للقراض وإن نوى نفسه كما قاله الإمام وجزم به في المطلب . والأوجه كما قاله جمع متقدمون عدم قبول بينة المالك أنه اشتراه بمال القراض لأنه قد يشتري لنفسه بمال القراض عدوانا فلا يصح البيع ( أو لم تنهني عن شراء كذا ) كأن اشترى سلعة فقال نهيتك عن شرائها فقال العامل لم تنهني فيصدق العامل وتكون للقراض لأن الأصل عدم النهى . أما لو قال المالك لم آذنك في شراء كذا فقال العامل بل أذنت لي فالمصدق المالك ( و ) يصدق العامل بيمينه أيضا ( في ) جنس أو ( قدر رأس المال ) وإن كان هنا ربح لأن الأصل عدم دفع زيادة إليه . فلو قارض اثنين على أن نصف الربح له والباقي بالسوية بينهما فربحا وأحضرا ثلاثة آلاف فقال المالك رأس المال ألفين وصدقه أحدهما وأنكر الآخر وحلف أنه ألف فله خمسمائة لأنها نصيبه بزعمه وللمالك ألفان عن رأس المال لاتفاقه مع المعترف عليه وله ثلثا خمسمائة عن الربح والباقي منها للمقر لاتفاقهم على أن ما يأخذه المالك من الربح مثلا ما يأخذه كل من العاملين وما أخذه المنكر كالتالف ولو أحضرا ألفين أخذ المنكر ربع الألف الزائد على ما أقر به لأنه نصيبه بزعمه والباقي يأخذه المالك صرح به في الروضة ( و ) في ( دعوى التلف ) على التفصيل الآتي في الوديعة لأنه [ ص: 243 ] أمين ومن ثم ضمن بما تضمن به كأن خلط مال القراض بما لا يتميز به ، ومع ضمانه لا ينعزل كما مر فيقسم الربح على قدر المالين .

                                                                                                                            نعم لو أخذ مالا يمكنه القيام به فتلف بعضه ضمنه كما نص عليه البويطي واعتمده جمع متقدمون لأنه فرط بأخذه ، ويتعين طرده في الوكيل والوديع والوصي وغيرهم من الأمناء كما قاله الزركشي كالأذرعي ، وبحث أيضا أنه لو كان القراض لغير الدافع دخل المال في ضمان العامل بمجرد أخذه ، وشمل كلام المصنف ما لو ادعى تلفه ثم اعترف ببقائه ثم ادعى تلفه ، ولو ادعى المالك بعد تلف المال أنه قرض والعامل أنه قراض صدق المالك بيمينه كما جزم به ابن المقري وجرى عليه القمولي في جواهره وأفتى به الوالد رحمه الله تعالى خلافا للبغوي وابن الصلاح إذ القاعدة أن من كان القول قوله في أصل الشيء فالقول قوله في صفته مع أن الأصل عدم الائتمان الدافع للضمان .

                                                                                                                            وقال في الخادم : إنه الظاهر لأن القابض يدعي سقوط الضمان عنه مع اعترافه بأنه قبض . والأصل عدم السقوط ، ويشهد لذلك قول الشيخين قبل ذلك إنه لو ادعى العامل القراض والمالك التوكيل صدق المالك بيمينه : أي ولا أجرة للعامل . نعم لو أقاما بينتين فالظاهر تقدم بينة العامل لزيادة علمها . وقولهما أيضا لو اختلف مالك الدابة وراكبها فقال المالك أجرتكها وقال الراكب أعرتنيها صدق المالك ، فإن أقاما بينتين قدمت بينة المالك في أوجه الوجهين لزيادة علمها . أما لو كان المال باقيا وقال المالك دفعته قراضا فلي حصة من الربح وقال الآخذ أخذته قرضا صدق الآخذ بيمينه والربح له وبدل القرض في ذمته ، ولا يقبل قوله في دفع المال لربه إلا ببينة كما أفتى به الوالد رحمه الله تعالى ( وكذا ) يصدق في ( دعوى الرد ) ( في الأصح ) لأنه ائتمنه كالوكيل ، وكل أمين ادعى الرد على من ائتمنه صدق بيمينه إلا المكتري والمرتهن . والثاني لا كالمرتهن والمستأجر ، وفرق الأول [ ص: 244 ] بأن العامل إنما أخذ العين لمنفعة المالك وانتقاعه هو بالعمل فيها لا بها بخلاف المرتهن والمستأجر .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : ويقبل قوله بعد ) أي بعد قوله ربحت كذا خسرت إلخ ( قوله : أما لو كان الشراء بعين مال القراض ) أي بعينه ، وحينئذ فلا يعمل في صحة العقد للمالك مع قول العامل اشتريت لنفسي ولا بقول العامل مع وجود البينة فبطل العقد ا هـ مؤلف ( قوله : فإنه يقع للقراض ) أي حيث اتفقا على ذلك ، وقوله عدم قبول بينة المالك أي حيث اختلفا فيما حصل به الشراء فلا تخالف بين هذه وما بعدها وهذا هو حاصل ما ذكرناه عن المؤلف في المحلين ( قوله : بمال القراض ) وهذا لا اختلاف ، فإن اختلفا واشترى بعين المال تعديا لم يصح الشراء ا هـ مؤلف ( قوله : أو لم تنهني إلخ ) أي وقد أذنه في شرائه ثم ادعى أنه نهاه عنه كما صور به في شرح الروض ا هـ سم على منهج ويصرح بهذا التصوير قول الشارح بعد : أما لو قال المالك لم آذنك في شراء كذا إلخ ( قوله : فله خمسمائة ) أي للحالف ( قوله وله ثلثا خمسمائة ) أي للمالك ( قوله : ولو أحضر ) أي العامل . ( قوله : والباقي يأخذه المالك ) أي ولا شيء للمقر ( قوله : على التفصيل الآتي في الوديعة ) ومنه أنه إذا لم يذكر سببا أو ذكر سببا خفيا صدق بيمينه ، لكن هل من السبب الخفي ما لو ادعى موت الحيوان أم لا ؟ بل هو من الظاهر لإمكان إقامة البينة عليه فيه نظر ، ولا يبعد أنه إن غلب حصول [ ص: 243 ] العلم بموته لأهل محلته كموت جمل في قرية أو حلة كان من الظاهر فلا يقبل قوله إلا ببينة ، وإلا كأن كان ببرية أو كان الحيوان صغيرا لا يعلم موته عادة كدجاجة قبل قوله لأنه من الخفي .

                                                                                                                            ( قوله : بما لا يتميز به ) أي بسبب الخلط ( قوله لا ينعزل كما مر ) أي في قوله بعد قول المصنف ولا يسافر إلخ ، وقد قال الإمام : لو خلط مال القراض بماله ضمن ولم ينعزل ، لكن قد يشكل عدم الانعزال هنا بما مر في الغصب من أنه إذا خلط مال غيره بماله ولم يتميز يكون كالتالف ويملكه الغاصب ، ومقتضى ملكه له وكونه كالتالف انعزاله ، إلا أن يقال : لما كان له الإعطاء من المخلوط نزل منزلة الباقي فليتأمل ( قوله : والأصل عدم السقوط ) يؤخذ من هذا التعليل أن المالك لو ادعى أنه باعه وسلمه العين عن جهة البيع وادعى الآخذ الوكالة صدق المالك لأن الآخذ اعترف بالقبض وادعى الائتمان والأصل عدمه ، ولكن لا يستحق المالك على الآخذ الثمن الذي ذكره ، لأنه إنما صدق في عدم الائتمان وهو لا يستلزم ثمنا يكون في ذمة الآخذ بل إنما يستحق عليه البدل الشرعي من مثل أو قيمة ( قوله : فإن أقاما بينتين ) أي في هذه الصورة وفي دعوى العامل القراض والمالك التوكيل ، وقوله لزيادة علمها : أي بوجوب الأجرة ، كذا قرره م ر ا هـ سم على حج وهو في التي قبلها مخالف لما تقدم في كلام الشارح من تقديم بينة العامل ( قوله : والربح له ) [ ص: 244 ] أي جميعه .



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            [ ص: 242 - 243 ] قوله : فتلف بعضه ) أي : بعد عمله فيه كما هو نص البويطي ، ولفظه : وإذا أخذ مالا لا يقوى مثله على عمله فيه ببدنه فعمل فيه فضاع فهو ضامن ; لأنه مضيع انتهى .

                                                                                                                            وبه يتضح بحث الأذرعي الآتي في قول الشارح : وبحث الأذرعي أيضا إلخ ( قوله : لأنه فرط بأخذه ) الأصوب ما علل به الشافعي رضي الله عنه في نصه السابق من قوله ; لأنه مضيع . ( قوله : إذ القاعدة أن من كان القول قوله في أصل الشيء إلخ ) انظر ما وجه أخذه من هذه القاعدة . ( قوله : نعم لو أقاما بينتين ) أي : في هذه الصورة وفي دعوى العامل القراض والمالك التوكيل ، وقوله : زيادة علمها [ ص: 244 ] أي بوجوب الأجرة ، كذا نقله الشهاب ابن قاسم عن تقرير الشارح




                                                                                                                            الخدمات العلمية