الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( وإن ) ( وقف ) مسلم أو ذمي ( على جهة معصية كعمارة ) نحو ( الكنائس ) المقصودة ، [ ص: 369 ] للتعبد وترميمها وإن مكناهم منه كما قاله السبكي والأذرعي وغيرهما أو قناديلها أو كتابة نحو التوراة ( فباطل ) لكونه إعانة على معصية .

                                                                                                                            نعم ما فعله ذمي لا نبطله إلا إن ترافعوا إلينا وإن قضى به حاكمهم لا ما وقفوه قبل المبعث على كنائسهم القديمة فلا نبطله بل نقره حيث نقرها ، أما نحو كنيسة لنزول المارة أو لسكنى قوم منهم دون غيرهم فيما يظهر فيصح الوقف عليها وعلى نحو قناديلها وإسراجها وإطعام من يأتي إليها منهم لانتقاء المعصية لأنها حينئذ رباط لا كنيسة كما في الوصية ، ومن ثم جرى هنا جميع ما يأتي ثم ، ومما تعم به البلوى أنه يقف ما له على ذكور أولاده وأولاد أولاده حال صحته قاصدا بذلك حرمان إناثهم ، والأوجه الصحة وإن نقل عن بعضهم القول ببطلانه ( أو ) على ( جهة قربة كالفقراء ) والمراد بهم هنا فقراء الزكاة كما هو ظاهر كلام الرافعي في قسم الصدقات . نعم المكتسب كفايته ولا مال له يأخذها ( والعلماء ) وهم عند الإطلاق أصحاب علوم الشرع كالوصية والمدارس والكعبة والقناطر وتجهيز الموتى فيختص به من لا تركة له ولا منفق ( صح ) لعموم أدلة الوقف ولا نظر لكونه على جماد لأن نفع ذلك راجع على المسلمين ، ولا لانقطاع العلماء دون الفقراء لأن الدوام في كل شيء بحسبه هذا كله عند إمكان حصر الجهة ، فلو لم يمكن ذلك كالوقف على جميع الناس صح كذلك أيضا كما أفاده الوالد رحمه الله تعالى تبعا للسبكي خلافا للماوردي والروياني ( أو ) على ( جهة لا تظهر فيها القربة ) بين به أن المراد بجهة القربة ما ظهر فيه قصدها وإلا فالوقف كله قربة ( كالأغنياء صح في الأصح ) كما يجوز بل تسن الصدقة عليهم ، فالمراعى انعقاد المعصية عن الجهة فقط نظرا إلى أن الوقف تمليك كالوصية ، ومن ثم استحسنا بطلانه على أهل الذمة والفساق لأنه إعانة على معصية ، وهو مردود نقلا ومعنى ، وتمثيل المصنف صحيح ، ومن زعم عدم صحته مع سن الصدقة على الأغنياء فكيف لا يظهر فيهم قصد القربة فقد وهم لوضوح الفرق بين ما لا يظهر ولا يوجد ، [ ص: 370 ] ولو حصرهم كأغنياء أقاربه صح جزما كما بحثه ابن الرفعة وغيره ، والغني هنا من تحرم عليه الزكاة ، قاله الزبيلي ، وبحث الأذرعي اعتبار العرف ثم تشكك فيه

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : على جهة معصية ) انظر هل العبرة بعقيدة الواقف أو الموقوف عليه أو بعقيدتهما ؟ فيه نظر ، والأقرب أن العبرة بعقيدة الواقف مطلقا لأنه المباشر للفعل فتعتبر عقيدته ، وبقي ما لو أطلق الوقف على الكنائس فهل يحمل على ما تنزله المارة فيصح أو على ما للتعبد فيبطل ؟ فيه نظر ، والأقرب الثاني ، ثم رأيت في حاشية التحرير لشيخنا الشوبري ما نصه : قوله على عمارة الكنائس لو أطلق الوقف على الكنائس فهل يبطل ، أفتى شيخنا صالح بالبطلان لأن الظاهر من الوقف عليها الوقف على مصالحها الممنوع وهو ما كان يظهر ا هـ ( قوله نحو الكنائس ) وصريح ما ذكر أن هذا إذا صدر من مسلم يكون معصية فقط ولا يكفر به ، وهو ظاهر لأن غايته أنه فعل أمرا محرما لا يتضمن قطع الإسلام ، لكن نقل بالدرس عن شيخنا الشوبري أن عمارة الكنيسة من المسلم كفر لأن ذلك منه تعظيم لغير الإسلام وفيه ما لا يخفى [ ص: 369 ] لأنا لا نسلم أن ذلك فيه تعظيم غير الإسلام مع إنكاره في نفسه وهو لا يضر وبتسليمه فمجرد تعظيمه مع اعتقاد حقية الإسلام لا يضر أيضا لجواز كون التعظيم لضرورة فهو تعظيم ظاهري لا حقيقي ، فإن صح ما نقل عن شيخنا المذكور حمل على تعظيم يؤدي إلى حقارة الإسلام كاستحسان دين النصرانية من حيث هو دينها على دين الإسلام مع التعظيم

                                                                                                                            ( قوله : للتعبد ) أي ولو مع نزول المارة ، وقوله إلا إن ترافعوا إلينا : أي فنبطله وإن قضى إلخ ( قوله : بل نقره حيث نقرها ) أي وإن لم نعلم شروطه عندهم لجواز أن لا يكون المعتبر في شريعتنا معتبرا في شريعتهم حين كانت حقا ( قوله : لنزول المارة ) أي ولو ذميين ( قوله : حال صحته ) أي أما في حال مرضه فلا يصح إلا بإجازة الإناث لأن التبرع في مرض الموت على بعض الورثة يتوقف على رضا الباقين ( قوله : والأوجه الصحة ) أي مع عدم الإثم أيضا ( قوله : ولا مال له ) قضية تخصيص الاستدراك بما ذكر أن من له مال يقع موقعا من كفايته لا يأخذ لأنه ليس فقيرا في الزكاة ، والظاهر أنه غير مراد ، بل الظاهر أن مرادهم بالفقير هنا ما يشمل المسكين فمن له مال يقع موقعا من كفايته لكنه لا يكفيه فقير ( قوله : والعلماء ) أي ويصرف لهم ولو أغنياء ( قوله : على جميع الناس صح ) وعلى الصحة ينبغي أن يكفي الصرف لثلاثة ، لكن لا يتجه هنا إذا فضل الربع عن كفايتهم لا سيما مع احتياج [ ص: 370 ] غيرهم ا هـ سم على حج .

                                                                                                                            وظاهره إن كان المدفوع لهم أغنياء ( قوله : من تحرم عليه الزكاة ) أي بمال له لا بالقدرة على الكسب لما مر في الفقير ا هـ .

                                                                                                                            لكن في سم على حج ما نصه : قوله والغني إلخ شامل للمكتسب السابق إلحاقه بالفقراء في الأخذ من الوقف عليهم ، فعلى هذا الشمول يلزم أن يأخذ المكتسب المذكور مع الأغنياء ومع الفقراء وهو بعيد



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            ( قوله : وإن قضى به حاكمهم ) أي : فنبطله إذا ترافعوا إلينا ( قوله : هذا كله إلخ ) هذا التعبير يوهم ابتداء أن ما سيذكره يخالف حكم ما ذكره وليس كذلك فكان الأولى خلاف هذا التعبير . ( قوله : لوضوح الفرق بين ما يظهر ولا يوجد ) قد يقال : ليس هذا حق الجواب ; لأن المعترض لم يسو بينهما بل ادعى الظهور في الإغياء الذي نفاه المصنف فكان حق الجواب إنما هو [ ص: 370 ] ادعاء منع الظهور




                                                                                                                            الخدمات العلمية